14 مايو 2018
الحالة الفلسطينية بين الإدراك والاستعباط
فادي الحسني (فلسطين)
أقصى درجات التناقض في الحالة الفلسطينية أننا نعيش بلا وطن، ولكن بيننا سياسيين أذكياء إلى حد أنهم، في بعض الأوقات، ينزعوا عنا صفة العقلانية، سواء في استشراف المستقبل، أو حتى قراءة الواقع المظلم. والواضح أن دورنا نحن المواطنين لا يعدو أن يكون دور أي مواطن عادي بائس، مطلوب منه أن يفكر في احتياجات الثلاجة أكثر من أي شيء آخر.
وبالمناسبة، هذه كانت غاية إسرائيل وحلفائها، يشغلونا بأنفسنا حتى يصبح أكبر همنا طرداً غذائياً، ثم جاء السياسيون ليزيدوا الطين بلة (سهواً أو قصداً) بتغييب الهوية الحقيقية، والهدف الأسمى المعروف بـ"تحرير فلسطين"، ويصبح شغلنا الشاغل كيف سنتدبر قوت يومنا؟ وعلى أي حال سننام ليلنا المعتم، ونحو أي منظمة إغاثية سنتجه كل صباح لطلب المعونة.
سوء هذا الواقع، ما كنا لنصل إليه، لولا إمعان سياسيينا في انفصالهم وانقسامهم البغيض، وتجسيد أفظع معاني الشرخ بين شطري الوطن (قطاع غزة- الضفة الغربية) بانتهاج الانتقائية والفئوية في التعامل مع مصالح المواطن واحتياجاته الإنسانية. وقد يعد معبر رفح نموذجاً سوداوياً لهذه السياسة العقيمة التي تعتمدها أطراف الانقسام (حماس وفتح) ورقة قوة يستخدمها الخصمان، كل فيما يخدم أهدافه ويحقق مصالحه، وكأنها رسالة للمواطن "طز في مصالحك".
قبل أيام، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موافقته على مبادرة الفصائل الفلسطينية بشأن مشكلة معبر رفح، على الرغم من المآخذ عليها، منتظراً رد حركة حماس عليها، حتى ترى المبادرة النور. في المقابل، قالت حماس إنها لا تمانع من أن تتسلم لجنة وطنية من الفصائل مهمة الإشراف على المعبر"، وهو أمر يتعارض مع المبادرة المطروحة، وتنص على أن تتسلم حكومة التوافق الوطني المسؤولية الكاملة عن إدارة معبر رفح، والاتفاق على طاقم مهني ذي كفاءة عالية، ليشرف على العمل هناك من الناحية الإدارية، وأن يتسلم الحرس الرئاسي مسؤولية الأمن على الحدود الفلسطينية المصرية.
ولعل حماس حاولت، هذه المرة، أن تعزز لغة الدبلوماسية من الانتقال من مربع الرفض الكامل للمبادرة، إلى الالتفاف عليها بطلب تسليم المعبر لجهة وطنية، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن المشكلة ستبقى تراوح مكانها، وأنه لا فرصة للحل، طالما بقيت الأطراف متمسكة بمطالبها، من دون اكتراث للوضع الانساني الذي توحي حماس بأن القاهرة ورام الله متسببتان فيه.
لسنا في صدد تبرئة أحد. ولكن، أن تبقى الحالة على ما هو عليه أمر مشين في حق سياسيينا، خصوصا وأن كلاً منهم يتمترس خلف شروطه الخفية، بما يعكس حالة الاستعباط السياسي غير المسبوق في التعامل مع الحالة السوداوية التي نعانيها.
أكثر الأمور إزعاجاً بالنسبة للمواطن الغزي، خصوصاً، هو يقينه الكامل بأن الجميع يلعب على عامل الوقت، بما يخدم مصالحه، سواء كانت حماس أو حتى الرئيس محمود عباس، فالأولى تتطلع إلى تغيرات سياسية على المستوى الإقليمي، يعيد رسم خارطة التحالفات مع الصقور لا الحمائم، من دون أن يخل في صورتها، وبما يحفظ لها مصالحها بوصفها حركة مقاومة، ويحقق انفراجة على صعيد الحصار المفروض على غزة، يمكّنها من دفع رواتب موظفيها (45 ألفا) ويغنيها عما يعرف بـ"حكومة الوفاق"، وهذا قد يعد أمراً متعذراً في الوقت الراهن، لوجود اعتبارات دولية أهم وأولى من غزة بالنسبة للجهات صاحبة النفوذ في المنطقة.
وعلى النقيض، يطمح عباس إلى تحقيق مكسب سياسي يتعلق باستئناف عملية التسوية مع الجانب الإسرائيلي، بما يخدم رؤيته السلمية نحو إنهاء الصراع مع الاحتلال، وهو أمر يستحيل أن يتحقق على اعتبار أن اسرائيل موغلة في الاستيطان والتهويد ومحاولة إذابة الهوية الفلسطينية، خصوصا في القدس، ولا يمكن أن تقبل حتى ببحث قضايا الحل النهائي (القدس، الاستيطان، اللاجئين).
محاولة التذاكي من قطبي الصراع على الساحة الفلسطينية وممارسة التضليل تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أننا سنظل الضحية مواطنين. وكأنه مطلوب منا أن نجافي الحقائق، انسجاماً مع حالة الاستعباط السياسي، وأن نبقى واقعين تحت سيف الرقابة، بما يدفعنا لنسب تدهور الحالة إلى الحصار واعتماد نظرية المؤامرة في تحليل المواقف، أكثر من اتهام طرفي الانقسام بشكل مباشر بالوقوف خلف أزماتنا المتلاحقة، بدءا بالمعبر وليس انتهاء بالواقع الاقتصادي المتردي.
وبالمناسبة، هذه كانت غاية إسرائيل وحلفائها، يشغلونا بأنفسنا حتى يصبح أكبر همنا طرداً غذائياً، ثم جاء السياسيون ليزيدوا الطين بلة (سهواً أو قصداً) بتغييب الهوية الحقيقية، والهدف الأسمى المعروف بـ"تحرير فلسطين"، ويصبح شغلنا الشاغل كيف سنتدبر قوت يومنا؟ وعلى أي حال سننام ليلنا المعتم، ونحو أي منظمة إغاثية سنتجه كل صباح لطلب المعونة.
سوء هذا الواقع، ما كنا لنصل إليه، لولا إمعان سياسيينا في انفصالهم وانقسامهم البغيض، وتجسيد أفظع معاني الشرخ بين شطري الوطن (قطاع غزة- الضفة الغربية) بانتهاج الانتقائية والفئوية في التعامل مع مصالح المواطن واحتياجاته الإنسانية. وقد يعد معبر رفح نموذجاً سوداوياً لهذه السياسة العقيمة التي تعتمدها أطراف الانقسام (حماس وفتح) ورقة قوة يستخدمها الخصمان، كل فيما يخدم أهدافه ويحقق مصالحه، وكأنها رسالة للمواطن "طز في مصالحك".
قبل أيام، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موافقته على مبادرة الفصائل الفلسطينية بشأن مشكلة معبر رفح، على الرغم من المآخذ عليها، منتظراً رد حركة حماس عليها، حتى ترى المبادرة النور. في المقابل، قالت حماس إنها لا تمانع من أن تتسلم لجنة وطنية من الفصائل مهمة الإشراف على المعبر"، وهو أمر يتعارض مع المبادرة المطروحة، وتنص على أن تتسلم حكومة التوافق الوطني المسؤولية الكاملة عن إدارة معبر رفح، والاتفاق على طاقم مهني ذي كفاءة عالية، ليشرف على العمل هناك من الناحية الإدارية، وأن يتسلم الحرس الرئاسي مسؤولية الأمن على الحدود الفلسطينية المصرية.
ولعل حماس حاولت، هذه المرة، أن تعزز لغة الدبلوماسية من الانتقال من مربع الرفض الكامل للمبادرة، إلى الالتفاف عليها بطلب تسليم المعبر لجهة وطنية، وهذا يعطي دلالة واضحة على أن المشكلة ستبقى تراوح مكانها، وأنه لا فرصة للحل، طالما بقيت الأطراف متمسكة بمطالبها، من دون اكتراث للوضع الانساني الذي توحي حماس بأن القاهرة ورام الله متسببتان فيه.
لسنا في صدد تبرئة أحد. ولكن، أن تبقى الحالة على ما هو عليه أمر مشين في حق سياسيينا، خصوصا وأن كلاً منهم يتمترس خلف شروطه الخفية، بما يعكس حالة الاستعباط السياسي غير المسبوق في التعامل مع الحالة السوداوية التي نعانيها.
أكثر الأمور إزعاجاً بالنسبة للمواطن الغزي، خصوصاً، هو يقينه الكامل بأن الجميع يلعب على عامل الوقت، بما يخدم مصالحه، سواء كانت حماس أو حتى الرئيس محمود عباس، فالأولى تتطلع إلى تغيرات سياسية على المستوى الإقليمي، يعيد رسم خارطة التحالفات مع الصقور لا الحمائم، من دون أن يخل في صورتها، وبما يحفظ لها مصالحها بوصفها حركة مقاومة، ويحقق انفراجة على صعيد الحصار المفروض على غزة، يمكّنها من دفع رواتب موظفيها (45 ألفا) ويغنيها عما يعرف بـ"حكومة الوفاق"، وهذا قد يعد أمراً متعذراً في الوقت الراهن، لوجود اعتبارات دولية أهم وأولى من غزة بالنسبة للجهات صاحبة النفوذ في المنطقة.
وعلى النقيض، يطمح عباس إلى تحقيق مكسب سياسي يتعلق باستئناف عملية التسوية مع الجانب الإسرائيلي، بما يخدم رؤيته السلمية نحو إنهاء الصراع مع الاحتلال، وهو أمر يستحيل أن يتحقق على اعتبار أن اسرائيل موغلة في الاستيطان والتهويد ومحاولة إذابة الهوية الفلسطينية، خصوصا في القدس، ولا يمكن أن تقبل حتى ببحث قضايا الحل النهائي (القدس، الاستيطان، اللاجئين).
محاولة التذاكي من قطبي الصراع على الساحة الفلسطينية وممارسة التضليل تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أننا سنظل الضحية مواطنين. وكأنه مطلوب منا أن نجافي الحقائق، انسجاماً مع حالة الاستعباط السياسي، وأن نبقى واقعين تحت سيف الرقابة، بما يدفعنا لنسب تدهور الحالة إلى الحصار واعتماد نظرية المؤامرة في تحليل المواقف، أكثر من اتهام طرفي الانقسام بشكل مباشر بالوقوف خلف أزماتنا المتلاحقة، بدءا بالمعبر وليس انتهاء بالواقع الاقتصادي المتردي.
مقالات أخرى
18 يناير 2018
21 مايو 2016
07 مارس 2016