الحاج حسن.. تسعيني شاهدٌ على النكبة

15 مايو 2015
لاجئون من حيفا الى الشتات (Getty)
+ الخط -
ولد حسن عيسى عام 1925 في حطّين، وانتقل منها إلى نابلس، ومطلع عقده الثاني اقتُلع كنبتة يانعة من نابلس، فلم تعد أي تربة تناسبه أو يناسبها.

اليوم يتذكّر الحاج حسن، وهو يخطو نحو عقده التاسع، أيام النكبة الطويلة، التي عاشت معه طويلاً، بل عاشت فيه إلى اليوم: "أذكر بوضوح الطائرات وهي تُغير على منطقة لوبية، مستهدفة العجائز والنساء والأطفال، والمقاومين المسلحين اللائذين بالمغارات، كما أذكر أنه في هذه المنطقة جرت معركة شرسة بين جيش الإنقاذ والجيش الصهيوني، وهي معركة الشجرة، وقد استبسلت عائلة الشهابية فيها، واستشهد ثلاثة من أبنائها".

يحمل الحاج صورة له بالملابس الفدائية، ويريها لحفيدته، متحدّثاً عن جيش الإنقاذ: "كان يضمّ عدداً كبيراً من المسلّحين من الأقطار العربية كافة، وكان تحت قيادة فوزي باشا، الذي أعطى أوامره للجنود باقتحام المستعمرة لاحتلالها، لكنّ عملية الاقتحام فشلت وتمّ الانسحاب. وأثناء المعارك أمرنا الباشا أن نبتعد عن بعضنا البعض مسافة 6 أمتار فقط، ونسير نحو المستعمرة ونقوم بالهجوم عليها، وخلال الهجوم تقدمت نحونا ملالتان، ولكنه قال: إذا تراجعت الملالتان للخلف هذا يعني أن جيشاً خلفها، لذا لا تهاجموها بل انسحبوا".

لا يبذل الحاج التسعينيّ مجهوداً ليتذكّر، يتابع: "كما أذكر أنّه ذات مرّة، أغار طيران العدو الصهيوني، فشعرت أنّ صاروخاً سيسقط علينا، كنت أبلغ 22 عاماً، وضعت في بندقيتي رصاصة، وجهّزت نفسي لإطلاق النار على الطائرات، إلا أنّ مسؤولي في الجيش، وكان عراقياً، صرخ بي: "ليس لدينا أوامر لإطلاق النار، ونحن في فترة هدنة مع العدو".

بدء الشتات
في تجاعيد وجهه ويديه ورجفة صوته، نفهم كمّ المرارة التي اختزنها، لأنه لم ينجح في متابعة النضال في فلسطين: "لم تكن المعارك متكافئة، لا بالعتاد ولا بالعدد، والى اليوم لم نر العدل والتكافؤ في حياتنا، منذ غزانا الصهاينة ونحن في ظلم، استطاع العدو الصهيوني أن يحتلّ فلسطين، وبعد ذلك بدأت رحلتنا الجديدة مع الأسى واللجوء".

تتبع الحفيدة مسار رحلة التهجير في حكاية جدّها: "وصلنا لبنان في الصيف، كانت الحرارة شديدة، والآبار مقفلة، لم يُسمح لنا أن نشرب، لكن الأهالي فتحوها بالقوة، ومن ثم ذهبنا إلى قرية بنت جبيل، وكان اسمها بيت ياحون، هاجمنا الجيش هناك، فهربنا إلى مدينة صور، حيث تمّ استغلالنا مادياً بتعريفة المواصلات، ومن ثم وصلنا إلى محطة القطار في صور، وأخذنا وجهتنا إلى حماة في سورية، وهناك وجدنا شاحنات الجيش جاهزة لنقلنا إلى جامع خالد بن الوليد، واستقبلنا الأهالي وبقينا هناك مدة أسبوع، عانينا ما عانيناه من الذلّ والقهر".

استقرّ الحاج حسن في مخيم عين الحلوة في لبنان، سكن خيمة كآلاف غيره وإلى اليوم لم يسكن بيتاً، بمعناه الحقيقي: "خرجت شاباً مهزوماً وعشت لاجئاً ذليلاً، وأحكي هذه الحكاية كي يتّعظ أحفادي ويؤمنوا بتحرير أرضنا وعودتنا إليها، هناك فقط كرامتنا وشفاء آلامنا".

اقرأ أيضا:الحاجة فاطمة.. ذاكرة مشبعة بمآسي النكبة
المساهمون