الجمهورية الجديدة

08 ديسمبر 2015
+ الخط -
في تجمعٍ يحاول أن يحتوي معظم الأشكال المعارضة السورية، ستحتشد شخصيات وهيئات وأحزاب وتيارات وكتائب مقاتلة، في الرياض، لتخرج "بورقة" توافقية تواجه بها الأسد.
يأتي هذا التحشد، بعد تمهيد اختلفت لهجتُه، وتباينت نبراتُه، على وقع تصعيدات روسيةٍ، أَرْسلت قيادتها، أخيراً، طائراتها إلى مطار حميميم العسكري، بعد أن مهدت مهبطاً يستوعب تحركات مقاتلاتها الحديثة، في إشارة عسكرية مباشرة إلى الجانب الذي تقف معه روسيا وتحميه، فيما اكتفت تركيا بإسقاط طائرة واحدةٍ، دخلت مجالها الجوي، وفق رد تختلط فيه مبادئ السيادة وحماية الحدود بمنطق رد "الكيد إلى النحور".
استمرت أميركا، على لسان متأبط الملف السوري وزير الخارجية، جون كيري، بالتلجلج، والتأرجح مثل كرة الروليت الحائرة، بينما حافظ وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، على هدوء أعصابه ومطالباته، وفق المفردات نفسها، بأن على الأسد أن يتنحى بالسلم، وإلا فبالحرب، لكن المواقف الإقليمية والدولية حسمت أمرها، وباتت أقرب إلى قبول الأسد في فترة انتقالية مدة معلومة ومحددة سلفاً. يتضح هذا الموقف من تصريحات وزراء خارجية الدول الكبرى المشتركة في القصف الجوي على داعش، ويبدو موقفاً منخفض السقف "وطنياً"، يقبل بوجود أجزاء من السلطة الحالية بعد رحيل الأسد.. تتواطأ معه الدول الكبرى، لأنه طرح زهيد التكلفة للدول التي تبدو متضررة إعلامياً وأخلاقياً من وجود تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يظهر أن الهدف الحقيقي من الإصرار على جمع أشتات السوريين، تحت سقف مؤتمر واحد، هو مواجهة التنظيم بالدرجة الأولى، والاستفادة من الرمق الباقي للجيش السوري التابع للأسد في هذه المواجهة.
يبدو هذا الطرح أقرب إلى الأمنية، فدونه معوقات كثيرة، أهمها حلم الأسد بإعادة كل شيء إلى ما كان عليه قبل مارس/ آذار 2011، وبعضها الآخر اشمئزاز القوات السورية المعارضة في "الانبطاح" في خندق واحد، مع المسبب الحقيقي لكل هذه الفوضى.
قد تشهد جلسات المؤتمر صخباً غير اعتيادي، لاتساع الطيف المعارض، والتباين الكمي والنوعي في النماذج المعارضة التي تلقت دعوات رسمية. لم تشمل الدعوة المجموعات التي تحمل فكراً متطرفاً، مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة، على الرغم من اتساع المساحة التي يسيطر عليها التنظيمان، فهذا التجمع موجه، أصلاً، ضدهما، ودعيت بالمقابل مجموعات مقاتلة تحمل شعارات إسلاميةٍ، من المتوقع أن تكون نظرتها إلى دولة المستقبل السورية، ذات طابع "تراثي"، بمضمون إسلامي فاعل وأساسي، فيما تقف معارضة الداخل "السياسية" حائرةً بين اتهامات "العمالة" للنظام وشكوك الاختراق، وهذه ستكون ذات صوت منخفض، يردد مقولاتٍ وطنية تقليدية، مثل وحدة الأراضي وديمقراطية الدولة المنشودة، وقد تكون رغبتها بالتخلص المبكر من الأسد أقل حدة.
تتبنى المعارضات الخارجية المؤتلفة والمستقلة لهجة أقوى وأوضح، فهي في معظمها ترغب برحيل الأسد فوراً، ومن دون قيد أو شرط، وبعضها ليس على استعداد للعمل مع النظام، أو مع مَن يمثله، وما زال يضع رحيله شرطاً مسبقاً لأي شيء، متحدياً الرغبات المكبوتة لبعض الدول الراعية، في مطلبٍ يحمل نبرة عالية تفوق المطالبة بدولة ديمقراطية تعددية، فيما تقف تجمعات معارضة أصغر ذات الطبيعة الطائفية والقومية قرب الهامش، متمسكة بلكنة حامضةٍ، مليئة بتعداد للطوائف والقوميات، وهذه تتساهل ببند رحيل الأسد الفوري، لكنها تصر على الوصول إلى دولةٍ تحمي حقوقها، وتكفل لها وجوداً طبيعياً أو كريماً.
مصير الأسد عنوان عريض للدولة المقبلة، وسط دعوات تقليدية إلى الحفاظ على الكيان السوري، بجغرافيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتنوع نفسه، لكن صياغة عقد اجتماعي لهذا النوع من الدول أصبح، ضمن الواقع الإقليمي الحالي، شبه مستحيل، فقد انتهى عهد الدولة المتماسكة بفضل "قوة" الدكتاتور، والتي تتجاهل مشكلاتها القومية والمذهبية، وترى في هذا التجاهل حلاً عميقاً، يتجاوز الحوار الجريء والموضوعي بشأن القضايا الوطنية.
لا تعتمد الجمهورية الجديدة على توافق محلي فقط بجلوس "الأخوة الأعداء" على مقاعد متواجهة، لكنها ستقوم نتيجة الصراع الإقليمي المحتدم منذ ما قبل الثورة السورية، والذي يحمل وجوهاً معقدة، منها السياسي، والعسكري، والمذهبي أيضاً.