الجزائر: وهم تمدّد "داعش" عبر "جند الخلافة"

18 نوفمبر 2014
تشديد الإجراءات على الحدود في الشهرين الأخيرين (فرانس برس)
+ الخط -

منذ إعلان جماعة منشقّة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تأسيس تنظيم جديد باسم "جند الخلافة في أرض الجزائر"، ومسارعته إلى مبايعة تنظيم "الدولة الاسلاميّة" (داعش) وزعيمه أبو بكر البغدادي، أخذت السلطات الجزائريّة على محمل الجدّ، إمكانيّة تمدّد التنظيم المرعب إلى الجزائر، في ظلّ إصرار مجموعات مسلّحة، صغيرة العدد، على الاستمرار في العمل المسلّح ضد السلطة.

وتوحي العمليات الإرهابيّة المتفرّقة بشكل متباين في أكثر من منطقة في الجزائر، بوجود أكثر من تنظيم مسلح، لكنّ الواقع لا يؤكد هذا الطرح، ويؤشر إلى أنّ تنفيذ عمليات إرهابيّة في مناطق متباينة، ليس سوى خطوة تكتيكيّة من قبل الجماعات الإرهابيّة، لإعطاء الانطباع بوجودها في كلّ مناطق البلاد. لكنّ الثابت أنّ خريطة التواجد والنشاط الفعلي للمجموعات المسلّحة، ترسم نفسها على أساس تواجد مركزي في منطقة جنوبي الجزائر في الصحراء، حيث تتواجد مجموعات تتبع تنظيم "الموقعون بالدماء"، الذي نشأ بالتحالف بين كتيبة الملثمين بقيادة مختار بلمختار، وتنظيم التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.

ويستفيد التنظيم المسلّح من جغرافيّة المنطقة وتعقيداتها القبليّة، التي تمتد إلى مالي والنيجر، كما تُعدّ منطقة شرقي الجزائر القريبة من الحدود مع تونس، أبرز مناطق نشاط الجماعات الإرهابيّة، مستفيدة من تواصلها مع المجموعات المسلّحة التونسيّة المتمركزة في جبل الشعانبي، على الحدود بين البلدين. وتضمّ منطقة القبائل، خمس ولايات تقع بالقرب من العاصمة الجزائرية إلى الشرق، وهي ولايات البويرة وتيزي وزو وبجاية وبرج بوعريريج وبومرداس، وتُعدّ أكثر المناطق الساخنة في الجزائر، ويُرجّح أن تكون قيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وزعيمها عبد المالك درودكال متمركزة فيها.

وفي منطقة قريبة من ولاية البويرة، التي شهدت إعلان ولادة تنظيم "جند الخلافة في أرض الجزائر"، نفّذ أولى عمليّاته الإرهابيّة، بخطفه في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، الرعية الفرنسي هرفي بيار غوردال، ومن ثمّ إعدامه بعد يومين. ويبدو أن التنظيم، أراد لهذه العمليّة أن تشكّل منعطفاً جديداً في مسار نشاط الجماعات الإرهابيّة في الجزائر، ومحاولة جديّة لتمدّد تنظيم "داعش"، فعلياً، إلى الجزائر. وكان الأخير قد أعلن الجزائر من ضمن خريطة الدول المشمولة بنشاطاته، والتي يشدّد التنظيم في بياناته وتسجيلات زعيمه أبو بكر البغدادي، على أنّ له فيها أتباعاً، ودعاهم في أكثر من مرّة، إلى تنفيذ عمليات إرهابيّة.

وبعد انتهاء تلك العمليّة بشكل مأساوي، منذ ما يقارب الشهرين، اختفى التنظيم كلياً من المشهد الأمني، ويبدو أنه عجز عن القيام بأي تحرّك ميداني أو استقطاب مجندين جدد، في مؤشّر أوّلي على اجتياز الجزائر الشوط الأكبر من مرحلة مكافحة الارهاب، بعد أن تمكّنت من القضاء على معظم المجموعات المسلحة، الناشطة في المشهد الأمني الجزائري.

ونظراً لتداعيات هذه المرحلة الدامية على أكثر من صعيد، تؤكّد الجزائر إغلاقها الباب في وجه تنظيم "داعش"، بما يمنع أيّ تواجد فعلي وجدّي له، أو تحوّله إلى تنظيم يفرض نفسه راهناً كتحدٍ أمني في الجزائر، وهو ما يؤكّده رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المالك سلال، بجزمه، خلال زيارة أجراها إلى منطقة برج باجي مختار الحدودية، قبل أسابيع، أنّ بلاده "لا تشهد ولن تشهد وجوداً لتنظيم داعش". وفي السياق ذاته، يندرج إعلان قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح أنّ "قيادة الجيش تستعد لتنفيذ خطة اجتثاث الإرهاب من الجزائر وإنهاء بقايا الإرهاب".
وتؤكّد تقارير أمنيّة، اطلعت عليها "العربي الجديد"، أنّ التطمينات الرسميّة، إزاء المخاوف من تنظيم "داعش" لم تمنع الأجهزة الأمنيّة من تشديد مراقبة المساجد والجامعات، ورصد أيّ تحرّك لشبكات تجنيد مقاتلين من قبل التنظيمات المسلّحة، سواء لاستخدامها في الأعمال الإرهابيّة في الجزائر، أو لإرسالها للقتال في العراق وسورية. وسمحت المراقبة المشدّدة باعتقال دوري لمسلحين وشبكات دعم كانت تعمل لجمع المعلومات والمؤونة والأخبار لصالح المجموعات المسلحة، كما أفضت إلى الحصول على معلومات هامة كانت بحوزة الموقوفين، يجري استغلالها في مهاجمة معاقل المسلحين وتدمير المخابئ واسترجاع الأسلحة والقنابل.

وفي السياق ذاته، تُخضع قوات الجيش والحرس، المنافذ الحدودية لسيطرة محكمة، بما يقفل الطريق أمام أي محاولات تسلّل مسلحين أو عناصر، على صلة بتنظيمات "أنصار الشريعة" في ليبيا، أو "كتيبة عقبة بن نافع" في تونس، أو تنظيم "داعش" في سورية والعراق، في إطار محاولاتهم تشكيل صلة وصل مع "جند الخلافة" في الجزائر. وتأتي هذه الإجراءات لمنع تكرار تجربة تنظيم "الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال"، الذي كان على تواصل مع تنظيم "القاعدة"، عبر شخص يمني تمكّن من دخول البلاد، وهو ما سمح للتنظيم بمبايعة القاعدة وزعيمها أسامة بن لادن، والتحوّل إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وتبنّي نهج التفجيرات الانتحاريّة التي شهدتها الجزائر".
ويبدو أنّ السياق الذي أتاح لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، إعادة تفعيل النشاط الإرهابي، ليس هو نفسه المتوفّر أمام تنظيم "جند الخلافة"، إذ أتاح قانون المصالحة الوطنيّة في الجزائر، للمئات من المسلحين، بالنزول من الجبال ووضع السلاح. كما سمح للمئات من عناصر شبكات دعم وتمويل الإرهاب بتسليم أنفسهم للاستفادة من تدابير العفو التي يقرّها القانون.

كذلك، فإنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الظروف الداخلية المتسمة بحسّ مدني متحفّز إزاء أيّ تطوّرات قد تعيد البلاد إلى مسلسل العنف، والأحكام الأمنيّة المشدّدة، نتيجة التجربة التي استخلصتها قوات الأمن والجيش في مكافحة الإرهاب وتكتيكات المجموعات المسلّحة، لم تترك لتنظيم جند الخلافة أيّ منفذ باتجاه التحوّل إلى تحد أمني حقيقي، ليبقى الإعلان عن وجود التنظيم أشبه بمراهقة تنظيم مسلح.

المساهمون