تعرّضت الثورة التونسية طيلة المراحل الماضية لاختبارات عدة من قبل الأطراف المناهضة للفكر الديمقراطي، سواء من داخل الوطن أو من خارجه. وبدا ذلك جلياً عندما وجد "الربيع العربي" نفسه وسط مآزق عديدة، منها ما هو سياسي، أو اقتصادي، أو ديني طائفي. كما حاول كثر إقناع الشعوب بأن المطالبة بالحرية واللجوء إلى الثورة كأسلوب لمواجهة استبداد الحكام من شأنهما أن يفتحا عليها أبواب الجحيم ويعودا بها عشرات السنين إلى الخلف. لكن في اللحظة التي هيمن عليها اليأس والإحباط في مختلف أنحاء العالم العربي، وبالأخص في الدول التي انخرطت في محاولات التغيير، جاءت أخبار الجزائر والسودان لتعيد الجدل من جديد حول مأزق المنظومة العربية برمتها، وتطرح من جديد مسألتي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في منطقة مأزومة ومحكومة بأنظمة حكم في حالة احتضار. الربيع العربي لم يكن وهماً.
كانت تونس حاضرة منذ البداية في تحركات الجزائريين والسودانيين. كانت حاضرة بشعاراتها وتجربتها وسلميتها وإرادة شعبها في الحرية والتغيير، تحديداً في شعارها المركزي الذي رفعه شبابها وردده لاحقاً باقي الشعوب: "الشعب يريد تغيير النظام". وما اعتبره خصوم الثورات "نجاحاً" لخططهم في قتل النزوع نحو التمرد على الأنظمة، كشفت الأحداث والوقائع أنه لا يتعدى حالة السكون الموقت في انتظار استعادة القوة وتجديد الإيمان بالتغيير الجذري؛ فالمنطقة العربية تبدو بمثابة الساحة الحبلى بثورات متواصلة. وكلما حوصرت الثورة في مكان ما انتقلت كالعدوى إلى بلد آخر لأن الجسم العربي مريض ومرضه مزمن، بعد استنفاد أنظمة الحكم أغراضها منذ زمن بعيد.
صحيح أن حركة النهضة تواصل على سبيل المثال علاقاتها مع حلفائها السابقين، خصوصاً حركة مجتمع السلم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليسار التونسي الذي تربطه صلات أيديولوجية وسياسية قديمة متمثلة في حزب العمال وزعيمته لويزة حنون، إلا أن هذه الأطراف الجزائرية تضررت من تعاونها سابقاً مع النظام المنهار، ولن يعرف وزنها الحالي إلا بعد الانتخابات المقبلة.
من جهته، اعتبر الخبير المنصف وناس، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "مهما كانت ظروف الجزائر والصعوبات التي تواجه انتقالها السياسي، فهي لن تتخلى عن التزامها الذي أعلنت عنه في عام 2011، والقاضي بتأمين المناطق الحدودية مع تونس ضد العناصر المتشددة. فالجزائر أدت دوراً معقولاً في حماية أمن تونس، وهي تستمر في ذلك بقطع النظر عن الحكومات المقبلة".
وانعكست التطورات الخطيرة الأخيرة التي تشهدها ليبيا على الوضع التونسي، مع نزوح نحو 80 ألف ليبي إلى الجنوب التونسي، وبعضهم يحمل السلاح. ورأى مراقبون أنه إذا كانت رسالة السودان نحو تونس ذات طابع رمزي تذكر التونسيين بأنهم السابقون في هذا المسار الثوري، فإن الحالة الجزائرية تعتبر مصيرية بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي التونسي. وإذا نجحت النخبة الجزائرية في تجاوز المطبات وحقل الألغام أمامها، فإن نجاحها في إقامة نظام ديمقراطي صلب من شأنه أن يمثل داعماً قوياً للديمقراطية التونسية الناشئة".