الجزائر تجمّد تعويض الأدوية باهظة الثمن... المال قبل الصحة

29 نوفمبر 2016
مستشفى في الجزائر (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
لم تسلم الأدوية من كماشة التقشف الذي تطبقه الحكومة الجزائرية، حيث اتجهت إلى مراجعة توسيع دائرة الأدوية غير القابلة للتعويض ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل، بعدما حمل قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، مادة تضع صنفاً جديداً من الأدوية ذات الشريط الأحمر، وهو رمز يوضع فوق علب الأدوية التي لا تعوض من طرف الضمان الاجتماعي.
ووفق ما جاءت به المادة 93 من قانون الموازنة العامة للسنة القادمة الذي صادق عليه البرلمان الجزائر الأسبوع الماضي، فإن الأدوية باهظة الثمن لن تعوض من طرف صندوق الضمان الاجتماعي بل ستخضع لعقود تتعهد من خلالها المصانع بتعويض ثمن الأدوية.
وتبقى المادة في صياغتها مبهمة، حسب الناشطين في قطاع صناعة وتسويق الأدوية في الجزائر، فهي لم تحدد المعايير التي تُصنف بها الأدوية في خانة "باهظة الثمن" ولا الآليات التي يتم بها التعويض من طرف شركات الدواء.
وقال رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة عبد الواحد كرار، لـ "العربي الجديد": "للأسف المادة جاءت واسعة وفضفاضة جداً، فهي لم تضع سلماً يحدد ماهية الأدوية باهظة الثمن، هل هي ما فوق 1000 ألف دينار أم 10 آلاف دينار". وأضاف أن استهلاك الأدوية سيرتفع في السنوات المقبلة بسبب ارتفاع عدد السكان، وسينتقل الإنفاق على الأدوية من 80 دولارا للمواطن الواحد إلى 120 دولارا في القريب العاجل، وبالتالي فإن توجُّه الحكومة إلى نظام التعويض كان استباقياً لكنه جاء دون دراسة محددة.
ويتوقع رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة، في ظل غموض المادة، أن تقديم الأدوية في المستشفيات لن يُمس، بل الأدوية المعنية بتجميد التعويض هي تلك الموجودة في الصيدليات.
ويقترح كرار أن تراجع الحكومة المرسوم الوزاري الذي يلزم بمنح كميات محددة من الأدوية للمصابين بالأمراض المزمنة والنادرة حتى يتنسى للمرضى إكمال العلاج دون عوائق.
وكانت المادة 93 من قانون الموازنة العامة للسنة القادمة محل صراعٍ سياسي بين حزبي الموالاة (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي)، وحزب العمال (اليسار المعارض) الذي طالب بإلغائها تماما يوم التصويت على مشروع القانون، بحجة مساسها بالفئات الهشة مباشرة وتعديها على الطابع الاجتماعي للدولة.
وتُرجع النائبة عن حزب العمال نادية شويتم، طلب حزبها إلغاء المادة 93 إلى كونها "تمس حقاً دستورياً وهو الحق في العلاج الذي جعله الدستور على عاتق الدولة مهما كانت الظروف".

وأضافت في حديث إلى "العربي الجديد" أن ما فهمته من خلال حديثٍ لها مع وزير المالية الجزائري حاجي بابا عمي، فإن المادة تشمل الأدوية بصفة عامة وحتى الأدوية المستعملة في علاج الأمراض الخطيرة كالعلاج الكيميائي لداء السرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة والمزمنة.
وأشارت شويتم، إلى أن مراجعة قائمة الأدوية القابلة للتعويض يتم وفق نقاش عام يتم من خلاله تعديل قانون الصحة وقانون الضمان الاجتماعي، وليس باقتراح من عند وزارة المالية كونها غير مخولة للخوض في ملف الصحة.
وبلغت فاتورة تعويض الأدوية سنة 2015 حوالى 176 مليار دينار (1.6 مليار دولار)، تُدفع من ميزانية الدعم التي ستتقلص السنة القادمة بملياري دولار بسبب تطبيق الحكومة سياسة التقشف لمواجهة تراجع إيرادات النفط، وهو ما جعل الخبراء يربطون بين تقليص فاتورة الدعم وتوسيع قائمة الأدوية غير القابلة للتعويض.
ويرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، أن سن مادة في قانون الموازنة العامة وبالطريقة التي جاءت بها "عامة وغامضة"، تكشف عن نية الحكومة شدّ حزام قطاع الصحة الذي يكبد خزينة الجزائر نحو 8 مليارات دولار سنويا من خلال ضمان مجانية العلاج.
ولفت الخبير الجزائري إلى أن الحكومة، بدأت بمثل هذا التعديل، ترشيد الإنفاق في قطاع الصحة وكبح فاتورة استيراد الأدوية، حيث تريد الحكومة أن توفر على الأقل ثلاثة مليارات دولار، لكن دون المساس بحق العلاج ولا بنوعية الخدمات وهو رهان صعب، على حد تعبيره.
واستوردت الجزائر، حسب إحصائيات مصالح الجمارك، أدوية بقيمة 1.653 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، مقابل 1.226 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، أي بارتفاع نسبته 10.34%.
ولكبح فاتورة واردات الأدوية التي ينتظر أن تتعدى عتبة ملياري دولار، اعتمدت الحكومة تدابير لضبط الواردات من خلال تشجيع الإنتاج المحلي، منها إصدار منشور وزاري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حدد قائمة الأدوية المصنعة في الجزائر والممنوعة من الاستيراد.
ويقدر حجم الإنتاج الوطني بحدود 38 إلى 40% من احتياجات السوق المحلية، مقابل 60% من الواردات.
وشكّلت موازنة قطاع الصحة للعام المقبل، المفاجأة والاستثناء في قانون المالية كله، بعدما ارتفع الاقتطاع السنوي المخصص لها من 379.4 مليار دينار (3.4 مليارات دولار) في العام الجاري إلى 389.07 مليار دينار (3.5 مليارات دولار) السنة المقبلة، في وقت عرفت فيه المخصصات السنوية للوزارات الأخرى تقليصاً معتبراً، باستثناء وزارة الدفاع التي حافظت على ميزانيتها.

المساهمون