الجزائر: الضرائب تشعل صراعاً بين الحكومة والمستثمرين

25 أكتوبر 2019
المستثمرون غاضبون من الضريبة على الثروة (Getty)
+ الخط -
قررت الحكومة الجزائرية زيادة الضرائب على الأغنياء بهدف تقليص الضغط على الطبقة الوسطى، وذلك بفرض "ضريبة على الثروة" في مشروع الموازنة العامة لسنة 2020، الذي صادق عليه رئيس البلاد المؤقت عبد القادر بن صالح، والمنتظر أن يصادق عليه البرلمان الشهر المقبل.
غير أن هذه الخطوة التي تسوقها الحكومة بأنها تهدف لإحداث "العدالة الضريبية" يرى رجال الأعمال والأغنياء أنها "تمييز ضريبي" يدفعهم للالتفاف على القانون.

وأعادت الحكومة المؤقتة فتح ملف "الضريبة على الثروة"، بعد سنوات طويلة من رفضها لها، حيث تقدمت وزارة المالية بمقترح يقضي بتوسيع الوعاء الضريبي ليشمل الثروات المملوكة والعقارية والمنقولة، وذلك في إطار تبنّ رسمي لمسار تنويع عائدات الخزينة العمومية المتأثرة بتواصل تهاوي عائدات النفط.
وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أن هذه الخطوة ستصب في صالح الاقتصاد، استقبل رجال الأعمال في الجزائر هذه الضريبة بكثير من الغضب، مؤكدين أن الحكومة المؤقتة تقسو على المستثمرين بدلا من تشجيعهم.

وأبدى الكثير من المستثمرين امتعاضهم الشديد من فرض ضريبة جديدة تضاف إلى ضرائب أخرى يدفعها الأثرياء ورجال الأعمال، ما يزيد من حجم الضغط الضريبي المطبق عليهم. ويرى محمود عماري، المستثمر في مجال الطاقة الشمسية، أن "الضريبة على الثروة هي القطرة التي ستفيض كأس غضب رجال الأعمال، لأنها ضريبة لا معنى لها من حيث المبدأ ولا تشمل سوى 8 إلى 10 بالمائة من أصل المجتمع الجزائري".

وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، قائلا: "أنا كمستثمر أدفع دوريا ما يعادل 80 ألف دولار سنويا كضرائب، منها الضريبة على الأرباح المقدرة بعشرين بالمائة، و10 آلاف دولار كضريبة على النشاط المهني لصندوق البلدية التي يوجد فيها عنوان شركتي للمقاولات، دون احتساب اقتطاعات الضمان الصحي للعمال، والضريبة على الممتلكات التي جاءت في موازنة 2015".
وتساءل عماري: "هل الضريبة ستفرض على الأجانب الذين كونوا ثروات في الجزائر؟ أم سيكون هناك إعفاء لهم كما وقع سابقا بحجة دعم الاستثمار الأجنبي؟".

وستطبق الضريبة على الثروة حسب مشروع موازنة 2020، على الممتلكات بقيمة تراوح بين 900 و4500 دولار، وستعزز نسبة 70 في المائة من هذه الضريبة ميزانية الدولة، و30 في المائة منها ستحول إلى البلديات.
وتعد هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة لفرض ضريبة على الثروة، بطريقة صريحة وفيها إصرار، بعد محاولة سنة 2017، التي اقترحت فيها "ضريبة على الممتلكات"، إلا أن نواب البرلمان أسقطوها.

وفي تعليق على الشروط التي وضعتها الحكومة لتطبيق الضريبة على الثروة، قال خالد عيساوي، عضو منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تكتل لرجال الأعمال في الجزائر)، إن هذا الإجراء سيجعل الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال ينفرون إلى السوق الموازية حفاظا على سرية ممتلكاتهم، كما ستشجع هذه الضريبة ظاهرة التعامل بالأموال نقدا خارج المجال البنكي، والأهم والأخطر من ذلك ستشجع التصريح الكاذب بالممتلكات ورقم الأعمال.
وأضاف عيساوي لـ"العربي الجديد"، أن "منتدى رؤساء المؤسسات يتحفظ على الضريبة على الثروة التي لن تفرق بين الأثرياء الذين كونوا ثرواتهم بطرق ملتوية، وبين أصحاب الاستثمارات والمصانع الذين يجب دعمهم عوض الضغط عليهم".

ورغم أنه لا توجد إحصاءات دقيقة تفيد بعدد الأغنياء أو المليارديرات في الجزائر، إلا أن الحكومة تبدو عازمة على خوض هذه التجربة لأول مرة بكل تحدياتها كما هي مطبقة في كثير من البلدان المتقدمة، وذلك تحت ضغط شح الموارد المالية.
ومنذ الإعلان عن توجه الحكومة نحو إقرار الضريبة على الثروة، بدأت التساؤلات والشكوك ترتفع حول نجاعة الآليات التي ستقرها الحكومة لتحديد المعنيين بدفع هذه الضريبة، في بلادٍ بلغ حجم التهرب الضريبي عشرات المليارات من الدولارات.

ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي أنه "من الصعب تحديد من تنطبق عليه صفة الغني، وبالتالي من الصعب تحديد حجم الثروات الخاضعة لهذه الضريبة، خاصة مع تنوعها بين أموال سائلة مكتنزة في أغلب الأحيان خارج البنوك وعقارات وأسهم في شركات".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد"، أن "تمرير هذه الضريبة يمكن أن يجهض، لسبب وحيد هو أن البرلمان الجزائري يتميز بوجود عدد كبير من رجال الأعمال، وبالتالي كما أسقطت الضريبة قبل عامين يمكن أن تسقط مرة أخرى، وفي حال تمريرها يبقى تنفيذها صعباً جداً".

من جانبه، يتخوف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، في حديثه لـ"العربي الجديد"، من أن تكون الضريبة على الثروة سببا في هروب رؤوس الأموال نحو دول الجوار. ويضيف الخبير الجزائري أن "فرنسا عندما طبقت الضريبة على الثروة هرب الأثرياء نحو بلجيكا ولوكسمبورغ لأن الضغط الضريبي منخفض، ويمكن أن نعيش السيناريو نفسه".
وتابع مبتول أن "الحل الأمثل للجزائر هو رفع مستوى التحصيل الضريبي عوض اعتماد توسع ضريبي يضر بمناخ الأعمال، وبالتالي كان الأجدر بالحكومة إعادة بناء المنظومة الضريبية لرفع التحصيل وخلق موارد مالية جديدة".

المساهمون