الجزائر: اتساع دائرة الاحتجاجات وبوادر انقسام في جبهة بوتفليقة

الجزائر
60244E7B-773C-460F-B426-426EBC60D89E
عثمان لحياني
صحافي جزائري. مراسل العربي الجديد في الجزائر.
27 فبراير 2019
6AD42F9B-56BF-4B49-8C8F-CD8E58E49B38
+ الخط -


تتسارع التطورات السياسية في الجزائر، في أعقاب تصاعد الاحتقان الشعبي في البلاد رفضاً لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بعد انضمام الطلاب الجامعيين إلى التظاهرات أمس الثلاثاء. وفيما برزت بوادر انقسام داخل جبهة الرئيس، بالتزامن مع دخول الجيش المشهد في محاولة لإبقاء المشهد السياسي والمسار الانتخابي بعيداً عن تأثيرات الحراك والضغوط الشعبية، طرحت قوى معارضة فكرة إرجاء الانتخابات لفترة قصيرة لحين تهدئة الأوضاع. يشار إلى أنه منذ مسيرة المطالبة بالتعريب في عام 1989 لم تشهد الجزائر انتفاضة طلابية كتلك التي شهدتها أمس الثلاثاء، إذ خرج الآلاف من طلبة الجامعات للتعبير عن دعم الحراك الشعبي ورفض استمرار بوتفليقة في الحكم بعد الانتخابات المقررة في 18 إبريل/ نيسان المقبل، والاعتراض على ترشحه لولاية رئاسية خامسة.

ومنذ الصباح الباكر، تمركزت قوات الشرطة أمام بوابات كبرى الجامعات في العاصمة والمدن الجزائرية، تحسباً لمسيرات طلابية دعت إليها لجان طلابية مستقلة. لكن الطوق الأمني لم يصمد كثيراً أمام آلاف الطلبة الذين نجحوا في كليات العلوم السياسية والتكنولوجيا في العاصمة في الخروج إلى الشارع لدعوة بوتفليقة للعدول عن ترشحه لولاية رئاسية خامسة. وفيما جابت مسيرات طلابية عدداً كبيراً من المدن الجزائرية، تظاهر طلاب داخل حرم بعض الجامعات بعد منع قوات الأمن لهم من الخروج إلى الشارع.

وقال الطالب في كلية العلوم السياسية في جامعة الجزائر، نور الدين صخري، لـ"العربي الجديد"، إن "العهدة الخامسة استفزاز للطالب الجزائري، الذي يدرس طوال سنوات من دون أفق ومستقبل واضح، فضلاً عن أن الترشح يعني عدم إعطاء المشعل للشباب والكفاءات". وللمرة الأولى تصف وكالة الأنباء الرسمية، المملوكة للحكومة، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في برقية إخبارية بأنه رئيس منتهية عهدته. وكتبت الوكالة في سياق تغطية التظاهرات إن "الطلبة رفعوا الرايات الوطنية ولافتات تطالب بالتغيير والإصلاح، مرددين شعارات تدعو الرئيس المنتهية ولايته للعدول عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 إبريل المقبل". وهذه هي المرة الثانية التي يحدث فيها تحول في الخطاب الإعلامي للوكالة الرسمية، بعد نقلها لمطالب المتظاهرين الجمعة الماضي بشأن "رفض الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة".

وفي تطور لافت بدأ التصدع في جبهة الموالاة وداخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، إذ بدأت كوادر في الجبهة، التي يعد بوتفليقة رئيساً لها، في التمرد وإعلان رفضها ترشحه لولاية رئاسية خامسة. وأصدرت كوادر الجبهة في مدينة خنشلة شرقي الجزائر بياناً أعلنت فيه رفضها لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ورفض عقد أي تجمع باسم الحزب في المدينة لدعمه. ودعت الكوادر، التي نظمت وقفة أمام مقرات الحزب وسط خنشلة، كبار قادة الحزب إلى الإقرار بالحقيقة الشعبية والانحياز للشعب ورفض العهدة الخامسة للرئيس، كونها مغامرة غير محمودة العواقب. كما شارك كوادر وأعضاء في المجالس البلدية المنتخبة باسم حزب جبهة التحرير الوطني في المسيرة السلمية التي نظمها طلبة جامعة "محند آكلي أولحاج" في البويرة ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة. لكن حالة التمرد لم تشمل الحزب الحاكم فحسب، فقد وصل الأمر إلى داخل الجهاز الإعلامي الحكومي، إذ اعتصم الصحافيون العاملون في القنوات الإذاعية المملوكة للدولة في ساحة مقر الإذاعة ورددوا شعارات "إذاعة حرة ديمقراطية"، و"نحن صحافيون ولسنا متملقين"، في انتظار وقفة احتجاجية للصحافيين غداً الخميس للمطالبة برفع الإكراهات المسلطة على الصحافيين وغرف التحرير والصحف والقنوات المستقلة في الجزائر.


ويتزايد القلق من السيناريوهات المحتملة في الجزائر، بعد تمسك الشارع بمطالبه السياسية وتجاهل السلطة ورجالات بوتفليقة لهذا الأمر. وألقى موقف قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح حجراً في المياه الراكدة، إذ وجه تحذيرات للحراك الشعبي، مفضلاً انتهاج نفس خطابات الحكومة "الداعية إلى الحيطة والحذر من محاولات تعكير صفو الشعب الجزائري التواق إلى العيش في كنف الأمن والأمان". ووجه قايد صالح، في لقاء مع القيادات العسكرية في منطقة تمنراست جنوبي الجزائر، تحذيرات شديدة للداعين إلى التظاهر، ووصفها بالنداءات المشبوهة. وتساءل "هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول من خلال نداءات مشبوهة، ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جر هؤلاء المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة، بل غير مؤمنة العواقب؟"، مشيراً إلى أن "هذه المسالك لا تؤدي لخدمة مصلحة الجزائر ولا تحقيق مستقبلها المزدهر". وحذر قائد الجيش من أن المؤسسة العسكرية لن تقبل أي استعمال للعنف، موضحاً أن "الجيش بحكم المهام الدستورية المخولة له يعتبر أن كل من يدعو إلى العنف بأي طريقة كانت تحت أي مبرر، وفي ظل أي ظرف، إنسان يجهل أو يتجاهل رغبة الشعب الجزائري في كنف الأمن والأمان".

وفسر مراقبون موقف الجيش بالحذِر إزاء التطورات واللجوء إلى خيار الشارع، خصوصاً أن هيئة الناشطين المديرة للحراك الشعبي غير واضحة. وقال المحلل السياسي أحسن خلاص، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن فهم تصريحات قائد الجيش على أنها دعم لبوتفليقة في الوقت الحالي. أعتقد أن الجيش ينتظر الطبعة الثانية من الحراك يوم الجمعة ليستخلص الموقف الذي يمكن أن يتخذه حيال الأحداث، وخطاب قايد صالح يحمل تهديدات مغلفة، لكن من السابق لأوانه الحديث عن تدخل الجيش ما دامت التظاهرات سلمية. وتدخل الجيش يجد مبرره فقط إذا تم المساس بالممتلكات والمؤسسات والمرافق".

وعلى الصعيد السياسي تجري قيادات في الأحزاب السياسية المعارضة في الجزائر، اتصالات ومشاورات بشأن اتخاذ موقف للمشاركة في مسيرات "حسم الخيار الشعبي" المقررة يوم الجمعة المقبل، ودراسة تطورات الموقف والسيناريوهات المحتملة، في حال أصرت السلطة على ترشح بوتفليقة، ودفعته إلى إيداع ملفه لدى المجلس الدستوري في 3 مارس المقبل. ويتوقع، بحسب مصادر "العربي الجديد"، أن تعقد قيادات المعارضة اجتماعاً تنسيقيا غداً الخميس، فيما تطرح بعض قوى المعارضة السياسية فكرة تأجيل الانتخابات الرئاسية لفترة شهرين، حتى يتم توافر الظروف الممكنة لإجرائها. وفي السياق، قالت الأمينة العامة لحزب العمال، لويزة حنون، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، إنها تقترح تأجيل الانتخابات الرئاسية، موضحة أنها "تعتقد أن تنظيم الانتخابات في الظروف الراهنة المتسمة بالاحتقان يحمل مؤشرات خطرة، ومن الضروري في مثل هذه الظروف تأجيل الانتخابات لفترة قصيرة لا تتجاوز الشهرين، من أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، يتم فيها مراعاة جميع القوانين والشروط، بينها إلغاء الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي لا أهلية لها وتعويضها بهيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، وتحييد الإدارة بشكل فعلي، وتعيين حكومة مؤقتة قادرة على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة". وحذرت الزعيمة اليسارية من أن "الجزائر تعيش أوضاع ما قبل الثورة، ولا يتعين على رجالات السلطة احتقار مشاعر المواطنين، خصوصاً أنهم من أوصلونا إلى هذا الاحتقان عبر استفزاز الشعب بتصريحات غير مسؤولة، وهم من أرغموا الرئيس على الترشح، ونقلوا له تقديرات خاطئة من أنه في حال عدم ترشحه فإن الجزائر ستدخل في مأزق، والحقيقة أن العكس هو الصحيح". وتستند مخاوف حنون إلى تمسك رجالات السلطة بترشيح بوتفليقة، رغم وضعه الصحي، من جهة، وتصاعد الرفض الشعبي ضد مشروع الولاية الرئاسية الخامسة.

لكن السلطة ومحيط بوتفليقة لا يبديان، في الوقت الحالي، أية مؤشرات للقبول بتغيير في الموقف، أو باتجاه عدول الرئيس عن الترشح لولاية خامسة. وفي السياق، أعلن مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد المالك سلال أن "الرئيس سيسلم ملف ترشحه في الثالث من مارس/ آذار المقبل إلى المجلس الدستوري، والمجلس هو من يفصل في ملفات المرشحين". ووجّه انتقادات إلى القوى السياسية والشعبية المعارضة لترشحه، معتبراً أن "الترشح حق دستوري وعلى الجميع احترامه. بأي حق يمكن معارضة ترشح أي شخص. كل مواطن تتوفر فيه الشروط حر للترشح وطرح نفسه للاختيار الشعبي". ما زالت الأيام المقبلة حبلى بتطورات سياسية على الأرض مع اقتراب موعد جمعة الحسم وغلق باب الترشح للرئاسة في انتخابات 18 إبريل يوم الأحد المقبل، بسبب تشدد كل الأطراف الفاعلة في المشهد الجزائري، حتى مع دخول الجيش في المشهد.

ذات صلة

الصورة
تظاهرة في الجزائر دعما لغزة / أكتوبر 2023 (العربي الجديد)

سياسة

جددت أحزاب سياسية في الجزائر مطالباتها السلطة بفتح الفضاءات العامة والسماح للجزائريين بالتظاهر في الشارع دعماً للشعبين الفلسطيني واللبناني وإسناداً للمقاومة.
الصورة
فارسي سيكون إضافة قوية للمنتخب الجزائري (العربي الجديد/Getty)

رياضة

يشهد معسكر المنتخب الجزائري الجاري حالياً في مركز سيدي موسى بالعاصمة الحضور الأول للظهير الأيمن لنادي كولومبوس كرو الأميركي محمد فارسي (24 عاماً).

الصورة
إيمان خليف تعرضت لحملة عنصرية أولمبياد باريس 2024 (العربي الجديد/Getty)

رياضة

وصل الوفد الجزائري، أمس الاثنين، إلى البلاد بعد مشاركته في أولمبياد باريس 2024، وكانت الأنظار موجهة بشكل أكبر صوب الثلاثي المتوج بالميداليات.

الصورة
جمال سجاتي بعد تتويجه بالميدالية البرونزية على ملعب ستاد فرنسا، 10 أغسطس/آب 2024 (Getty)

رياضة

اجتمع عدد من سكان بلدية السوقر في مقاطعة تيارت غربي الجزائر في صالة متعددة الرياضات، وهناك نصبوا شاشة عملاقة من أجل متابعة ابن منطقتهم جمال سجاتي (25 عاماً).