جاء ظهور الكاتب اللبناني، أمين معلوف، على شاشة إسرائيلية، أخيراً، ليحدث نوعاً من الصدمة التي ظهرت في التعليقات التي ازدحمت بها شبكات التواصل الاجتماعي، والتي ندّدت في معظمها بخطوة صاحب "ليون الأفريقي"، في حين حاولت قلّة تبريرها.
هذا الجدل ليس جديداً في الجزائر التي تعيش حساسية مفرطة من الكيان الصهيوني ومن كل ما له علاقة به، ويتقاسم الرأي العام مع الخطاب الرسمي الرفض المطلق لأيّ شكل من أشكال التطبيع معه؛ إذ طالما ظلّ يرافق أيّ حديث عن "تطبيع ثقافي" مع إسرائيل، كما تجلّى ذلك في الضجّة التي تُثار كلّما اقترب كاتب أو فنان من هذا الكيان، كما حدث مع الروائية، أحلام مستغانمي، أخيراً، حين تناقلت وسائل إعلام خبر ترجمة رواياتها إلى العبرية، وقبلها المخرج السينمائي، مرزاق علواش، الذي أثارت مشاركة أحد أفلامه في مهرجان إسرائيلي موجة غضب شعبي ورسمي، وأيضاً المخرج، إلياس سالم، الذي اضطرّ، قبل سنتين، إلى سحب فيلم له كان يعتزم المشاركة به في مهرجان سينمائي في إسرائيل، وقبل هؤلاء بوعلام صنصال، الذي اتّخذ الخطوة الأكثر تطرّفاً في التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ حين زار إسرائيل مرّتين، على الرغم من مناشدات كتّاب ومثقّفين جزائريين بألّا يفعل.
جيل "العربي الجديد" استطلع آراء عدد من الكتّاب والنقّاد حول رؤيتهم للموضوع.
في حديثه، لا يتردّد الروائي، رشيد بوجدرة، في وصف الكتّاب العرب الذين يقبلون دعوات من إسرائيل للمشاركة في تظاهراتها الثقافية بأنهم "مجموعة من الخونة والوصوليين"، مضيفاً أن "هؤلاء لا يحبّون إلا أنفسهم".
يعتبر بوجدرة أن المثقّفين المطبّعين مع الاحتلال الإسرائيلي، أو الداعين إلى التطبيع معه، عادةً ما يحضون بالثناء النقدي والإعلامي في الغرب، ويحضرون بشكل لافت عبر وسائل إعلامه، مستشهداً، في هذا السياق، بالروائي الجزائري بوعلام صنصال الذي زار "إسرائيل" مرّتين.
وصوليون
يستحضر صاحب "الحلزون العنيد" اسم روائي جزائري آخر، هو كمال داود، نجم الساحة الأدبية الجديد بين ضفّتي المتوسّط. نجومية يعتقد بوجدرة أنها لم تُمنح له خارج سياق آرائه ومواقفه من القضية الفلسطينية: "حين سألوه عن ضحايا حرب غزة الأخيرة، قال لهم، إن القضية لا تعنيني. بعد الضجّة التي أحدثها، منحوه مساحة قارّة في صحيفة "لو بوان" الفرنسية، وهو ما لم يحصل مع أي جزائري من قبل".
يختتم المتحدّث، إن "الدعوة إلى أنسنة العدو الإسرائيلي ليست جديدةً"، مضيفاً أن الكاتب أو الفنان لا يمكنه أن يتجاهل ما يحدث حوله وكأنه يعيش في أبراج عاجية بعيداً عن الصراعات والحروب التي يذهب ضحيتها الأبرياء".
أعداء الإنسانية
من جهته، يتساءل الشاعر والروائي، رابح ظريف، عن حقيقة ما يُسمّى بالدواعي الإنسانية التي يتّكئ عليها كل من يحاول أن يبرر زيارته الكيان الإسرائيلي، ليجيب: "إن الدواعي الإنسانية تقف حاجزاً نفسياً وأخلاقياً وإنسانياً، أيضاً، ضدّ أي تفكير في دخول الأراضي الفلسطينية المحتلّة تحت الغطاء الإنساني نفسه".
من هنا، يعتبر ظريف أن "كل كاتب يزور الكيان الإسرائيلي تحت مسمّى مبررات إنسانية يكون قد وضع نفسه تحت لعنة التاريخ والإنسان وتسبّب في دعم هذا الجسم الغريب عن فلسطين، هو يعطي أيضاً مبرّراً لمزيد من اللاإنسانية والقسوة والإرهاب الذي يمارسه الصهاينة".
يضيف صاحب "قدّيشة": "في اعتقادي أنّ هذا الكيان الديني اللاهوتي المسمَّى إسرائيل فاقد لكل شرعية سياسية أو تاريخية، وهو عدوّ الإنسانية الأوّل، ولا معنى أبداً لأيّ محاولة لما يُسمّى بالحوار الفكري أو الديني أو حوار الحضارات داخل هذا الحيّز الجغرافيّ الذي تسيطر عليه أقليّة بنت وجودها على أنقاض الفلسطينيين، ورفعت رايتها فوق أرضهم وإسمنتهم".
شهادة اعتراف
بدوره، يعتقد الناقد، حبيب مونسي، "أننا تجاوزنا مرحلة التطبيع التي أطّرتها رؤى سياسية معروفة"، شارحاً "نحن اليوم مع فكرة التعايش التي تروّج لها النخبة، والتي تتجاوز خطواتها نحو إسرائيل كافة المحاذير التاريخية والسياسية. والأمر يتمّ في المحافل والنوادي المرتبطة بالكيان الصهيوني، وعن طريق الجوائز والهدايا والبعثات والعضوية في الجمعيات العالمية وغيرها. إنها دوائر كانت مغلقة في الأزمنة السابقة، غير أنها تنفتح الآن على المثقّف الوسط، أي ما يشكّل مادة النخبة الليبيرالية في البلدان العربية، والذي يتشوّق للشهرة والاعتراف".
يصف مونسي أصحاب هذا الاتجاه بأنّهم "ذوو قدرات أدبية محدودة، ولكن طموحهم يجعلهم يتجاوزون المحاذير من أجل الظهور والانتشار، وما التسارع نحو ترجمة بعض الأعمال إلى اللّغة العبرية إلّا من هذا القبيل".
على الرغم من مطالبه المتكررة، ما زال المغني اليهودي، إنيريكو ماسياس، المولود في الجزائر يطالب بزيارة مسقط رأسه، غير أن طلبه يقابل بالرفض من السلطات الجزائرية بسبب انتماءاته الصهيونية والرفض الشعبي لإنريكو في الجزائر، ومع توافر كل هذه الأسباب وجد إنريكو من يتعاطف معه من الكتاب والمثقفين الجزائريين، بل ويدافعون عن حقه في العودة إلى الجزائر لمبررات إنسانية، على الرغم من أنه من يهود "الأقدام السوداء" القادمين مع المد الاستعماري الفرنسي، ولكن تبقى هذه الجلبة الصوت النشاز بين الأصوات المناهضة للسياسة الصهيونية ثقافياً وسياسياً، خاصة وأن كثيراً من الجزائريين يعتبرون اليهود والصهاينة وجهين لعملة واحدة.