الجزائر: "دستور بوتفليقة" يبصر النور بعد 17 عاماً

08 فبراير 2016
صوّت 499 نائباً لصالح مسودة الدستور (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
أنهى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مرحلة سياسية بالجزائر امتدت لسنوات طويلة، بعد تمكنه من الحصول على "دستوره"، بعدما صادق البرلمان بالأغلبية الساحقة على مسودة التعديل الدستوري التي طرحها بوتفليقة، وذلك عقب أكثر من 17 عاماً من وعده بإقرار تعديلات دستورية عميقة وتحديداً في أغسطس/آب 1999.

وصوّت 499 نائباً في غرفتي البرلمان لصالح مسودة الدستور، في مقابل رفض نائبين وامتناع 16 نائباً، من مجموع 517 نائباً حضروا جلسة المصادقة البرلمانية. ويتضمّن الدستور الجديد إدراج 38 مادة جديدة وإجراء 74 تعديلاً في مواد الدستور السابق.

ولم يتردد بوتفليقة، والذي لم يعد بإمكانه الترشح للرئاسة، في القول إن المصادقة على التعديل الدستوري بمثابة "تدشين لمرحلة تاريخية جديدة، تحمل تطورات ديمقراطية غير قابلة لأي تراجع". ويسمح الدستور الجديد، وفقاً للرئيس الجزائري، للمجتمع بالانتقال من مرحلة سياسية ودستورية معيّنة إلى مرحلة أخرى أفضل نوعياً.

وذكر بوتفليقة في الكلمة التي وجّهها إلى نواب البرلمان عقب إقرار الدستور وقرأها نيابة عنه رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، أنه "سعى إلى إعطاء أكبر قدر من التوافقية للدستور الجديد"، وذلك ردّاً على ما تعتبره المعارضة "تفرّد بوتفليقة بصياغة دستور على مقاس الرئيس والسلطة، وعدم الاستجابة لمطالباتها السياسية". كما تعهّد بوتفليقة بـ "تشكيل هيئة لدى الرئاسة، تتكفّل بمتابعة تطبيق التعديل الدستوري على أرض الواقع".

وقبيل المصادقة على مسودة الدستور، تولى رئيس الوزراء، عبد الملك سلال، الدفاع عن الدستور واصفاً إياه بـ "المرحلة التاريخية التي ستتيح للجزائر دخول عهد جديد". وأشار إلى أن "التعديل الدستوري محطة تاريخية تؤسس للتجديد الجمهوري في الجزائر، وخطوة لحماية الجزائر من التقلّبات السياسية والأخطار التي تهدد أمنها ومستقبلها، ويصحح الاختلالات السياسية التي كانت تعاني منها البلاد". وشدد على أن "التعديلات الدستورية تهدف إلى انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة، واحترام الطابع الحساس للوظيفة الرئاسية، وجعل نظامنا السياسي أكثر انسجاماً". وأضاف أن "بوتفليقة حرص على إعطاء طابع توافقي للدستور الجديد من دون إقصاء".

اقرأ أيضاً: 10 معلومات قد لا تعرفها عن الجزائر

وصوّت نواب كتل أحزاب الموالاة، وهي "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمّع الوطني الديمقراطي"، والمستقلون في مجلس الأمة والمجلس الشعبي الوطني، بالموافقة على المسودة الدستورية. فيما امتنع نواب كتلة حزب "العمال" اليساري المعارض عن حضور جلسة المصادقة، بينما قاطعت الكتل البرلمانية التي تتبع أحزاب المعارضة جلسة المصادقة، أبرزها كتلة "جبهة القوى الاشتراكية" وكتلة "التحالف الإسلامي"، والذي يضم ثلاثة أحزاب إسلامية، وكتلة "جبهة العدالة والتنمية".

في غضون ذلك، من المنتظر أن تكون المرحلة المقبلة عبارة عن مسارٍ ماراتوني ستبدأه الحكومة والبرلمان لمراجعة كافة القوانين وتكييفها مع التعديل الدستوري، بدءاً من قوانين الانتخابات والأحزاب والإعلام والعقوبات وغيرها. وهي قوانين كانت قد عُدّلت في عام 2012. وهو ما كانت المعارضة قد نبّهت إليه منذ إطلاق بوتفليقة سلسلة إصلاحات سياسية، حين طالبت بطرح التعديل الدستوري أولاً قبل تعديل القوانين العضوية لتلافي العودة إلى تعديلها لاحقاً.

تتضمن مسودة التعديل الدستوري الذي أقرّ 74 تعديلاً و38 مادة جديدة، تتعلّق بتحديد الولاية الرئاسية لرئيس الجمهورية في ولاية رئاسية واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وتعيين رئيس الحكومة بعد مشاورات مع الأغلبية البرلمانية، واعتماد اللغة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية، وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات. كما تتضمن إلزام رئيس الحكومة بتقديم عرض حال السياسة العامة كل سنة، وإعطاء الحقّ للبرلمان في مناقشة الاتفاقيات الدولية قبل المصادقة عليها من قبل الرئيس، وتحديد العمل بالمراسيم الرئاسية إلا في الحالات المستعجلة وأثناء عطلة البرلمان، وتجريم المعاملات اللاإنسانية ضد المواطن، وتعزيز حرية العدالة، ومنع أي تدخّل في مسار القضاء، وتجريم عرقلة تنفيذ قرار العدالة، وحرية التظاهر السلمي للمواطن، وضمان حرية الصحافة المكتوبة والمسموعة والإلكترونية، ومنع السجن للصحافيين، ودسترة حماية الحريات الشخصية والبيانات عبر البريد الإلكتروني.

وفقاً لهذا، يتوقع أن تتقدم حكومة عبد الملك سلال باستقالتها إلى الرئيس بوتفليقة في الأسبوع الحالي، ليعمد الرئيس إلى إعادة تأليف حكومة جديدة بناءً على استشارة الأحزاب، والتي تحوز على الأغلبية في البرلمان، وتحديداً حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمّع الوطني الديمقراطي".

وتفيد مصادر مسؤولة لـ "العربي الجديد"، بأن "بوتفليقة يميل إلى تعيين مدير ديوانه أحمد أويحيى رئيساً للحكومة، ونقل سلال إلى رئاسة ديوان الرئاسة". وتفسّر المصادر هذه الخطوة برغبة بوتفليقة في تولي شخصية حازمة على الصعيد الاقتصادي، وقادرة على تطبيق تدابير التقشف ومواجهة الأزمة النفطية كأويحيى، تحديداً في ظل الظروف المتسمة بتراجع واردات النفط وانهيار مداخيل البلاد وخسارتها 50 مليار دولار من مداخيل عام 2015. ويرى مراقبون أن "حزب الأغلبية، جبهة التحرير الوطني، بقيادة عمار سعداني، والذي دخل في مناوشات سياسية مع أويحيى في وقت سابق، سيُطالب بأحقية حزبه في رئاسة الحكومة، وقد يعترض على ذلك".

اقرأ أيضاً الجزائر تتحوّط للتدخّل في ليبيا: إجراءات استباقية على الحدود
المساهمون