الجرف عالٍ والبطارق تهوي

06 مارس 2016
كما تفعل البطارق سنسير إلى أقرب جرف ونقفز(فرانس برس)
+ الخط -

سيعاودني الحنين إلى الجرف، سأجر كل هذه الخيبات بعيدا من هنا إلى جرف أخير. كما تفعل البطارق سنسير في رتل أحادي إلى أقرب جرف، وعند الحافة وأول من ستواتيه الشجاعة للقفز سنقفز وراءه، وننهي ما سميناه الشجاعة، قد يكون هذا جلّ ما باستطاعتنا فعله، فالبطريق يقفز بفعل التقليد لا بفعل الشجاعة، يعيش بدرجات حرارة تهبط الى ما دون الصفر فلا يستطيع حتما أن يرى كيف نفكر نحن الذين نلتحف الشمس على مدار عام كامل، ونخرّ صرعى ومقتولين، لقد فعلناها وقفزنا مرة فرادى، ومرة جماعات بعد خمس سنوات.


لقد قتلنا الحلم.. حلمنا في بناء مستعمرة النمل، في حياة الحشرات ينظمُ النمل حياته فالرتل الأحادي المستقيم الذي تسير به جماعة النمل لا يشبه رتل البطريق فالأول يقود إلى الهاوية والحتف، فيما يعمل الثاني على إزالة المعيقات والشوائب، لا مكان لنملة ضعيفة أو ميتة، فإنها تُنحى جانبا ويترك للرتل أن يكمل طريقه بثبات.

في حياة الحشرات والحيوانات لا يترك شيءٌ للصدفة فهذه المخلوقات الصغيرة تخلق فرصا للنجاة وتسير بثبات جهة مصيرها، لا مكان لضعيف ولا طعام لخاسر ولا حجة لمنكسر، ربما كان علينا أن نواجه كل تلك الخطوب بهذا الشكل من الحياة ولأننا كالسلاحف التي خرجت من البحر وسارت بِحملها لتحفر له وتترك بيضها تحت رمل الشاطئ، وتقوم الشمس بمهمة إفقاس البيض وهكذا تركنا بيضنا كله لا بل رميناه ليفقس وحده، وأدرنا ظهرنا تماما كما تفعل السلاحف ومشينا ونحن نردد: ستتكفل الشمس والرمال الحارة ببقية المهمة وسيكون لنا من الفراخ الكثير.

ولأن لا بيض إلا بوجود أفعى، تزحف الأفعى بكامل جسدها لتتفقد الرمال وبحركة ملتوية ومتكررة أشبهُ بالرقص، تستطيع أن تزيل من الرمل الكثير ليظهر البيض الذي دفناه وأدرنا له ظهرنا، لفرط سذاجتنا وظننا بأنه سيظهر حارا وساخنا وقريبا من السطح وتلتهمه الأفعى بينما نحن ننتظر، ممسكين بطرف الرجاء ننتظر أن يفقس البيض وتزحف الفراخ وتلتحق ببحرنا!

في الحضارات القديمة عُبدت الأفاعي، تقول الروايات المتداولة بأنهم عبدوها لأنها تظل ملتصقة بالأرض وهذا الزحف يتيح لكامل الجسد أن يلامس التراب، والتراب ثالوث الماء والنار، قد يكون مشهد النملة الصغيرة التي ترفع بفكيّها عشرة أضعاف وزنها مشهدا مألوفا، البعض يدوسها والبعض الأخر لا ينتبه أصلا وآخرون يكونون أكثر لطفا فيتنحون عن دربها، فهل تعرف النملة سر الحياة أكثر منا؟

يقول لاهوتي ألماني من كان قادرا على قتل ذبابة فإنه لم يفهم المغزى العميق للحياة، هل ما نحتاج إليه التنظيم أم حب الحياة، أهو الرتل الأحادي أم الهاوية، عدم النظر إلى الوراء أم نبش الرمل؟

ربما نحتاج حقيقة إلى رقصة الأفعى تلك التي يمشط جسدها الأملس الرمل ويعرف مكان البيض تماما، ما أمس حاجتنا إلى هذا الدهاء لنواجه بشاعة ما يحدث، لنبني مستعمرة خاصة ومنظمة ومستميتة يدافع فيها الكل عن الكل.

قرأنا في كتبنا المدرسية حين كنا أطفالا حكاية الجندي والنملة، الجندي هرب من المعركة وعاد إلى بيته وبينما هو جالس في ركن بيته شاهد نملة تحمل حبة قمح وتحاول أن تصعد بها أعلى وكلما صعدت قليلا تسقط الحبة وتعاود النملة المحاولة، فيما يتابع الجندي هذا المشهد، حينما كانت حبة القمح تسقط أثناء الصعود إلى أعلى كانت النملة تعاود سحبها وكلما سقطت الحبة تنزل النملة لتعاود الصعود بها، إلى أن نجحت أخيرا وأدركت مبتغاها، رأى الجندي ما حدث فحدث نفسه: لن تكون هذه النملة الصغيرة أشجع مني فعاد من فوره إلى المعركة وقاتل حتى انتصر هذا ما قالته حكاية طفولتنا.

أهي صخرة "سيزيف" تلك التي حملتها النملة ولا نقوى نحن على حملها؟

متن الحكاية في أسطورة سيزيف يقول: إن هذا هو مسعى الإنسان نحو الحرية مسعى أليم إلى الصعود فهل صعدنا طريق الجلجلة.

(سورية)

دلالات
المساهمون