منذ أكثر من عقد دخلت تونس في نشاط إلكتروني كبير. ومع انتشار مواقع التواصل، بدا واضحاً أن النظام التونسي المخلوع فقد سيطرته على ما يدور على الشبكة رغم محاولاته المستمرة للقمع. إلا أن الشباب في البلاد عرفوا جيداً كيف يخترقون جدار الرقابة، وهو ما بدت نتائجه واضحة مع انطلاق شرارة الثورة ثم انتصارها على الرقيب ــ الرئيس زين العابدين بن علي.
بداية الرقابة
نهاية عام 2005 شهدت تونس عملية إرهابية عرفت حينها باسم "عملية سليمان"؛ نسبة إلى مدينة سليمان فى الشمال الشرقي التونسي. أما المتّهمون فيها فكانوا شباباً تواصلوا عبر الإنترنت واجتمعوا حول هدف واحد هو ضرب النظام. نهاية عام 2006 صدرت أحكام قضائية تراوحت بين الإعدام والسجن خمس سنوات للمشاركين في أحداث سليمان. إلى جانب ذلك انطلقت رقابة حديدية على الإنترنت، كان من نتائجها سجن الصحافي الاستقصائي العامل في موقع "نواة" رمزي بالطيبي وغيره من الناشطين الإلكترونيين، وحجب كل المواقع المعارضة للنظام.
[إقرأ أيضاً: المطالبة بوقف المحاكمات العسكرية للصحافيين في تونس]
منذ ذلك الوقت، بدأت مرحلة القمع العنيف للحريات، تحديداً بين العامين 2006 و2010. واشتدّت الرقابة رغم المحاولات التي كان يقوم بها ناشطون إلكترونيون، بهدف كسر جدار الصمت حول انتفاضة الحوض المنجمي عام 2008. وبعد ذلك الثورة التونسية 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وصولاً إلى انتصار الثورة وهروب زين العابدين بن علي. يومها فقط
اكتشف التونسيون الدور المحوري الذي لعبته الشبكات الاجتماعية والمدونون في نقل ثورتهم إلى كل العالم، رغم التعتيم الإعلامي الرسمي.
عام 2015 أوقف خمسة أشخاص في محافظة قبلي في الجنوب الشرقي التونسي بتهمة مبايعة تنظيم إرهابي على شبكة الإنترنت. كذلك تم إيقاف ستة أفراد من مجموعة "الفلاقة" بتهمة قرصنة مواقع حكومية. وفي الوقت نفسه، أطلت كتيبة "عقبة بن نافع" المتمركزة في جبال الشعانبي على الحدود التونسية الجزائرية، تطلب من أنصارها عدم استعمال "فيسبوك" والاكتفاء باستعمال "تويتر" والدخول إليه عبر نظام " تور".
تواريخ تلخص باختصار أهم الأحداث التي عاشتها تونس ما قبل الثورة وما بعدها، والرابط بينها جميعها التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها، فهل تعيش تونس حرباً إلكترونية؟
غياب الإطار القانوني
"المجال الإلكتروني في تونس وخاصة المتعلق منه بالنشر لا يزال غير منظّم قانونياً، وهو ما جعله يعيش حالة من الانفلات والفوضى"، هذا ما صرّح به لـ "العربي الجديد" الإعلامي والناشط الإلكتروني، النوري الصّل، الذي يرى أن "تنظيم القطاع مطلب ملح، فبعض المواقع تساهم في تغذية مناخ التوتر وتدفع إلى الجرائم الإرهابية من دون رادع قانوني، فجلّها مواقع بلا هوية قانونية؛ وهو ما يجعل من الصعب حصرها أو محاسبتها في حالة الاعتداء على الأشخاص بالثلب أو على الأمن الوطني".
[إقرأ أيضاً:تونس من دون "فيسبوك"؟]
السجين السياسي السابق والإعلامي، أحمد نظيف، يشارك النوري الصّل نفس الرأي ويرى في تصريح لـ "العربي الجديد" عندما سجنت سنة 2007 تعرفت إلى من شاركوني السجن بتهم تتعلق بنشاطهم الإلكتروني، وقد تمت محاكمتهم وفقاً لقانون الإرهاب، بل عرفت البعض ممن تمّ تجنيده من خلال الشبكات الاجتماعية وأصبح مقاتلاً في صفوف بعض التنظيمات". ويذهب أحمد نظيف إلى أن "تجربة السجن جعلته يتعرف إلى من زج بهم في سجون بن علي، لا لشيء إلا لولوجهم مواقع جهادية حتى عن حسن نية".
غياب الإطار القانوني دفع مكتب منظمة "المادة 19" في تونس إلى الدعوة في تقريرها حول حرية التعبير على الإنترنت إلى "إدخال التعديلات اللازمة على المنظومة القانونية بشكل يجعل السلطة القضائية (أو الهيئات التعديلية المستقلة) هي الجهة الوحيدة المخول لها الإذن بحجب أو سحب المواقع أو الصفحات كلياً أو جزئياً، مع ضرورة التقيد بمبدأي الضرورة والتناسب".
الإطار القانوني الغائب في عهد الرئيس المخلوع جعله يوظف القوانين في جرائم الإنترنت مثلما شاء ويزج في السجن كل من يدخل موقعاً أو ينشر رأياً على الصفحات الاجتماعية؛ وهو ما يترجم صرامة الرقابة المضروبة على الشبكة العنكبوتية، فكيف كانت تتم هذه الرقابة؟
الرقابة تعود من جديد
وفقاً لتصريح مسؤول أمني رفض ذكر اسمه لـ "العربي الجديد": "الرقابة كانت تتم زمن بن علي عن طريق مختصين في الهندسة الإعلامية، تمّ جلبهم من الوكالة التونسية للإنترنت المسؤولة عن قطاع الإنترنت في تونس إلى المصالح المختصة في وزارة الداخلية التونسية، ويتولون عملية المراقبة والحجب". وأضاف "هذا الأسلوب تمّ التخلي عنه بعد الثورة، لكن أمام تزايد الهجمات الإرهابية وتوظيفها للشبكات الاجتماعية، فقد تمّت إعادة تفعيل هذا النشاط حتى تتمكن وزارة الداخلية ومصالحها المختصة من اختراق الشبكات الإرهابية، عن طريق حسابات مجهولة الهوية لمراقبة النشاط الإرهابي على الإنترنت والتدخل كلما اقتضت الضرورة". وقد عبّر المسؤول الأمني عن النجاح إلى حدّ الآن في اختراق بعض المواقع والصفحات والإطاحة بأصحابها.
[إقرأ أيضاً:موظفون تونسيون ممنوعون من الشبكات الاجتماعية ]
هذا عن الشبكات الاجتماعية والمواقع الإرهابية، فماذا عن بقية المواقع التونسية المهددة بالاختراق بجرائم إلكترونية وخاصة المؤسسات المالية؟
عن هذا السؤال أجاب معز شقشوق رئيس "الشركة التونسية للإنترنت" الذي يرى أن "عدد الجرائم الإلكترونية في تونس ضعيف جداً، ولا يتجاوز السبع جرائم سنوياً". ويبيّن شقشوق أن ضمانات السلامة الإلكترونية متوفرة في تونس، وقلل من خطر استغلال الجماعات الإرهابية بيانات المؤسسات التونسية. لكن يظل السؤال مطروحاً لماذا نجحت الجماعات الإرهابية رغم كل ذلك في توظيف الشبكات الاجتماعية والإنترنت لتحقيق غايتها؟
التبني المبكر للتكنولوجيات الحديثة
يرى الدكتور صلاح الدين الدريدي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "التبني المبكر للتكنولوجيات الحديثة من قبل المجموعات الإرهابية ساعدها على حسن توظيفها، فعلى عكس التعامل من قبل المحافظين مع وسائل الاتصال في القرن 19حيث تم رفض المطابع والصحف لأسباب دينية، فإن الجماعات الإرهابية تعاملت مع ما يوفره الإنترنت من خدمات بشكل براغماتي، حتى توظفه لخدمة أهدافها من خلال ما أسمته الجهاد الإلكتروني". وأضاف "كما أن النجاح في هذا التوظيف يعود في تونس إلى أسباب عدّة، لعل أهمها ضعف الدولة التونسية بعد الثورة، وغياب آليات الرقابة الناجعة لا بالمعنى البوليسي لكلمة الرقابة، بل الرقابة بما يضمن استقرار المجتمع ويحافظ على السلم به؛ وهو دور موكول إلى عديد الأطراف منها المجتمع المدني والهيئات الدستورية والنقابية".
[إقرأ أيضاً:السبسي على خطى بورقيبة في التعاطي مع الإعلام]
حروب "الهاكرز"
بداية الرقابة
نهاية عام 2005 شهدت تونس عملية إرهابية عرفت حينها باسم "عملية سليمان"؛ نسبة إلى مدينة سليمان فى الشمال الشرقي التونسي. أما المتّهمون فيها فكانوا شباباً تواصلوا عبر الإنترنت واجتمعوا حول هدف واحد هو ضرب النظام. نهاية عام 2006 صدرت أحكام قضائية تراوحت بين الإعدام والسجن خمس سنوات للمشاركين في أحداث سليمان. إلى جانب ذلك انطلقت رقابة حديدية على الإنترنت، كان من نتائجها سجن الصحافي الاستقصائي العامل في موقع "نواة" رمزي بالطيبي وغيره من الناشطين الإلكترونيين، وحجب كل المواقع المعارضة للنظام.
[إقرأ أيضاً: المطالبة بوقف المحاكمات العسكرية للصحافيين في تونس]
منذ ذلك الوقت، بدأت مرحلة القمع العنيف للحريات، تحديداً بين العامين 2006 و2010. واشتدّت الرقابة رغم المحاولات التي كان يقوم بها ناشطون إلكترونيون، بهدف كسر جدار الصمت حول انتفاضة الحوض المنجمي عام 2008. وبعد ذلك الثورة التونسية 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 وصولاً إلى انتصار الثورة وهروب زين العابدين بن علي. يومها فقط
اكتشف التونسيون الدور المحوري الذي لعبته الشبكات الاجتماعية والمدونون في نقل ثورتهم إلى كل العالم، رغم التعتيم الإعلامي الرسمي.
عام 2015 أوقف خمسة أشخاص في محافظة قبلي في الجنوب الشرقي التونسي بتهمة مبايعة تنظيم إرهابي على شبكة الإنترنت. كذلك تم إيقاف ستة أفراد من مجموعة "الفلاقة" بتهمة قرصنة مواقع حكومية. وفي الوقت نفسه، أطلت كتيبة "عقبة بن نافع" المتمركزة في جبال الشعانبي على الحدود التونسية الجزائرية، تطلب من أنصارها عدم استعمال "فيسبوك" والاكتفاء باستعمال "تويتر" والدخول إليه عبر نظام " تور".
تواريخ تلخص باختصار أهم الأحداث التي عاشتها تونس ما قبل الثورة وما بعدها، والرابط بينها جميعها التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها، فهل تعيش تونس حرباً إلكترونية؟
غياب الإطار القانوني
"المجال الإلكتروني في تونس وخاصة المتعلق منه بالنشر لا يزال غير منظّم قانونياً، وهو ما جعله يعيش حالة من الانفلات والفوضى"، هذا ما صرّح به لـ "العربي الجديد" الإعلامي والناشط الإلكتروني، النوري الصّل، الذي يرى أن "تنظيم القطاع مطلب ملح، فبعض المواقع تساهم في تغذية مناخ التوتر وتدفع إلى الجرائم الإرهابية من دون رادع قانوني، فجلّها مواقع بلا هوية قانونية؛ وهو ما يجعل من الصعب حصرها أو محاسبتها في حالة الاعتداء على الأشخاص بالثلب أو على الأمن الوطني".
[إقرأ أيضاً:تونس من دون "فيسبوك"؟]
السجين السياسي السابق والإعلامي، أحمد نظيف، يشارك النوري الصّل نفس الرأي ويرى في تصريح لـ "العربي الجديد" عندما سجنت سنة 2007 تعرفت إلى من شاركوني السجن بتهم تتعلق بنشاطهم الإلكتروني، وقد تمت محاكمتهم وفقاً لقانون الإرهاب، بل عرفت البعض ممن تمّ تجنيده من خلال الشبكات الاجتماعية وأصبح مقاتلاً في صفوف بعض التنظيمات". ويذهب أحمد نظيف إلى أن "تجربة السجن جعلته يتعرف إلى من زج بهم في سجون بن علي، لا لشيء إلا لولوجهم مواقع جهادية حتى عن حسن نية".
غياب الإطار القانوني دفع مكتب منظمة "المادة 19" في تونس إلى الدعوة في تقريرها حول حرية التعبير على الإنترنت إلى "إدخال التعديلات اللازمة على المنظومة القانونية بشكل يجعل السلطة القضائية (أو الهيئات التعديلية المستقلة) هي الجهة الوحيدة المخول لها الإذن بحجب أو سحب المواقع أو الصفحات كلياً أو جزئياً، مع ضرورة التقيد بمبدأي الضرورة والتناسب".
الإطار القانوني الغائب في عهد الرئيس المخلوع جعله يوظف القوانين في جرائم الإنترنت مثلما شاء ويزج في السجن كل من يدخل موقعاً أو ينشر رأياً على الصفحات الاجتماعية؛ وهو ما يترجم صرامة الرقابة المضروبة على الشبكة العنكبوتية، فكيف كانت تتم هذه الرقابة؟
الرقابة تعود من جديد
وفقاً لتصريح مسؤول أمني رفض ذكر اسمه لـ "العربي الجديد": "الرقابة كانت تتم زمن بن علي عن طريق مختصين في الهندسة الإعلامية، تمّ جلبهم من الوكالة التونسية للإنترنت المسؤولة عن قطاع الإنترنت في تونس إلى المصالح المختصة في وزارة الداخلية التونسية، ويتولون عملية المراقبة والحجب". وأضاف "هذا الأسلوب تمّ التخلي عنه بعد الثورة، لكن أمام تزايد الهجمات الإرهابية وتوظيفها للشبكات الاجتماعية، فقد تمّت إعادة تفعيل هذا النشاط حتى تتمكن وزارة الداخلية ومصالحها المختصة من اختراق الشبكات الإرهابية، عن طريق حسابات مجهولة الهوية لمراقبة النشاط الإرهابي على الإنترنت والتدخل كلما اقتضت الضرورة". وقد عبّر المسؤول الأمني عن النجاح إلى حدّ الآن في اختراق بعض المواقع والصفحات والإطاحة بأصحابها.
[إقرأ أيضاً:موظفون تونسيون ممنوعون من الشبكات الاجتماعية ]
هذا عن الشبكات الاجتماعية والمواقع الإرهابية، فماذا عن بقية المواقع التونسية المهددة بالاختراق بجرائم إلكترونية وخاصة المؤسسات المالية؟
عن هذا السؤال أجاب معز شقشوق رئيس "الشركة التونسية للإنترنت" الذي يرى أن "عدد الجرائم الإلكترونية في تونس ضعيف جداً، ولا يتجاوز السبع جرائم سنوياً". ويبيّن شقشوق أن ضمانات السلامة الإلكترونية متوفرة في تونس، وقلل من خطر استغلال الجماعات الإرهابية بيانات المؤسسات التونسية. لكن يظل السؤال مطروحاً لماذا نجحت الجماعات الإرهابية رغم كل ذلك في توظيف الشبكات الاجتماعية والإنترنت لتحقيق غايتها؟
التبني المبكر للتكنولوجيات الحديثة
يرى الدكتور صلاح الدين الدريدي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "التبني المبكر للتكنولوجيات الحديثة من قبل المجموعات الإرهابية ساعدها على حسن توظيفها، فعلى عكس التعامل من قبل المحافظين مع وسائل الاتصال في القرن 19حيث تم رفض المطابع والصحف لأسباب دينية، فإن الجماعات الإرهابية تعاملت مع ما يوفره الإنترنت من خدمات بشكل براغماتي، حتى توظفه لخدمة أهدافها من خلال ما أسمته الجهاد الإلكتروني". وأضاف "كما أن النجاح في هذا التوظيف يعود في تونس إلى أسباب عدّة، لعل أهمها ضعف الدولة التونسية بعد الثورة، وغياب آليات الرقابة الناجعة لا بالمعنى البوليسي لكلمة الرقابة، بل الرقابة بما يضمن استقرار المجتمع ويحافظ على السلم به؛ وهو دور موكول إلى عديد الأطراف منها المجتمع المدني والهيئات الدستورية والنقابية".
[إقرأ أيضاً:السبسي على خطى بورقيبة في التعاطي مع الإعلام]
حروب "الهاكرز"
إذا كان النظام يركّز بشكل أساسي على حربه مع "الجماعات الإرهابية" على المواقع الإلكترونية، فهناك نوع آخر من الحرب التونسية تدور رحاها في العالم الافتراضي، وهي حروب داخلية بين القراصنة أنفسهم. وهو ما برز أخيراً في الحرب بين مجموعة "الفلاقة" ومجموعة "انونيموس" (المجهولون)، حيث تتهم هذه الأخيرة "الفلاقة" بأنهم يعبرون عن توجهات لمجموعات دينية جهادية، وما قرصنتهم لبعض المواقع ووضع راية العقاب عليها إلا خير دليل على ذلك. اتهام ترفضه مجموعة "الفلاقة" التي ترى نفسها مجموعة إلكترونية تناضل من أجل تونس ولا علاقة لها بالإرهاب. كما أن تسمية عملياتها بـ"ثعلب الصحراء"، و"غزوة أبابيل" تنخرط في قناعاتها بالانتماء إلى الأرض التونسية. أما عن استعمالها راية العقاب، فقد تمّ ذلك وفقاً لتعبيرها عندما قامت بقرصنة مواقع إسرائيلية فقط. وأضافت مجموعة "الفلاقة" أنها لا تقوم بقرصنة مواقع من أجل الاستيلاء على حسابات بنكية أو أموال، بل يقرصنون المواقع الحكومية التونسية فقط لمدة خمس دقائق، من أجل التعريف بمطالبهم العادلة في الحرية. الجرائم الإلكترونية فى تونس موضوع يصعب حسمه الآن، لكن يبدو أنه سيشهد تطورات أخرى خلال الأيام المقبلة، خاصة بعد انتشار ظاهرة القمار الإلكتروني بين الشباب.