الجار

30 نوفمبر 2016
(لويس ماتيو دِييث)
+ الخط -

كان ذلك الرجل قد استأجر الشقّة التي تقع في الدور الملحق، تحديداً فوق مسكننا، ولم يكن هناك أيّ شيء مميّز قد أثار انتباهنا فيه إلا بعد مرور شهرين أو ثلاثة، آن صادفته ذات ليلة، أثناء رجوعي إلى البيت، وهو يهبط السلالم، كان يبكي ويعرج.

بعد أيام قليلة، وأنا خارجٌ من البيت، سمعت ضرباتٍ على باب الملحق، وعويلاً متضرّعاً كما لو أنّ ذلك الرجل قد طُرد من الشقّة وجعل يتوسّل أن يفتحوا له الباب. أطللت برأسي ناظراً إلى بسطة الدرج المتّصلة بالملحق،

فرأيته حافياً، نصف عارٍ وعيناه مغرورقتان. بإيماءة مهموم ردّ على عرضي المتحفّظ بتقديم المساعدة، وقبِل مني بنطلوناً وقميصاً وحذاءً أعادها إليّ في اليوم التالي ممتنّاً وخجِلاً جداً.

بعد تلك الحادثة بليلتين، أثناء خروجي من البيت، سمعت صفقاً عنيفاً لبابٍ في الملحق ووقعَ خطواتٍ مستعجلة كأنها لشخصٍ يهرب. اصطدم بي الرجل، فقدَ توازنه، وسقط إلى أسفل متدحرجاً على السلالم. عندما أعنته على النهوض، استطعتُ تمييز كدمة ملوّنة رهيبة حول عينه اليمنى، إضافةً إلى الرضوض. استجاب إذ عرضت عليه المساعدة، وترجّاني أن أطلب له سيارة أجرة.

بعد شهر، كنت عائداً إلى البيت في ساعة متأخرة بعد منتصف الليل وفي يدي كأس إضافية، ولحظةَ حاولت فتح باب المدخل لاحت لي رؤيا غريبة. كان رجلٌ عارٍ بالكامل، مرتعدٌ من البرد، واقفاً إلى جانبي يُلحّ عليّ أن أفتح له بأسرع ما يمكن. كان جارنا نفسه، انسلّ إلى الداخل ما إن دفعت الباب قليلاً.

أضأتُ مصباح المدخل، فتوسّلني أن أطفئه. كانت الكدمات تتوزّع جسده الناحل كآثارٍ مبعثرة لتعذيبٍ جسديّ، بدا وكأنها كانت تشعره بالخجل أكثر من العريّ ذاته.

صعدت خلفه أتأمّل في معاناته وأنا أشعر بتأنيب الضمير لأن كؤوسي التي شربتها لم تسمح لي باتّخاذ قرارٍ كي أساعده. لم تمضِ أيام كثيرة حتى علمتُ أنه قد فسخ عقد الإيجار ورحل.

ذات يومٍ، وبعد مضيِّ سنة ونصف، كانت صورته تحتلّ الصفحات الأولى في الجرائد.

الانتحار الغريب لذلك الرجل، الذي تبيّن أنه روائيّ معروف، صعق الجميع وهزّ المشاعر لما حملته ظروفه من خصوصيّة.

دفعني الفضول إلى اقتناء واحدة من رواياته، هذا وأعترف أنّ كل ما قرأته من رواياتٍ في حياتي ربما لا يتعدّى ثلاثاً.

بعدما قرأتها عرفت من أين كانت تأتي تعاسة ذلك الرجل، عرفت أيّة أيدٍ خسيسة كانت توسعه ضرباً وتطرده من البيت.

* Luis Mateo Díez ولد عام 1942، كاتب وروائيّ وقاصّ إسباني، في معظم أعماله، يمكن سماع صدى الحكايات الشعبية الشفهية التي غمرت بكثافةٍ طفولته، كما نجد المغامرة التي تترصّد عند المنعطف ومآلاتها، وهناك النهايات الصغيرة الملغزة التي تتناثر عبر الحكاية. من رواياته "الفصول الريفيّة" و"الحلم والجرح" و"خراب السماء"، ومن مجموعاته القصصية "تِذكار للأعشاب" و"شجرة الحكايات".

** ترجمة عن الإسبانية: كاميران حاج محمود

دلالات
المساهمون