ظل الهمّ الأول لقوى الثورة المضادة، طمس المضمون الاجتماعي للثورات، وتفاوتت طرق الوصول إلى هذا الهدف. بعضهم سار في اتجاه أن الثورة نتاج مؤامرة، وبالتالي ليس لها مطالب اجتماعية واقتصادية. فهي تجليات حروب الجيل الرابع وتدخلات الإمبريالية العالمية!
وآخرون ذهبوا إلى مسار أقل حدة، معتبرين أن هدف الانتفاضات إزاحة ما علق بالنظم من ممارسات استبدادية، وعلى المحتجين العودة الى مربع الصمت وتنكيس الرايات. اتفق أصحاب المسارين على أنه لا تغيير ضروريا للبناء الاجتماعي والاقتصادي القائم، والمهمة الأولى هي إنقاذ الدول من احتمالية السقوط، فهي تواجه مخطط إسقاط الدولة من أطراف خارجية وداخلية، وفي هذا الصدد تم تصنيف المحتجين سواء كانوا عمالا أو شبابا على أنهم يعطلون عجلة الإنتاج بالتعبير السلطوي المصري، أو على حد التعبير التونسي "يضعون العصا في عجلة الإنتاج"، لم تختلف ردود السلطات على مطالب الفئات الشعبية والعمالية، فالاقتصاد مرهق ومنهار، والبلاد نهبت وعلى الشعوب تحمّل المعاناة.
لم تختلف كثيراً مصر عن تونس، ولا حكم الإخوان عن المجلس العسكري، ولا النهضة عن حزب نداء تونس، وكذلك لم يختلف التحالف الاجتماعي الحاكم للسبسي عن السيسي كثيراً. وعلى أرضية تناقض المصالح بين التحالف الحاكم والشعب أرادت السلطات فرض وصايتها وحصارها على أي حراك اجتماعي، مرة بالتشوية ومرة بتقديم تبريرات، هي ذات الاستراتيجية في الإنكار للحقوق ومحاولة تفتيت الحركة العمالية وإضعافها أكثر مما هي عليه من ضعف.
لم تختلف مضامين السلطات المتعاقبة بعد الثورات العربية من كونها صيغا جمعت بين الاستبداد والفساد والاستغلال كتشكيلة مترابطة، وفي هذا السياق لم تكن توجهات رئيس الوزراء المصري لاتحاد العمال بتشكيل لجان عمالية لمنع الاحتجاجات والأعمال الإرهابية" مستغرباً، وهدف الربط ما بين العمال المحتجين والإرهاب، فقط لإرهاب العمال من ممارسة أي فعل احتجاجي مطلبي.
يأتي هذا التوجيه ليعبر عن توجس لدى السلطة المصرية من عودة وتيرة الاحتجاج، حيث تدرك السلطة أن سلاح التظاهر والإضراب هو الأقوى في مقاومتها، وهي ذاتها الحركة التي لعبت دوراً تاريخياً وشكلت أداة مقاومة النهب الذي مارسته وتمارسه الفئات الحاكمة، ولكي تبدو السلطة أقل عنفاً في مواجهة العمال تلجأ لاستخدام بعض القيادات العمالية الصفراء الموالية لها، ووقائع الثورة خير دليل لمن يريد التعلم والتثبت، فلا أحد ينسى المظاهرة التي نظمها اتحاد العمال المصري يوم 25 يناير، حين تظاهر عشرات من القيادات العمالية الموالية لحكم مبارك، ولسوء حظ هؤلاء فإن الثورة عرّت الذين كان من ضمنهم ثلاثة قيادات تدعي اليسارية. وها هم يرجعون مرة أخرى إلى الدور القديم ذاته لخدمة النظام بدلاً من تمثيل العمال.
تبدو الصورة أفضل حالا في تونس، حيث لعب الاتحاد العام للعمل دوراً محورياً في مساندة الثورة، خاصة من جانب قطاعاته الشبابية والوسيطة، الأمر الذي يجعل شعار "عاش عاش الاتحاد أكبر قوة في البلاد" واقعاً ملموساً وليس مجرد شعار يهتف به شباب الثورة التونسية.
لا تعد توجهات السلطة هي الأولى من نوعها، فقد سبق أن حاولت استيعاب أو إخماد الحركة العمالية التي ترفع شعارات في أغلبها تجسيد لمضامين الثورة، فبعد رحيل مبارك اشتد الهجوم على الحركة الاحتجاجية والعمالية بشكل كبير، وأصدر المجلس العسكري قانون "حماية المنشآت وحرية العمل "بمرسوم رقم 34 لعام 2011، غرضه إرهاب العمال ومن يساندهم من قوى ديمقراطية أو يسارية، وقد نص القانون على عقوبتي الحبس والغرامة (تصل إلى نصف مليون جنيه) لكل من شارك أو حرض على التظاهر أو الإضراب أو الاعتصام في جهات العمل الخاصة أو العامة.
وفي هذا السياق، ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال أن مطالب العمال فئوية، فهي لا تخص العمال وحدهم، بل تخص المجتمع ككل، فالتصدي لقوى الفساد المستشري في المصانع وشركات الدولة، مطلب ودور وطني يحافظ على وسائل الإنتاج، والمطالبة بتطوير المصانع ومدّها بمستلزمات الإنتاج. كما أن مطالب عمال مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج هي مطالب لمصلحة المجتمع كله، وتزيد حصيلة الدولة وتدعم التنمية.
إقرأ أيضا: سوريا: هجرة الأطباء وعودة الأمراض القاتلة
وآخرون ذهبوا إلى مسار أقل حدة، معتبرين أن هدف الانتفاضات إزاحة ما علق بالنظم من ممارسات استبدادية، وعلى المحتجين العودة الى مربع الصمت وتنكيس الرايات. اتفق أصحاب المسارين على أنه لا تغيير ضروريا للبناء الاجتماعي والاقتصادي القائم، والمهمة الأولى هي إنقاذ الدول من احتمالية السقوط، فهي تواجه مخطط إسقاط الدولة من أطراف خارجية وداخلية، وفي هذا الصدد تم تصنيف المحتجين سواء كانوا عمالا أو شبابا على أنهم يعطلون عجلة الإنتاج بالتعبير السلطوي المصري، أو على حد التعبير التونسي "يضعون العصا في عجلة الإنتاج"، لم تختلف ردود السلطات على مطالب الفئات الشعبية والعمالية، فالاقتصاد مرهق ومنهار، والبلاد نهبت وعلى الشعوب تحمّل المعاناة.
لم تختلف كثيراً مصر عن تونس، ولا حكم الإخوان عن المجلس العسكري، ولا النهضة عن حزب نداء تونس، وكذلك لم يختلف التحالف الاجتماعي الحاكم للسبسي عن السيسي كثيراً. وعلى أرضية تناقض المصالح بين التحالف الحاكم والشعب أرادت السلطات فرض وصايتها وحصارها على أي حراك اجتماعي، مرة بالتشوية ومرة بتقديم تبريرات، هي ذات الاستراتيجية في الإنكار للحقوق ومحاولة تفتيت الحركة العمالية وإضعافها أكثر مما هي عليه من ضعف.
لم تختلف مضامين السلطات المتعاقبة بعد الثورات العربية من كونها صيغا جمعت بين الاستبداد والفساد والاستغلال كتشكيلة مترابطة، وفي هذا السياق لم تكن توجهات رئيس الوزراء المصري لاتحاد العمال بتشكيل لجان عمالية لمنع الاحتجاجات والأعمال الإرهابية" مستغرباً، وهدف الربط ما بين العمال المحتجين والإرهاب، فقط لإرهاب العمال من ممارسة أي فعل احتجاجي مطلبي.
يأتي هذا التوجيه ليعبر عن توجس لدى السلطة المصرية من عودة وتيرة الاحتجاج، حيث تدرك السلطة أن سلاح التظاهر والإضراب هو الأقوى في مقاومتها، وهي ذاتها الحركة التي لعبت دوراً تاريخياً وشكلت أداة مقاومة النهب الذي مارسته وتمارسه الفئات الحاكمة، ولكي تبدو السلطة أقل عنفاً في مواجهة العمال تلجأ لاستخدام بعض القيادات العمالية الصفراء الموالية لها، ووقائع الثورة خير دليل لمن يريد التعلم والتثبت، فلا أحد ينسى المظاهرة التي نظمها اتحاد العمال المصري يوم 25 يناير، حين تظاهر عشرات من القيادات العمالية الموالية لحكم مبارك، ولسوء حظ هؤلاء فإن الثورة عرّت الذين كان من ضمنهم ثلاثة قيادات تدعي اليسارية. وها هم يرجعون مرة أخرى إلى الدور القديم ذاته لخدمة النظام بدلاً من تمثيل العمال.
تبدو الصورة أفضل حالا في تونس، حيث لعب الاتحاد العام للعمل دوراً محورياً في مساندة الثورة، خاصة من جانب قطاعاته الشبابية والوسيطة، الأمر الذي يجعل شعار "عاش عاش الاتحاد أكبر قوة في البلاد" واقعاً ملموساً وليس مجرد شعار يهتف به شباب الثورة التونسية.
لا تعد توجهات السلطة هي الأولى من نوعها، فقد سبق أن حاولت استيعاب أو إخماد الحركة العمالية التي ترفع شعارات في أغلبها تجسيد لمضامين الثورة، فبعد رحيل مبارك اشتد الهجوم على الحركة الاحتجاجية والعمالية بشكل كبير، وأصدر المجلس العسكري قانون "حماية المنشآت وحرية العمل "بمرسوم رقم 34 لعام 2011، غرضه إرهاب العمال ومن يساندهم من قوى ديمقراطية أو يسارية، وقد نص القانون على عقوبتي الحبس والغرامة (تصل إلى نصف مليون جنيه) لكل من شارك أو حرض على التظاهر أو الإضراب أو الاعتصام في جهات العمل الخاصة أو العامة.
وفي هذا السياق، ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال أن مطالب العمال فئوية، فهي لا تخص العمال وحدهم، بل تخص المجتمع ككل، فالتصدي لقوى الفساد المستشري في المصانع وشركات الدولة، مطلب ودور وطني يحافظ على وسائل الإنتاج، والمطالبة بتطوير المصانع ومدّها بمستلزمات الإنتاج. كما أن مطالب عمال مصانع الحديد والصلب والغزل والنسيج هي مطالب لمصلحة المجتمع كله، وتزيد حصيلة الدولة وتدعم التنمية.
إقرأ أيضا: سوريا: هجرة الأطباء وعودة الأمراض القاتلة