الثقافة الجزائرية 2016: نتائج تشبه المقدّمات

08 يناير 2017
(قصبة الجزائر، تصوير: رضا)
+ الخط -
على صعيد الحياة الثقافية في الجزائر، لا يُمكن النظر إلى السنة الماضية بمعزلٍ عن التي سبقتها؛ إذ شهدت 2016 استكمال ما تبقّى من تظاهرة "قسنطينة عاصمةً للثقافة العربية" التي انطلقت في نيسان/ أبريل 2015، واختُتمت بعد عامٍ من ذلك، وسْطَ تساؤلاتٍ عمَّا أضافته إلى المشهد الثقافي في البلاد، كما دخلت سياسة "التقشّف"، التي اعتمدتها الحكومة بدعوى مواجهة الأزمة المالية التي تسبّب فيها تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيّز التطبيق هذا العام، بعد أن أعلن وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، منذ وصوله إلى "مبنى العناصر" (وزارة الثقافة) في أيار/ مايو 2015، عن عزمه تطبيق استراتيجية جديدة، عمادُها "ترشيد النفقات وتحويل الثقافة من قطاعٍ مستهلك إلى منتِج".

في ما يتعلّق بـ "قسنطينة عاصمةً للثقافة العربية"، لم تكُن النتائج لتختلف كثيراً عن المقدّمات. ولعلّ محاولة فهمٍ أفضل لما حدث تفرض العودة إلى سياقات اختيار "المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (ألسكو) المدينةَ الجزائرية لإقامة الحدث الثقافي العربي السنوي، بعد سنواتٍ قليلة من إقامته في الجزائر العاصمة (2007)، بينما يٌفتَرض ألّا تعود التظاهرة إلى الجزائر إلّا بعد 22 عاماً (بعدد البلدان العربية). جاء الاختيار في سياقٍ بدت فيه غالبية البلدان العربية متردّدةً في استضافة الاحتفالية، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية والمالية التي صاحبت "الربيع العربي" أو نجمت عنه. وهنا، طُرح اسمُ قسنطينة كبديلٍ جرى اعتماده سريعاً.

بالنسبة إلى "الألسكو"، مثّل الاقتراح مخرَجاً مناسباً من مأزق محتمَل. وبالنسبة إلى المسؤولين الجزائريين، لم يكُن ذلك أكثر من فرصةٍ ذهبية للقول بأن الوضع في الجزائر أفضل من غيره في البلدان العربية الأخرى، ففكرةُ "التسويق لصورة الجزائر" أصبحت تمثّل هاجساً يحضر بقوّة منذ خروج البلاد من أزمةٍ أمنيةٍ عصفت بها في التسعينيات، وهو ما تؤكّده التصريحات الرسمية في كلّ مناسبة ثقافية من هذا النوع؛ إذ يأتي "التسويق للصورة" على قائمة الأهداف المعلَنة. أمّا طريقة التسويق، فيبدو أنها تُختصَر في مجرّد القدرة على احتضان المناسبة، من دون الحديث عمَّ قُدِّم فيها.

في حالة قسنطينة، حدث ما لم يكُن في الحسبان؛ إذ وجد القائمون على التظاهرة أنفسَهم في ظرفٍ طارئ لم يكُن وارداً عند اقتراح اسم المدينة أوّل الأمر؛ إذ دفع تهاوي أسعار النفط الحكومةَ إلى إعلان حزمةٍ إجراءاتٍ لترشيد النفقات العامّة من أجل مواجهة تداعياته في بلدٍ يعتمد اقتصاده كلّيةً على مداخيل قطاع المحروقات. هكذا، بدأت التظاهرة وسط تأخّر ملحوظ في إنجاز المشاريع الثقافية التي بٌرمجت للمناسبة، ثمّ استمرّت وسط تقشّف واضحٍ في برنامجها الثقافي، وغياب شبه تامٍّ عن الإعلام. طيلة سنة، بدا وكأن لا شيء ثقافياً يحدث في قسنطينة، باستثناء بعض الأشياء الصغيرة التي كانت تلقى رواجاً على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي تحت مسمّى "فضيحة".

في الختام، قدّم القائمون على التظاهرة بعض الأرقام عمّا جرى إنجازه من منشآت ثقافية وأعمالٍ في مجالات المسرح والسينما والنشر وغيرها، معتبرِين أن المدينة تحوّلت إلى "فضاء حقيقي للتبادلات الثقافية".

كان واضحاً أن "التقشّف" انعكس على أداء التظاهرة؛ فمجال النشر لوحده شهد تراجعاً في عدد العناوين المبرمَجة من 1500 إلى 400 فقط، وهي عناوين يقول كثيرٌ من المتابعين إنهم لم يروا لها أثراً.

المؤكّد أن قطاع الثقافة هو الأكثر تأثّراً بسياسة التقشّف. فبينما لم تُعلن قطاعات أخرى تتوفّر على ميزانيات أكبر بكثير من ميزانية وزارة الثقافة الضئيلة أصلاً عن إجراءات لمواجهة الأزمة الاقتصادية، بدت الثقافة كأنها المعني الوحيد بالموضوع، ولا يُعلَم إن كان مردّ ذلك حماسٌ شخصي لوزير الثقافة الذي يقارنه بعضهم بسابقته خليدة تومي التي يقولون إنها كانت تستميت في الدفاع عن ميزانية قطاعها، حتّى أنها نجحت في رفعها، أم أنه يتعلَّق بالنظر إلى الثقافة على أنها أقّل أهمية من غيرها.

خطّة الوزير مسّت، أوّلاً، المهرجانات الثقافية، التي تستهلك قرابة أربعين بالمئة من ميزانية القطاع؛ حيث جرى إلغاء أو تقليص أو دمج بعضها، لتصل إلى 77 مهرجاناً معتمَداً من أصل 186، ثمّ مسّت المؤسّسات الثقافية التي جرت إعادة هيكلة او دمج بعضها؛ وأبرزها "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي" التي جرى دمجها في "ديوان رياض الفتح"، ودمج "سينماتيك" مع "المركز الوطني للسينما والسمعي البصري" ودمج "الديون الوطني للثقافة والإعلام" مع "قرية الفنانين". كما جُمع كلّ من "الباليه الوطني" و"الأوركسترا السيمفونية الوطنية" و"الفرقة الوطنية للموسيقى الأندلسية" في هيئة استُحدث مؤخّراً باسم "مؤسّسة أوبرا الجزائر".

في مقابل غياب بعض المهرجانات، استمرّت أبرز التظاهرات الثقافية؛ مثل "معرض الكتاب" و"مهرجان وهران للفيلم العربي" و"مهرجان المسرح المحترف"، واستُحدثت تظاهرات أخرى؛ مثل "الأيام السينمائية لحاسي مسعود" في الجنوب الجزائري، والتي نُظّمت نهاية السنة بتمويل من رجال أعمال جزائريين. كما عادت تظاهرات أخرى إلى الوجود؛ من بينها "الأيام الأدبية لمدينة العلمة" في سطيف، والتي نُظّمت دورتها السادسة عشرة في أيار/ مايو بعد غياب دام ستّ سنوات، و"ملتقى عبد الحميد بن هدوقة للرواية" في مدينة برج بوعريريج، الذي نُظّمت دورته الخامسة عشرة في تشرين الثاني/ نوفمبر بعد خمس سنوات من الغياب.

أمّا أبرز العائدين هذا العام، فهي مجلّة "آمال" التي أسّسها الكاتب الجزائري مالك حدّاد عام 1969. ومع أن المجلّات والإصدارات الثقافية هي الغائب الأبرز في المشهد، إلّا أن هذه العودة لا تشكّل سبباً للتفاؤل بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً أن تجارب إعادة بعث المجلّات العريقة كانت تُمنى بالفشل دائماً، وقد حدث ذلك مع "آمال" نفسها، ومع "الثقافة"؛ إذ أُعيد إطلاق المجلّتين قبل سنواتٍ، وظلّتا تصدران بشكل متذبذب، قبل أن تتوقّفا نهائياً.

أبرز ما جرى إنجازه هذا العام، هو "المسرح الجهوي سي جيلالي بن عبد الحليم" في مدينة مستغانم، غربَي الجزائر، والذي افتُتح في آذار/ مارس الماضي كأوّل مبنى مسرح يُبنى منذ الاستقلال، و"أوبرا الجزائر" التي أُنجزت بهبة صينية وافتُتحت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكان بارزاً أيضاً افتتاح أوّل مخبر سينمائي رقمي في الجزائر، في أيلول/ سبتمبر، وهو المخبر الذي انتظره السينمائيون طويلاً؛ إذ كانوا يضطرّون للسفر خارج البلاد من أجل إتمام العمليّات الخاصّة بأعمالهم السينمائية.

في الأدب، كان بارزاً عدد العناوين الأدبية التي صدرت هذا العام، رغم رفع وزارة الثقافة يدها عن دعم الكتاب الذي طالما أثار انتقاداتٍ كثيرة، كما استمرّ توزيع بعض الجوائز التي تحمل أسماء كتّابٍ مؤسّسين مثل آسيا جبّار ومحمد ديب وأُطلقت جائزتان أخريان باسمَي طاهر وطّار وعبد الحميد بن هدّوقة. اللافت في هذه الأسماء، بغض النظر عن الفائزين بها، هو ضآلة قيمتها المالية مقارنَةً بجوائز عربية وعالمية، وأيضاً انعدام تأثيرها في خلق حساسيات جمالية مختلفة.

2016، كانت سنةً للغياب أيضاً. أسماء ثقافية بارزةً رحلت هذا العام؛ من بينها: الكاتب والصحافي طاهر بن عيشة، والمفكّر مالك شبل، والنقاد والشاعر حميد ناصر خوجة، والكتّاب شعبان وحيون ومختار شعلال وهاشمي لعرابي، وعبد الرحمن زكاد، وفنّان الشعبي اعمر الزاهي، ومطرب المالوف محمد الطاهر الفرقاني، وفنّانَين الموسيقى الأندلسية براهيم بن لجرب محمد بن شاوش والمطرب القبائلي محند رشيد والمخرج السينمائي محمد سليم رياض، والممثل والمخرج حميد رماس، والممثلين حاج مكي بن يوسف حطاب وأحمد بن بوزيد المعروف والفنان التشكيلي نور الدين بوعامر والخطّاط عبد الله حمدي.

المساهمون