الجدل حول الحبيب بورقيبة أو "الزعيم"، كما يسميه التونسيون منذ أجيال، لا ينتهي أبداً، بل يتجدد في كل مرة لسبب أو لآخر، ما يعكس في الحقيقة اختلافات حقيقية بين التونسيين حول أجزاء من تاريخ دولتهم المستقلة منذ أكثر من ستة عقود...
ومع اعتقاد جزء من التونسيين بأن جذوة البورقيبية خفتت وربما تنطفئ تماماً بعد الثورة، حدث العكس تماماً وعاد بورقيبة إلى الحياة من جديد وبقوة، وفرض نفسه على فضاءات النقاش وتقييم ما عاشته تونس منذ ولادة دولتهم الحديثة.
وكانت عودته طوق نجاة للبعض، تبرأوا من تاريخ دولة بن علي وحاولوا العودة للجذور، فيما عمد أعداؤه التاريخيون، أي بعض المحسوبين على التيارات الإسلامية وخصوصاً حركة النهضة، إلى تصفية إرث من الصراع مع بورقيبة عبر الاعتراف ببعض ما أنجز للبلاد من دون أن تنفي تاريخ خلافها معه، برغم اعتراض كثيرين على ذلك.
لكن عودته إلى الفضاء العام هذه الأيام فرضها مسار العدالة الانتقالية، ودعوة هيئة الحقيقة والكرامة إلى إعادة النظر في تاريخ تونس، بناء على الخلاف التاريخي المعروف بين بورقيبة وأحد رجالات النضال الوطني ضد فرنسا، صالح بن يوسف، ما دفع عدداً كبيراً من المؤرخين والباحثين إلى الانتفاض على هذه الدعوة، واعتبارها من خارج مهام الهيئة، وإثارة لفتنة داخلية وإحياءً لصراعات قديمة، ووصلت إلى حد اعتبار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لهذه الآراء "ذاهبة إلى مزبلة التاريخ"، وهو يقرأ الفاتحة على قبر الزعيم في مدينة المنستير منذ أيام.
وأياً يكن من أمر هذا الخلاف، فقد بيّن مرة أخرى أن هناك شروخاً حقيقية بين التونسيين، لا تنفي لدى أغلبهم حبّهم التاريخي للزعيم، واعترافهم بأثره العميق في تشكيل الشخصية التونسية الحديثة، ولكنها تثير في الوقت نفسه لدى البقية أسئلة حقيقية حول فصول من تاريخ إدارته للصراع مع فرنسا وقيادته للبلاد على مدى عقود، لم تكن كلُّها ورديّة، وشابها ظلم كبير وأخطاء متعددة تدفع تونس ثمنها إلى اليوم.
لكن هذا الحوار كان يُفترض أن يكون هادئاً ورصيناً وموضوعياً، ويُترك للمتخصصين والعارفين والشاهدين على كل تلك الحقبات، من طرفيْ الصراع، ويضيء عتمة بعض فصوله، إلا أنه كالعادة جاء متشنجاً ومسيّساً ومؤدلجاً، بما أفقده كل توازن ممكن، وضيَّع على التونسيين مرة أخرى فرصة لمعرفة جزء من تاريخهم.
وكانت عودته طوق نجاة للبعض، تبرأوا من تاريخ دولة بن علي وحاولوا العودة للجذور، فيما عمد أعداؤه التاريخيون، أي بعض المحسوبين على التيارات الإسلامية وخصوصاً حركة النهضة، إلى تصفية إرث من الصراع مع بورقيبة عبر الاعتراف ببعض ما أنجز للبلاد من دون أن تنفي تاريخ خلافها معه، برغم اعتراض كثيرين على ذلك.
لكن عودته إلى الفضاء العام هذه الأيام فرضها مسار العدالة الانتقالية، ودعوة هيئة الحقيقة والكرامة إلى إعادة النظر في تاريخ تونس، بناء على الخلاف التاريخي المعروف بين بورقيبة وأحد رجالات النضال الوطني ضد فرنسا، صالح بن يوسف، ما دفع عدداً كبيراً من المؤرخين والباحثين إلى الانتفاض على هذه الدعوة، واعتبارها من خارج مهام الهيئة، وإثارة لفتنة داخلية وإحياءً لصراعات قديمة، ووصلت إلى حد اعتبار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لهذه الآراء "ذاهبة إلى مزبلة التاريخ"، وهو يقرأ الفاتحة على قبر الزعيم في مدينة المنستير منذ أيام.
وأياً يكن من أمر هذا الخلاف، فقد بيّن مرة أخرى أن هناك شروخاً حقيقية بين التونسيين، لا تنفي لدى أغلبهم حبّهم التاريخي للزعيم، واعترافهم بأثره العميق في تشكيل الشخصية التونسية الحديثة، ولكنها تثير في الوقت نفسه لدى البقية أسئلة حقيقية حول فصول من تاريخ إدارته للصراع مع فرنسا وقيادته للبلاد على مدى عقود، لم تكن كلُّها ورديّة، وشابها ظلم كبير وأخطاء متعددة تدفع تونس ثمنها إلى اليوم.
لكن هذا الحوار كان يُفترض أن يكون هادئاً ورصيناً وموضوعياً، ويُترك للمتخصصين والعارفين والشاهدين على كل تلك الحقبات، من طرفيْ الصراع، ويضيء عتمة بعض فصوله، إلا أنه كالعادة جاء متشنجاً ومسيّساً ومؤدلجاً، بما أفقده كل توازن ممكن، وضيَّع على التونسيين مرة أخرى فرصة لمعرفة جزء من تاريخهم.