التوجهات الاقتصادية الأحادية بمواجهة كورونا تهدد أوروبا

28 مارس 2020
فرنسا دعت لإنشاء أداة للاقتراض المشترك (فرانس برس)
+ الخط -
سلطت جائحة "كوفيد-19" الضوء على الانقسام العميق داخل الاتحاد الأوروبي بين الدول الغنية وسائر الدول الأخرى، فيما يرى محللون أن التضامن القوي بينها وحده يمكن أن يسمح بالتغلب على الكارثة الاقتصادية التي تلوح في الأفق.
كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بوضع خطة اقتصادية منسقة رداً على الأزمة، هذا الأسبوع، بعد أن فضلت كل منها في البداية اعتماد سياسات وطنية، لكنها لم تتمكّن من اتخاذ أي خطوة بهذا الشأن.

وأعاد وزراء المالية، يوم الثلاثاء الماضي، الكرة إلى قادتهم الذين طلبوا بعد قمةٍ، الخميس، من الوزراء أنفسهم وضع تدابير جديدة خلال 15 يوماً، في غياب توافق في الآراء.
ويقول إريك موريس من مؤسسة "روبرت شومان"، متحدثاً لـ"فرانس برس"، "أعادت القمة رسم صورة معسكرين في أوروبا: الشمال ضد الجنوب".

وبعبارة أخرى، ارتسم تعارض بين البلدان التي تحقق التوازن بين مواردها المالية ونفقاتها، ومن ثم الأكثر قدرة على مقاومة الأزمة، والدول المتهمة بالتراخي، مثل إيطاليا وإسبانيا، التي يُرجح أن تتعرض لانتقادات شديدة؛ بسبب ديونها المرتفعة، والتي تدعو إلى تضامن مالي أكبر.

ولقي الطرح المدعوم من باريس، لإنشاء "أداة" للاقتراض المشترك بين الدول التسع عشرة التي تبنت العملة الموحدة، اصطُلح على تسميتها "سندات كورونا"، رفضاً، الخميس، من طرف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونظيرها الهولندي مارك روتي. فهما لا يريدان بأي حال تحميل بلديهما وزر ديون البلدان الأقل احتراساً.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مقابلة مع "كوريري ديلا سيرا"، و"لا ستامبا" و"لا ريبوبليكا"، نشرت مساء الجمعة "لن نتغلّب على هذه الأزمة من دون تضامن أوروبي قوي، على المستويين الصحي والمالي".
وتكتسب التوترات حالياً حدة أكثر من أي وقت مضى، فانتقد رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا موقف لاهاي "المشين"، إذ ورد أنّ هولندا تعتزم أن تطلب من المفوضية الأوروبية التحقيق في عدم توفر هامش في ميزانيات بعض الدول الأوروبية يسمح لها بالتصدي للأزمة.

ودعا رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي "إلى عدم ارتكاب أخطاء فادحة" في مواجهة الأزمة، وإلا "فإنّ التكتل الأوروبي بكامله قد يفقد سبب وجوده".
واعتبر كونتي، في مقابلة مع صحيفة "إل سول 24"، نُشرت اليوم السبت، أنّ "التقاعس سيترك لأبنائنا العبء الهائل لاقتصاد مدمّر".

وأضاف "هل نريد أن نكون على مستوى هذا التحدي؟ إذاً لنطلق خطة كبيرة، خطة أوروبية للتعافي وإعادة الاستثمار تدعم وتنعش الاقتصاد الأوروبي كله".
يقول إريك موريس "في أوقات الأزمات، من الصعب إيجاد تضامن"، ويضيف ملخصاً النقاش على النحو التالي "هل ألمانيا أو هولندا أو النمسا أو فنلندا تقف في خط واحد مفاده بأننا سنفكر عمليا في ما هو ممكن، لأن علينا أن نكون فعالين على المديين المتوسط والطويل؟، أم أنهم يرفضون الأمر من حيث المبدأ؟".

تشاؤم كبير
ويضيف إريك موريس أنّ "موقف ألمانيا هو: ليس علينا الزج بكل أدواتنا في الوقت الحالي. علينا أن نبقي شيئاً في الاحتياط. وهذا أمر يمكن فهمه".
وأضاف: "لا يمكن القول إنه لم يتم القيام بأي مسعى"، مستشهداً بخطة الطوارئ التي أعلنها البنك المركزي الأوروبي، وتبلغ عدة مئات من مليارات اليورو، أو تعليق قواعد الانضباط المالي في ميزانيات دول الاتحاد الأوروبي.

وتقول آن لور ديلات، المستشارة العلمية في مركز "سيبي" للدراسات، "لا أرى حقاً كيف يمكننا أن نكون على حافة الهاوية أكثر من اليوم. إذا لم يكن بإمكاننا، في مواجهة وضع كهذا، في مواجهة صدمة تلقيناها من الخارج، أن نقوم برد منسق وإيجابي، فما نفع أوروبا، سوى أن توجد سوقاً كبيرة توزع المزيد من الأرباح على الشركات".

وتأمل الاقتصادية أن تقوم أصوات معارضة في هولندا وفي ألمانيا، تتمكن من "إبراز خطاب بديل مفاده أن انتبهوا، إذا تصرفنا بهذه الطريقة، فستكون نهاية أوروبا"، لكنها تبدي "تشاؤماً كبيراً" بعد قمة يوم الخميس، وتوضح "طالما ليست لدينا مؤسسة تتجاوز الحدود الوطنية قادرة على تحقيق التوافق، فلن ينجح الأمر".

وكتب المؤرخ آدم توز، والاقتصادي موريتز شولاريك، في عمود في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، "هذا الوقت بحاجة إلى التضامن الأوروبي. إذا لم تتوحد القارة الآن، فقد لا ينهض المشروع الأوروبي مرة أخرى".
ويخشى كلاهما أن تواجه إيطاليا، الدولة الأوروبية الأكثر تضرراً من تفشي فيروس كورونا، والتي تعد ديونها من الأعلى في الاتحاد الأوروبي، "كساداً اقتصادياً بالإضافة إلى كارثة إنسانية" إذا لم تحصل على دعم.

وقد يتم التوصل إلى حل وسط حول آلية الاستقرار الأوروبية، صندوق إغاثة منطقة اليورو، التي يمكن أن تتضمن قروضاً للبلدان التي تطلبها، من أجل طمأنة الأسواق.

(فرانس برس)
المساهمون