وضعت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على 50% من وظائفه على التصدير في خط نار عقوبات الرئيس دونالد ترامب بعد ظهور اختلاف كبير في وجهات النظر التجارية. وتعتمد ألمانيا في نموها الاقتصادي على الصادرات، ويعد السوق الأميركي أكبر سوق لبضائعها، حيث صدرت إلى الولايات المتحدة خلال العام الماضي حوالى 115 مليار دولار.
وفي لقاء اتسم بالتوتر الشديد، فشلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتغيير نهجه الانعزالي في السياسات التجارية التي يتبعها مع الكتل التجارية، ومن بينها الكتلة الأوروبية التي تعد ألمانيا أحد أهم أركانها. وفيما أعربت المستشارة الألمانية عن أهمية الاتفاقات التجارية للاقتصادات العالمية ومنافعها، قال ترامب إنها مضرة الاقتصاد الأميركي، وإنه سيعمل لحماية مصالح الصناعة الأميركية والقوى العاملة في بلاده.
وبدلاً من أن يكون أول لقاء للمستشارة الألمانية مع الرئيس ترامب لقاء للحوار والمشاركة تحول اللقاء إلى مواجهة، لدرجة أن ترامب رفض مصافحة ميركل في بداية المؤتمر حينما طلب منه الإعلام ذلك وطلبت منه المستشارة الألمانية.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي التي تمثلها المستشارة ميركل في هذه الزيارة بشكل غير مباشر إلى جانب تمثيل بلادها، تأمل أن تتمكن المستشارة من فتح حوار بناء على الصعيد التجاري والدعم المتبادل لمؤسسات التجارة العالمية، في وقت تواجه فيه الكتلة التهديد الروسي وصعوبات سياسية ومالية داخلية. ومن المتوقع أن ينعكس هذا اللقاء السلبي بين أكبر اقتصاد في العالم وأكبر اقتصاد في أوروبا على اجتماع وزراء المال ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين الذي سيختتم أعماله في ألمانيا.
وفي إجابته على سؤال بالمؤتمر الصحافي الذي عقد بينهما في البيت الأبيض، حول كيف يخطط لبناء صفقات تجارية جديدة مع ألمانيا، قال ترامب "الصفقات السابقة كانت مفيدة كثيراً لألمانيا مقارنة بالولايات المتحدة، وأنا أهنئهم على ذلك". ثم أضاف "أنظر إلى اتفاقياتنا التجارية مع الصين وأنظر إلى اتفاقية نافتا، في الواقع كانت هذه الاتفاقات كارثة بالنسبة لعمالنا".
وفي مقابل هذه النظرة السلبية للتعاون التجاري مع دول العالم، تحدثت المستشارة ميركل بإيجابية عن الاتفاقات التجارية لبلادها مع دول العالم في إجابتها على نفس السؤال، حيث قالت "الصناعة الألمانية وقعت مجموعة من الاتفاقات التجارية، من بينها اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية، واستفدنا من هذه الاتفاقات التي جلبت وظائف للاقتصاد الألماني".
وأضافت "يجب أن تكون هذه الروح التي توقع بها الاتفاقات التجارية". وذكرت ميركل في أعقاب المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أنها لم تجد الوقت لمناقشة تفاصيل السياسات الاقتصادية مع ترامب"، ولكن اللقاء اتسم بعدم الدفء في مجمله.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية على الرغم من التفاؤل الذي حملته المستشارة ميركل في زيارتها لواشنطن، إلا أنها وفريقها كانوا مستعدين لمواجهة الأسوأ. ووصفت الصحيفة سياسة ترامب التجارية بأنها "أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007 ... وأن ألمانيا تقف على خط النار".
ولم يخف ترامب أنه يستهدف معاقبة التجارة الألمانية على العجز التجاري الكبير لميزان تجارة بلاده معها، خاصة ألمانيا من الدول التي تزيد صادراتها لألمانيا وتقل وارداتها منها.
وفي هذا الصدد، أفادت أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية باعت في السنة الماضية منتجات بقيمة 107 مليارات يورو للولايات المتحدة الأميركية. وهذا يشكل تقريباً ضعف ما تم استيراده من الولايات المتحدة الأميركية.
ويبدو أن الطلقات التحذيرية الحمائية من واشنطن هي موجهة إلى ألمانيا، وهي عقبات تجارية مضرة بالاقتصاد الألماني الذي بلغت فيه مردودية صادراته مستوى 40% في العام الماضي. كما تشكل الولايات المتحدة الأميركية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة عشرة في المائة من مجموع الصادرات الألمانية.
من جانبه وصف موقع قناة "دويتشه فيله" اللقاء بأنه افتقر للدفء الذي عادة يربط بين بون وواشنطن في السابق.
وسعى ترامب خلال المؤتمر الصحافي إلى الدفاع عن سياساته التجارية الانعزالية من منطلق شعبوي، حيث قال إنه ليس انعزالياً - وإنما مجرد شخص يريد صفقات تجارية عادلة لبلاده، وإنه يرغب في إعادة التفاوض من أجل مصلحة مواطنيه.
وبشأن إنفاق بلاده على حلف شمال الأطلسي العسكري"الناتو"، وصف ترامب الحلفاء الأوروبيين بأنهم ينتفعون بالإنفاق الدفاعي أكثر من الولايات المتحدة.
وقال إنه أمر "ظالم جداً للولايات المتحدة.. ينبغي على هذه الدول دفع ما عليها" ومع ذلك، شكر ترامب ميركل على التزام ألمانيا بزيادة مساهمتها في حلف الناتو إلى 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن ينعكس لقاء ـ ترامب ميركل على مستويات التبادل التجاري ليس فقط بين ألمانيا وأميركا، ولكن كذلك تجاه مستويات التبادل التجاري بين أميركا وباقي دول الاتحاد الأوروبي التي مثلتها المستشارة الألمانية بشكل غير مباشر في هذا اللقاء.