التمديد لبعثة الحديدة: مهلة إضافية لمحاولة تجاوز معوقات تطبيق الاتفاق

15 يوليو 2019
انسحاب المسلحين من الحديدة سمح بتقديم أفضل للمساعدات(فرانس برس)
+ الخط -
من المتوقع أن يتبنى مجلس الأمن الدولي، اليوم الإثنين، قراراً حول اليمن يمدد لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، لمدة ستة أشهر إضافية. وكانت بريطانيا، حاملة قلم الملف اليمني في مجلس الأمن (الطرف الذي يقود النقاشات وصياغة القرارات في مجلس الأمن)، صاغت مسودة مشروع القرار حول التجديد للبعثة ووزعته على الدول الأعضاء في المجلس، من دون أن يلقى أي اعتراضات جذرية، بحسب مصادر دبلوماسية مطلعة. ويأتي نص مشروع القرار شبه مطابق للقرار 2452 مع بعض التغييرات التقنية. وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى القرارين 2451 و2452 لدعم اتفاق استوكهولم الذي تم إبرامه بين الأطراف اليمنية، برعاية الأمم المتحدة في السويد في ديسمبر/كانون الأول الماضي. 


وفي حين جاء القرار 2451، والذي تبناه مجلس الأمن بالإجماع في 21 ديسمبر، في إطار تأييد اتفاق استوكهولم، والذي ناشد كافة الأطراف احترام وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة وبشكل كامل، وفوض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تشكيل ونشر فريق مراقبة مهمته دعم وتيسير تطبيق اتفاق الحديدة، جاء القرار 2452، الذي تبناه المجلس في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، في إطار إنشاء بعثة سياسية خاصة لدعم الاتفاق.

ويأتي هذا التجديد في الوقت الذي لم يشهد فيه الوضع على الأرض أي تقدم ملموس، ليس في ما يخص اتفاق الحديدة فحسب، ولكن في ما يتعلق بالإطار الأوسع للصفقة، أي اتفاقية استوكهولم، والتي تضمنت آلية لتبادل الأسرى وتفاهمات حول مدينة تعز. كما يأتي التمديد في وقت تشهد الساحة اليمنية تطورات متسارعة لن تكون الحديدة، كما هو متوقع بمنأى عنها، لا سيما بعد إعلان الإمارات بدء انسحابها العسكري المباشر من اليمن، في وقت أجرت تغييرات على خارطة السيطرة في الساحل الغربي بتسليمها مناطقه إلى العميد طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وأخضعت كل التشكيلات العسكرية في المنطقة لقيادة طارق صالح، مع ما يعنيه هذا الأمر من إقصاء تام لأي نفوذ للشرعية اليمنية على هذه القوات. 

وقبيل يوم واحد من التمديد، شهد أمس الأحد استئنافاً لمفاوضات تنفيذ اتفاق استوكهولم بعد نحو شهرين من التوقف، من على متن سفينة  أممية في البحر الأحمر، قبالة مدينة الحديدة. وقال مصدر عسكري يمني، لوكالة "الأناضول"، مفضّلاً عدم ذكر هويته كونه غير مخول بالحديث للإعلام، إن رئيس اللجنة، كبير المراقبين الدوليين لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، لجأ إلى السفينة بعد رفض جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) استئناف المفاوضات في الحديدة، الخاضعة لسيطرتهم. وفي السياق نفسه، قال رئيس الفريق الحكومي في لجنة الانتشار اللواء صغير عزيز، إن سبب نقل اجتماعات اللجنة المشتركة إلى المياه الدولية في الحديدة، يعود "لتعنت الحوثيين، وتقييدهم لحركة رئيس اللجنة لوليسغارد". واتهم عزيز، في تغريدة له على موقع تويتر، الحوثيين بإغلاق كافة المعابر داخل مدينة الحديدة، بشكل مخالف للفقرة العاشرة من اتفاق استوكهولم.

وتحاول الأمم المتحدة النظر إلى نصف الكأس المليئة في ما يخص الحديدة وفاعلية الاتفاق. وقال نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، في حديث مع "العربي الجديد" في نيويورك، "إننا على قناعة أن بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة ساعدت بشكل كبير بتخفيض التصعيد والاقتتال. ولاحظنا منذ أسابيع طويلة أن القوات المسلحة انسحبت من الموانئ، وتمكنا من إعادة الفعاليات العادية للموانئ. وسمح لنا هذا بتقديم أفضل للمساعدات وضمان مستوى أفضل من الأمن للمدنيين الذين يعيشون في منطقة الحديدة". وأضاف حق، عن السياق الأوسع للموضوع، أن "هذا مؤشر مهم. صحيح أننا لم نتحرك بالسرعة والمستوى الذي كنا نأمل بالوصول إليه، لكن هناك وقف لإطلاق النار في منطقة الحديدة. وعموماً أدى هذا إلى خفض مستوى العنف. وما نريده أن يتوقف القتال في جميع أنحاء اليمن، وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن".

ويوكل القرار، كسابقه، لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة عدة مهام، أبرزها دعم وقيادة عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار، التي ترأسها أمانة مكونة من موظفين في الأمم المتحدة بقيادة الجنرال مايكل لوليسغارد، بغية الإشراف على وقف إطلاق النار وإعادة انتشار القوات وعمليات إزالة الألغام على نطاق المحافظة، بالإضافة إلى مراقبة مدى احترام الطرفين للاتفاق، ووقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، كما الإشراف على عملية إعادة الانتشار من مدينة وموانئ الصليف ورأس عيسى. كما يعتمد على تيسير وتنسيق الدعم المقدم من الأمم المتحدة لمساعدة الطرفين على التنفيذ التام لاتفاق استوكهولم.


ويسلط التجديد لعمل البعثة الضوء على عدة نقاط وعقبات، من بينها ما أكد عليه أكثر من مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة حول الصعوبات التي يواجهها فريق لوليسغارد على الأرض، بما فيها الظروف التي تعمل فيها البعثة وتباطؤ الحوثيين في إعطاء التأشيرات لأعضاء في فريق الأمم المتحدة، كما السماح بدخول معدات ضرورية كي تتمكن البعثة من مزاولة مهامها بالعدد والمعدات الكاملة واللازمة. وأضيف في مسودة القرار عبارة "التنفيذ الكامل"، في إشارة للتحديات التي تواجه التطبيق. وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد أشار إليها في تقريره الأخير حول عمل البعثة. ويطلب مشروع القرار من الأمين العام أن يقدم تقريراً جديداً حول عمل البعثة خلال ثلاثة أشهر من صدوره.

ويأتي التمديد ليسلط الضوء مجدداً على مدى تنفيذ والتزام الأطراف باتفاق استوكهولم منذ أن تم الإعلان عنه في ديسمبر الماضي. وشكل ذلك الإعلان، برعاية الأمم المتحدة، اختراقاً طال انتظاره، بعد التعثر الذي شهدته مشاورات الكويت قبل نحو ثلاثة أعوام. وعلى الرغم من الخروق التي يشهدها الاتفاق، إلا أن أهم ما حققه هو وقف العمليات العسكرية من دون أن يتحرك لتحقيق ما هو أبعد من ذلك، أو أن يتم تعميمه على كافة أنحاء اليمن كما كان يأمل البعض لوقف معاناة اليمنيين بشكل كامل. واضطرت الأمم المتحدة، بقيادة لوليسغارد، إلى تقسيم الجزء التنفيذي إلى عدة مراحل، لكن حتى تلك المراحل المتعلقة بإعادة الانتشار ما زالت متعثرة في التنفيذ.

ولا شك أن وقف إطلاق النار الذي تشهده الحديدة، وإن كان نسبياً، ساعد في تجنب معارك إضافية للسيطرة على المدينة والموانئ، وبالتالي تفاقم الأزمة الإنسانية. لكن أصوات المعارك التي انخفضت في الحديدة ازدادت حدتها في مناطق أخرى من اليمن. وهذا ما كان قد أشار إليه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، الذي قال، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن قبل أسابيع، "نرحب بانخفاض العنف في مناطق كالحديدة بعد اتفاقية استوكهولم، لكن في المقابل فإن القتال مُستمر بل ازدادت حدته في أماكن أخرى. هناك أكثر من 30 جبهة قتال في اليمن. وتشير تقارير منظمات غير حكومية إلى زيادة في حدة الاقتتال منذ العام 2016، بل إن الوضع يزداد عنفاً وسوءً". وأشار إلى تقارير منظمات مراقبة دولية مستقلة تقدر مقتل قرابة 70 ألف يمني منذ 2016. وكان لوكوك لفت الانتباه إلى أنه ومنذ بدء حرب التحالف، بقيادة السعودية، على اليمن لم يُجنِ أي طرف من الأطراف المتحاربة سيطرة أوسع، ولم يحدث تغيير ملموس فيما يخص المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. في إشارة ليس فقط لوحشية الحرب، بل لعدم مقدرة أي طرف على تحقيق انتصارات.

والخاسر الأكبر هو اليمن وأهله الذين يعيشون معاناة ازدادت منذ بدء هجمات التحالف، وازداد معها عدد القتلى وعدد اليمنيين الذين يعيشون على حافة المجاعة، ناهيك عن انتشار الكوليرا. ويحتاج اليوم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، نحو 24 مليون يمني، أي نحو 80 في المائة من سكان اليمن، لمساعدات إنسانية وحماية، بينهم أكثر من 10 ملايين يعتمدون على المساعدات الغذائية للاستمرار في العيش. يأتي كل ذلك في ظل تواصل تدمير البنية التحتية والمستشفيات والمدارس. ويضاف إلى تلك الأرقام المخيفة عدم مقدرة ملايين الأطفال اليمنيين من الذهاب إلى المدارس، وتشرد قرابة 3.5 ملايين شخص داخل بلادهم، وتعليق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة لأغلب عملياته في صنعاء، وذلك بسبب استمرار تحويل (سرقة) تلك الأغذية من اليمنيين الذين هم بأشد الحاجة إليها. ومع استمرار الحرب في اليمن وسقوط القتلى وتجويع اليمنيين يزداد الضغط والانتقادات للدول، التي تغذي الصراع، عبر مواصلة تصدير الأسلحة إلى اليمن. وقد يكون جزءاً من الحل لوقف الحرب ضغطُ شعوب تلك الدول على حكوماتها لوقف تصدير الأسلحة لأطراف النزاع، كما حدث مع ألمانيا التي أوقفت بيع الأسلحة للسعودية. وإلى حينه، لا يبدو أن المجتمع الدولي جدّي بالضغط على الأطراف لوقف الاقتتال ووقف معاناة اليمنيين وسفك دمائهم.