"لا أريد أن أكون رقماً في مسلسل ضحايا القنابل والمفرقعات". بهذه العبارة يبدأ الموظف، عادل محمد سعد، كلامه، خوفاً من تعرّضه أو أحد أفراد أسرته لانفجار أو هجمات متكررة، باتت تؤرق أهالي محافظة الإسكندرية، شمال مصر، وتحدّ من حريتهم وتحركاتهم في مناطق المدينة كافة.
لا تختلف حال محمد كثيراً عن أحوال غيره من القاطنين في منطقة الورديان، غرب الإسكندرية، والذين يصابون بالرعب، كلما سمعوا أنباء عن حدوث تفجير أو شاهدوا الكمائن والتعزيزات الأمنية المنتشرة في شوارع المدينة، تحسباً لاعتداء آخر سيحدث، ظنّا منهم أنهم سيكونون الضحايا اللاحقين. يحدث ذلك كلّه في ظل عجز الأجهزة المعنية والمسؤولين عن تفسير أو وقف تلك الاعتداءات التي تمنع الكثيرين من الخروج.
خلال الفترة الماضية، احتلت المدينة الساحلية الإسكندرية مرتبة متقدمة في عدد التفجيرات التي استهدفت منشآت للشرطة وأماكن حيوية، مقارنة بأخرى، وقعت في عدد من محافظات الجمهورية، وتحولت إلى خبر دائم في كل وسائل الإعلام أو على شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي السياق ذاته، تندرج تفجيرات مناطق شرق وغرب المدينة الساحلية، مطلع الأسبوع، والتي أسفر بعضها عن سقوط ضحايا ومصابين، بينهم رجال من الشرطة والجيش، إلى جانب أضرار مادية في السيارات والمباني. ولقي شخص مصرعه وأصيب اثنان آخران إثر انفجار قنبلة بدائية الصنع، يوم الثلاثاء الماضي، استهدفت كميناً أمنيّاً في منطقة الكيلو 21 غرب الإسكندرية. كما أضرم مجهولون النيران، للمرة الثالثة، في إحدى عربات الترام في منطقة الورديان، غرب الإسكندرية، بعد حادثين مشابهين، الشهر الماضي، في منطقتي القباري والحضرة، مما أسفر عن احتراقه بالكامل وتوقف حركة المرور والمواصلات من وإلى المنطقة، بدون وقوع إصابات بعدما فرّ الركاب مذعورين، خشية أن تطالهم ألسنة اللهب المتصاعد.
وفي موازاة انفجار، قنبلة بدائيّة الصنع، مساء الاثنين الماضي، أمام نادي قضاة الإسكندرية في منطقة بواكلي، شرق المدينة، تسببت في أضرار مادية، فككت قوات الأمن وخبراء المفرقعات، أول من أمس، قنبلتين بدائيتي الصنع، وضع مجهولون إحداها في جوار حدائق المنتزه وثانية في شارع جمال عبد الناصر الرئيسي في منطقة العصافرة، شرق الإسكندرية.
وفي واقعة مشابهة، أيضاً، أبطلت قوات الأمن مفعول قنبلتين، وضعت إحداهما في جوار مكتب بريد برج العرب، وأخرى بالقرب من حي الجمرك، فيما سيطرت قوات الحماية المدنية على حريق نشب في مكتب بريد الهانوفيل غرب الإسكندرية، بعد إلقاء مجهولين زجاجات مولوتوف عليه.
وتنعكس محاولات التخريب المتكررة هذه على الواقع المعيشي. ويقول الحاج أشرف عبد الرحمن، وهو صاحب محل مستحضرات تجميل في غرب الإسكندرية، إنّ استمرار التفجيرات التي تشهدها الميادين العامة والشوارع في المدينة، أدى إلى تراجع ملحوظ في الإقبال على شراء السلع أو طلب الخدمات، الأمر الذي أصاب السوق بحالة من الكساد الدائم، بعدما أجبرت الكثير من الأسر وخصوصاً السيدات وربات المنازل على التقليل قدر الإمكان من تحركاتهن في الشارع".
وتؤكّد الحاجة سامية خيري، صاحبة محل "أنتيكات" في المنطقة ذاتها، وجود حالة من الاستياء بسبب التفجيرات المتتالية، التي انعكست سلباً على غالبية الأسواق ومراكز التسوق، من أطعمة وأغذية وحتى الأجهزة الكهربائية والملابس والسيارات والعقارات والأثاث وكل شيء. وتسببت في إحجام الكثير عن ارتيادها إلا لشراء المستلزمات الضرورية.
وفي الإطار ذاته، تقول المدرّسة سامية رزق الله: "لو كان لديّ مصدر رزق آخر أو فرصة للسفر خارج البلاد، لما خرجت من بيتي أو تردّدت في الهجرة حتى تنتهي الحالة العبثية الغريبة التي تسيطر على حياتنا منذ الانقلاب العسكري حتى الآن". وتشير إلى أنّه "رغم عدم انتمائي لأي فصيل سياسي أو تأييدي أو معارضتي للسلطات الحالية أو السابقة، لكنني أشعر وكأنني أعيش في سورية أو العراق أو ليبيا وليس في مصر".
تتحدّث رزق الله عن حالة الرعب التي تصيبها وزميلاتها مع اقتراب الفصل الدراسي الثاني في الجامعات والمدارس "بسبب التفجيرات التي نراها بأعيننا ونسمع عنها في أحيان أخرى، ولا نعلم لماذا لا تتمكن الشرطة والأجهزة الأمنية من السيطرة عليها، على الرغم من نصبهم كمائن ولجاناً أمنية ومرورية كثيرة، وتعطيلها الطرق والمارة وتفتيشها السيارات أكثر من مرة على الطريق الواحد"، على حدّ تعبيرها.
وتطرح رزق الله جملة تساؤلات في هذا السياق: "إذا كان العجز عن حماية المواطنين سيستمر بهذا الشكل، فماذا علينا أن نفعل، هل نترك وظائفنا ويتخلى أبناؤنا عن الدراسة والتعليم، ونحتمي جميعاً داخل بيوتنا حتى يتسنّى لنا الحفاظ على أنفسنا من التفجيرات والقنابل؟".
من جهته، يذهب خميس عوض، وهو حارس أحد العقارات في منطقة الإبراهيمية، إلى القول إنّ "أنباء التفجيرات والقنابل والأجسام الغريبة، زادت بشكل مبالغ فيه، إلى درجة قللت من أهميتها، وجعلت الأهالي لا يصدقونها ولا يعيرونها اهتماماً". ويتّهم بعض الأجهزة الأمنية ببثها "بغرض زرع المزيد من الخوف داخل نفوس المصريين، باعتبارها حجّة لمواجهة ومكافحة الإرهاب المزعوم الذي يعتبر المورد الوحيد للشرعية التي يبتغيها نظام الانقلاب الحالي".
ويعرب الطالب في كلية الهندسة، محمود المصري، عن مخاوفه على حياته ومن حوله، ليس بفعل التفجيرات فحسب، ولكن من حالة التوتر التي يعيشها الجميع في ظل تغوّل الجيش والشرطة في الحياة السياسية على حساب مهمتهم الأساسية التي فشلوا فيها بامتياز". ويتساءل: "كيف يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة، الشهر المقبل، على الرغم من التفجيرات اليومية التي نعيشها في الشارع المصري واستهداف رجال الأمن من ضباط وعساكر، وكيف يأمن أي مرشح أو ناخب على المشاركة في هذه الأجواء"؟.
ويشدّد على أنّ "احتقان الشارع يزداد دون وعي، والجميع أصبح متهماً من الجميع في ظلّ عدم وجود أو وجود دولة القانون أو المؤسسات التي كنا نتمناها بعد ثورة 25 يناير المجيدة والتي لم يتبق منها سوى أسماء الشهداء وأعدادهم.
وتترقب الغالبية العظمى من الأهالي ما سيؤول إليه الوضع، بقلق بالغ مع كثرة الأخبار والروايات حول أسباب تصاعد الاعتداءات، والتضارب حول الجهة المسؤولة عنها. وفي وقت تطال فيه الاتهامات الجماعات والتيارات الإسلاميّة، باعتبار أنّهم يردون على استهدافهم وتعذيبهم من أجهزة الأمن وللثأر من الممارسات القمعيّة التي مورست ضدهم وذويهم داخل المعتقلات وخارجها، يذهب البعض منهم إلى اتهام النظام الحاكم بافتعال أزمة جديدة من أجل تمرير الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد.