التعليم والتنمية المستدامة

12 نوفمبر 2015
13 مليون طفل غادروا المدرسة في بلدان الربيع العربي(الأناضول)
+ الخط -
تقول إحصائيات أصدرتها حديثاً منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن عدد الأطفال الذين غادروا المدارس في بلدان الربيع العربي تجاوز 13 مليونا. وبمعنى آخر، فإن هذا العدد الكبير مرشح للتسكع في الشوارع، مضيفاً أرقاماً مذهلة إلى صفوف البطالة والفقر والاقتصادات غير الرسمية في الوطن العربي.
وإذا أضفنا إلى هؤلاء ملايين الشباب ما بين 17 و19 سنة ممن لا ينجحون في امتحانات الشهادة الثانوية، ولا يقدرون على إكمال دراساتهم العليا، سواء في كليات متوسطة أو تقنية أو جامعية، فإن عدد الشباب والأطفال المرشحين للبطالة في الوطن العربي قد يفوق الآن 30 مليوناً.
ونظرة سريعة على أعداد من يتلقون تعليماً متوسطاً، أو جامعياً، في تخصصات لا توفر لها الأسواق العربية فرص عمل، فإن العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل، بعد التخرج من مستويات فوق الثانوية العامة، ربما يرتفع الرقم إلى 35-40 مليوناً. وبنظرة نحو المستقبل، تتوقع معظم الدول العربية أن تصل إلى فرصتها السكانية في السنوات 2028-2030، حيث يبلغ عدد السكان في سن العمل حوالى 70% من السكان، مقابل 60% في الوقت الراهن. ولذلك، فإن أعداد المرشحين للبطالة قد يتجاوز مع التراكم السنوي إلى أكثر من 60 مليون شاب.
ولو تذكّرنا أعداد الشباب والشابات من ذوي الإعاقة، نتيجة لنقص الرعاية الصحية، أو بسب الزواج المتكرر من الأقارب، أو بسبب الحروب والفتن والإرهاب، فإن العدد ربما يرتفع إلى أكثر من 70 مليونا في سنوات الفرصة السكانية. ولا ننسى في غمرة الحديث عن هؤلاء أن نتذكر أن نسبة البطالة حالياً في الوطن العربي تصل إلى حوالى 20% من أصل حوالي 125 مليونا يشكلون مجموع القوى العاملة في الوطن العربي. وهكذا، فإن عدد العاطلين عن العمل خلال 15 سنة لن يقل عن 95 مليون شخص، معظمهم من الشباب.
تعلمنا من دروس السنوات الخمس الأخيرة أن مشكلة مستعصية كهذه في الوطن العربي لا تبقى حبيسة الحدود الوطنية، بل تتجاوزها إلى دول الجوار، ومن ثم إلى أقاليم أخرى قريبة هنا في العالم. ولذلك، لم يعد هم أي دولة عربية محصوراً في تدبير وظائف منتجة لأبنائها وبناتها، بل إنها تراقب بعينٍ يقظةٍ ما يجري في الدول المجاورة لها. والدول التي تعاني من البطالة والفقر قادرة على تصدير مشكلاتها إلى الآخرين، ما يؤكد المقولة الدارجة في مصر "خلي بالك من جيرانك".

تابعت تقارير صدرت عن مؤتمر التعليم في الدوحة، بحضور الشيخة موزة بنت ناصر المسند، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، وسيدة البيت الأبيض الأولى، ميشيل أوباما.
وقد ركز المؤتمر على قضيتين مهمتين: إلغاء التفرقة بين الجنسين الذكر والأنثى في التعليم والتوظيف والرواتب. وإدخال المعرفة والحوسبة إلى المناهج التعليمية حتى تُعمم على جميع الطلبة، وليس على أبناء الموسرين فقط.
إذن، القضايا الأساسية ازدواجية على أساس الجندر، وعلى أساس القدرة المالية. ويقوم المنطق الداعي إلى إلغاء هذه الازدواجية، على اعتبارات مهمة، ففي المقام الأول، يوسع تعليم البنات، وإدماجهن في سوق العمل على أسس متكافئة، السوق، ويكبرها، ويتيح المجال لإيجاد فرص عمل أكبر وأوسع حتى للذكور. ويتناقض هذا الموقف مع الفكرة السائدة أن العلاقة بين فرص عمل الأولاد وعمل البنات تقوم على معادلة الصفر.
وبمعنى آخر، تقلل زيادة فرص العمل للإناث من فرص العمل للذكور، لكن مؤتمر الدوحة، وإن لم يقلها مباشرة، يفترض في المستقبل أن العلاقة بين إيجاد فرص عمل للبنات يعزز إيجاد فرص العمل للذكور.
النقطة الثانية ذات الأهمية، أن استخدام التكنولوجيا والحوسبة وإدخالهما إلى المناهج لكل الطلاب والطالبات في المدارس يرفع من الإنتاجية وفرص العمل.
وفي محاضرة له قبل حوالى عشرين عاماً، أكد البروفسور الباكستاني محمد عبدالسلام، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، أن توسيع قاعدة المتعاملين مع التكنولوجيا يمكّن من الوصول إلى مستويات أعلى منها. وهذه حقيقة أثبتتها دراسات كثيرة في هذا المجال.
ولذلك، فإن المبادئ الأساسية التي قام عليها المؤتمر التعليمي في الدوحة، الأسبوع الماضي، صحيحة، لكنها تفترض مدى متوسطاً، وليس في المدى القصير، والفرق أن الأول يفترض بقاء الأشياء على حالها من دون تغيير يُذكر، ما يتيح مرونة قليلة في المتغيرات الأساسية. أما في المتوسط والطويل، فالأساسيات والمتغيرات مرشحة للتطور والانتقال من حالة إلى أخرى، ما يفسح المجال أمام المخطط، لكي يحدث النقلة النوعية التي يريدها.
أمام الوطن العربي في الوقت الراهن فرصة كبيرة لكي يطور إمكاناته، ويستفيد من الفرصة السكانية، حين يصل معظم سكانه (70%) إلى سن العمل بين الخامسة عشرة والخامسة والستين.
وقد استفادت دول كثيرة قبلنا من هذه الفرص، وحققت لنفسها تقدماً كبيراً. ومن هذه الدول، كوريا، الصين، تركيا، ماليزيا، والبرازيل. والآن، نرى الهند وإندونيسيا تفعلان الشيء نفسه.
ففي زمن الفرصة السكانية، تكون كلف الإنتاج والبناء والإعمار منافسة بسبب وفرة العمل. وإذا امتزج هذا الواقع مع القدرة على استخدام التكنولوجيا والمعرفة، بدرجات متفاوتة في جميع مراحل الإنتاج السلعي والخدمي، تكون الدول قادرة على المنافسة والتصدير في الأسواق العالمية، ما يمكّنها من إيجاد فرص عمل.
ولا تستطيع دولة عربية وحدها إنجاز هذا التحدي، وإن استطاعت، فإنها لا تستطيع أن تعيش داخل شرنقة، بل إنها مطالبة بأن تتعاون مع جيرانها.

اقرأ أيضا: ميشيل أوباما من الدوحة:62 مليون فتاة عالمياً خارج المدرسة
دلالات
المساهمون