التصعيد التركي الإسرائيلي: هل يحطّم قواعد اللعبة؟

12 ديسمبر 2017
تنافست نخب اليمين الإسرائيلي في مهاجمة أردوغان (فرانس برس)
+ الخط -
تحمل الحرب الكلامية التي تفجّرت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، في طياتها طاقة كامنة لتهديد مستقبل العلاقة بين الجانبين. وهي العلاقة التي تم تطبيعها مجدداً قبل عام في أعقاب اعتذار تل أبيب عن مهاجمة الجيش الإسرائيلي سفينة "مافي مرمرة"، التي كانت ضمن "أسطول الحرية"، الذي توجه أواخر مايو/ أيار 2010 إلى قطاع غزة، وتقديمها تعويضات لعوائل نشطاء السلام الأتراك الذين قتلوا في المداهمة.

وهدّد أردوغان بقطع العلاقة بإسرائيل في حال ساهم قرار ترامب بالمس بالمكانة السياسية والدينية للقدس، علاوة على أنه اعتبر أن القمع الوحشي الذي تستخدمه إسرائيل في التعاطي مع الاحتجاجات الجماهيرية الفلسطينية على القرار، دليل على أنها "دولة إرهاب تقتل الأطفال"، مشدداً على أن تركيا لن تدع إسرائيل "تنفرد بالقدس". وفي المقابل، استغل نتنياهو المؤتمر الصحافي الذي عقده، الأحد، في باريس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهاجم أردوغان بشدة، قائلاً: "ليس بوسع أردوغان أن يقدّم لنا العظات، هذا الإنسان الذي يفجر القرى الكردية في تركيا ويلقي الصحافيين في السجون، ويساعد إيران على الإفلات من العقوبات الدولية ويساعد الإرهابيين في غزة على مهاجمة المدنيين العزّل. عليه أن يلقي عظاته في مكان آخر".


وقد تنافست نخب اليمين الإسرائيلي في مهاجمة أردوغان والدعوة إلى المبادرة بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية فوراً مع أنقرة. فقد كتب وزير الداخلية الإسرائيلي السابق الليكودي جدعون ساعر، الأحد، على حسابه على "تويتر": "لقد قلت إن الاتفاق الذي أجبرنا على تقديم الاعتذار لتركيا والتعويضات كان خطأً، فالعلاقات مع تركيا لن تتطوّر طالما ظلّ أردوغان رئيساً، وصفقة الغاز مع أنقرة ستنفجر". وقد أيد بوآز هندل، المدير السابق لديوان نتنياهو، في تغريدة مماثلة ما كتبه ساعر، في حين دعا المعلّق اليميني يعكوف إحمئير في مقال نشرته "يسرائيل هيوم"، الأحد، إلى المبادرة لقطع العلاقات مع تركيا على اعتبار أن أردوغان "مصرّ فقط على المسّ بمصالح إسرائيل".

لكن الحرب الكلامية بين أردوغان ونتنياهو تمثّل فقط طرف جبل الجليد، الذي يخفي وراءه بيئة تدفع نحو توتير العلاقة بين الجانبين. فمما يجعل إسرائيل تبدي حساسية كبيرة تحديداً إزاء مواقف أردوغان بشأن القدس، حقيقة أن تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن أنقرة تتدخّل عملياً من أجل تكريس بيئة تضمن تواصل تسليط الضوء على القدس لتبقى في بؤرة الاهتمام العربي والإسلامي والعالمي. وفي تحقيق نشرته أخيراً صحيفة "يسرائيل هيوم"، عدّدت محافل أمنية إسرائيلية أنماط السلوك الذي وصفته بـ"المشبوه" الذي تقوم به تركيا في القدس، وضمنه تقديم دعم مادي للجهات الفلسطينية التي تتولّى التصدي لحملات المداهمة التي يتعرّض لها الأقصى، ناهيك عن مزاعم هذه المحافل بأن عدداً كبيراً من الأتراك الذين يصلون للقدس بهدف السياحة الدينية قد شاركوا في المواجهات التي اندلعت خلال هبة الأقصى الأخيرة.

في الوقت ذاته، فإن المحافل الرسمية الإسرائيلية تعبّر عن قلقها الشديد من مجاهرة الحكومة التركية بعلاقاتها مع قيادة الحركة الإسلامية في الداخل التي يقودها الشيخ رائد صلاح، والذي تحمّله تل أبيب المسؤولية عن لعب الدور الأبرز في التحريض عليها من خلال إبراز تهديدات إسرائيل للمسجد الأقصى. وقد احتجّت وزيرة القضاء الإسرائيلي إياليت شاكيد لدى السفارة التركية في تل أبيب على دعوتها للشيخ صلاح لحضور حفل إفطار نظمته السفارة في رمضان الماضي.

كذلك، فإن إسرائيل تبدي قلقاً من إقدام تركيا على تمويل مشاريع تهدف للحفاظ على الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة. ومما يزيد الأمور تعقيداً، حقيقة أن دوائر صنع القرار في تل أبيب قلقة من طابع العلاقة بين تركيا وحركة "حماس"، وزعمها بأن مشاريع إعادة الإعمار التي تموّلها أنقرة في قطاع غزة "تهدف إلى تعزيز مكانة حماس". ومما يقلّص من قيمة العلاقة مع تركيا لدى تل أبيب حقيقة أن كل المؤشرات تدلّ على عدم التقاء المصالح الإقليمية لكل من أنقرة وتل أبيب، لا سيما في سورية والعلاقة مع إيران والأكراد.

لكن ومع كل ما تقدّم، فإنه لا يوجد ما يدلّ على أن كلاً من تركيا وإسرائيل تتجهان لتحطيم قواعد اللعبة وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. فتركيا تعي أن قطع العلاقات مع إسرائيل سيجعلها غير قادرة على التأثير في الساحة الفلسطينية، سواء في القدس أو قطاع غزة. وفي المقابل، فإن لإسرائيل مصلحة واضحة في احتواء التوتر، على اعتبار أنها تراهن على تنفيذ صفقة تصدير الغاز لتركيا، التي تمّ التوصّل إليها قبل أشهر عدة. فعلى الرغم من أن إسرائيل قد وقعت الأسبوع الماضي مع كل من إيطاليا وقبرص واليونان على اتفاق يقضي ببناء أنبوب ينقل الغاز "الإسرائيلي" إلى إيطاليا ويمرّ بالمياه الاقتصادية لكل من قبرص واليونان، ليضخ الغاز بعد ذلك إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي، إلّا أنّ هذا المشروع سينجز عام 2025، ناهيك عن أن هناك تحديات كبيرة تواجهه، لا سيما في مجال التمويل، إذ إن كلفة هذا المشروع تصل إلى 25 مليار دولار، وهي تبلغ أضعاف كلفة نقل الغاز لتركيا. من هنا، فإنه في حال تراجعت حدّة الاحتجاجات الجماهيرية ضد قرار ترامب وتقلّصت معها حدّة القمع الإسرائيلي، فإنه يمكن أن يقتنع أردوغان ونتنياهو بوقف التصعيد.