الترانسفير السوري في خدمة النظام... هجرة ما بعد اللجوء

08 سبتمبر 2015
لاجئون سوريون يفترشون محطة قطار في اليونان (توماس كامبو/Getty)
+ الخط -
يواصل السوريون التدفق، يومياً، إلى مدن إزمير وبودروم ومرمريس التركية الساحلية، التي تطل على بحر إيجة، الفاصل بين الساحل التركي والجزر اليونانية. يتوجّه السوريون بالمئات عبر باصات النقل العاملة بين المناطق التركية إلى هذه المدن تحديداً، التي باتت قبلة اللاجئين الذين دفعتهم ظروف الحرب في سورية وظروف الإقامة في تركيا، إلى الرغبة في الهجرة نحو أوروبا، وإن كلّفهم الثمن حياتهم. هكذا، يصبح ما يشهده العالم اليوم هجرة جماعية لا لجوءاً بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، بما أن السواد الأعظم من ركاب البحر من السوريين حالياً، من من اللاجئين إلى تركيا أصلاً، ولا يأتون مباشرة من المناطق السورية. أمّا الأخطر في الموجة الأخيرة من اللجوء ــ الهجرة، خصوصاً في ما يتعلق بالسوريين، فيختصره مراقبون وأكاديميون بأنه "ترانسفير" جماعي من شأنه أن يغيّر التركيبة الديمغرافية السورية، بما أن طبيعة الهجرة واللجوء الحاليين، تفيد بأن الغالبية الساحقة من هؤلاء قد لا يعودون إلى سورية، حتى بعد توقف الحرب. وضع يعتبر كثيرون أنه يفيد النظام السوري مباشرة، الذي لم يعد حديثه عن مناطق مهمة وأخرى أقل أهمية، مجرد همس، بل سياسة رسمية يعبر عنها رئيسه بشار الأسد بشكل علني، وسلوك إبادة مناطق كاملة من التي يئس بإمكانية استرجاعها لتكون في حدود ما يسميه "سورية المفيدة" التي يعتبرها أولوية له، من الساحل إلى حدوده مع لبنان جنوباً، مروراً طبعاً بدمشق.

وكانت الحكومة التركية قد أقفلت المعبريْن الرسميّيْن اللذين يصلان مناطق سيطرة المعارضة السورية في حلب وإدلب بالأراضي التركية، منذ شهر مارس/آذار الماضي. كما قام حرس الحدود الأتراك، بتشديد إجراءاته الأمنية، لمنع دخول النازحين السوريين وإيقاف عمليات التهريب التي نشطت في مطلع العام الحالي، على الحدود السورية ــ التركية. وليس هذا فقط، فقد وصل الأمر، إلى إطلاق حرس الحدود الرصاص الحي، بشكل مباشر، على كل من يحاول عبور الحدود. ووثّق ناشطون محليون مقتل العديد من النازحين أثناء محاولتهم العبور، خصوصاً، أولئك الذين حاولوا العبور من منطقتي حوار كلّس القريبة من أعزاز وأورم الجوز في ريف إدلب.

وبدأت الحكومة التركية في 13 أغسطس/آب الماضي، ببناء جدار إسمنتي فاصل بين الأراضي التركية والأراضي السورية على الحدود المقابلة لمحافظة إدلب. اقتربت الحكومة التركية من إنهاء بناء الجدار الذي بلغ طوله أكثر من ثمانية كيلومترات في المنطقة الفاصلة بين بلدة أطمة في ريف إدلب ومدينة الريحانية التركية. لم يمنع كل ذلك، السوريين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا من دخول تركيا، على الرغم من صعوبة الأمر، إذ لم يبق لهم سوى منافذ قليلة، يمكن من خلالها دخول تركيا.

ويوضح الناشط، أيهم المعرواي لـ"العربي الجديد"، أنّ النازحين من مناطق سيطرة المعارضة السورية في حلب وإدلب وأريافها، لم يبق لهم سوى نقاط تهريب قليلة يمكن لهم من خلالها الدخول إلى تركيا. وتتركز هذه النقاط قرب منطقة الناجية في ريف اللاذقية الشمالي، الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة المسلّحة، وقرب منطقة أورم الجوز في ريف إدلب الشمالي، وقرب منطقة عفرين التي تسيطر عليها قوات "حماية الشعب" الكردية، شمال غرب حلب. ويشير المعراوي إلى أنّ عدد السوريين الذين يدخلون الأراضي التركية تراجع في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى العشرات، بعدما كانوا يتوافدون بالمئات، بسبب الإجراءات التركية الأخيرة.

كما يتدفق العشرات من أبناء المناطق ذات الغالبية الكردية، التي تسيطر عليها وحدات "حماية الشعب" الكردية إلى تركيا، ليعبروا البحر قاصدين أوروبا، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها، وفرض القوات الكردية التجنيد الإجباري على الشبان في هذه المناطق. أما السوريون الراغبون في الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا من أبناء المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، فبات يتعيّن عليهم الذهاب إلى لبنان، ومن ثمّ التوجه منه إلى تركيا جواً أو عبر سفن تعمل بين السواحل اللبنانية والتركية. ويبقى هذا الخيار متاحاً أمامهم، لعدم إلغاء الحكومة التركية، لغاية اليوم، الاتفاق السوري ــ التركي الذي يقضي بدخول مواطني الدولتين بشكل متبادل من دون تأشيرة دخول.

اقرأ أيضاً: موسم الهجرة.. سوريّون يعبرون تركيا إلى أوروبا

ويقيم في تركيا أكثر من مليون وثماني مائة ألف سوري، ويعيش أقل من ثلاث مائة ألف منهم في مخيمات أقامتها الحكومة التركية في محافظات ماردين وأورفا وغازي عنتاب وكيلس وهاتاي التركية المقابلة للحدود السورية. ويتوزّع الباقون في المدن التركية بين السكان. وقد افتتح نسبة منهم، أعمالاً خاصة لهم، من محال تجارية ومطاعم وغيرها، مع تغاضي معظم البلديات التركية عن عمل كثير من هذه المشاريع الصغيرة من دون تراخيص.

وعلى الرغم من المآسي التي يعيشها اللاجئون على معابر والحدود الأوروبية، من تنكيل وذلّ، إلّا أنّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السوريون المقيمون في المدن التركية، والتي تمثلت بانخفاض مستوى دخلهم، وعدم توفر التعليم لنسبة كبيرة من أبنائهم، ووجود صعوبات قانونية كبيرة في الحصول على إقامات رسمية، دفعت بالكثير منهم إلى التفكير بالهجرة إلى أوروبا. فما هو معلوم، أنّ حكومات دول شمال وغرب أوروبا تقدّم بحكم قوانينها، تسهيلات كبيرة تتعلق بمنح اللاجئين إقامات دائمة أو مؤقتة طويلة الأمد، بالإضافة إلى الضمان الصحي والحق في التعليم، كما تمنح اللاجئين معونات نقدية تغطي معيشتهم، ريثما يحصلون على عمل مناسب لخبراتهم وتعليمهم.

ويشرح الطبيب، محمد بدر الدين حمصي، الذي وصل إلى اليونان بحراً، منذ أيام، لـ"العربي الجديد"، أنّ ما دفعه لمغادرة مدينة إسطنبول التركية، هو عدم قدرته على العمل في مهنة الطب بسبب عدم اعتراف الحكومة التركية بشهادته الجامعية، وترخيص عمله على الرغم من محاولاته المتكررة. كما أن أبناءه باتوا في سن التعليم الجامعي، ولم يجدوا مكاناً لهم في الجامعات التركية، بسبب محدودية عدد المقاعد التي تسمح الجامعات التركية للطلاب السوريين التسجيل فيها.

هذه الأسباب وغيرها الكثير، مثل التي دفعت الطبيب حمصي وكثيرين من السوريين المقيمين في تركيا إلى اتخاذ قرار خوض مغامرة البحر، تعني أمراً واحداً عملياً، وهو إعلان طيف واسع جداً من السوريين عن يأسهم من إمكانية الحياة في سورية يوماً ما، ويأس آخر من احتمال القدرة على العيش حياة "جيدة" في الدول التي يقيمون فيها حالياً بجوار سورية، تحديداً تركيا ولبنان والأردن ومصر، بدليل أن السوريين المقيمين في الأردن ولبنان يتوجهون بشكل جماعي نحو تركيا، للانضمام إلى قوافل المهاجرين بحراً باتجاه اليونان.


اقرأ أيضاً: شبكات تهريب اللاجئين السوريين..4 طرق محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا