وقالت الصحيفة في افتتاحية لها أمس الجمعة، إنه حتى وقت قريب لم يكن يبدو ممكنا التفكير في وضع تركيا بقائمة البلدان التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات إلى جانب كل من كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا. وأضافت أن البلدين كحليفين ضمن حلف شمال الأطلسي "ناتو"، تجمعهما اتفاقية تعاون عسكري مشتركة، وتستفيد تركيا من التعاون الاستخباراتي مع الجانب الأميركي، وتحتضن أسلحة نووية أميركية بقاعدة إنجرليك الجوية، قرب الحدود مع سورية.
وقبل إعلان ترامب اتخذ البيت الأبيض قراراً بفرض عقوبات على وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، ووزير العدل عبد الحميد غل، لتردّ أنقرة على هذه العقوبات بفرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل الأميركيين.
وأدى تراجع العلاقة بين الحليفين إلى انخفاض سعر صرف الليرة التركية، وهو ما دفع الجانب التركي لاستعجال حل الأزمة ووقف النزيف الحاصل للعملة.
واعتبرت "نيويورك تايمز" أن الأزمة الحالية تتناقض كليا مع الحفاوة التي أبداها البلدان خلال اجتماع لحلف الأطلسي الشهر الماضي، حينما صافح ترامب، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي كان يعتبره أحد الرجال الأقوياء المفضلين لديه. وأضافت أن الأزمة الحالية تعد المثال الأخير الذي يجسد كيف يمكن أن تصبح العلاقات بين أنقرة وواشنطن على المحك في ظل تصاعد الخلافات بين البلدين، ما يطرح تساؤلات من قبيل: هل ما زالت تركيا حليفاً أميركياً؟
وسلّطت الصحيفة الضوء على نقاط الخلاف بين البلدين، ومنها رفض تركيا التماهي مع التصعيد الأميركي الأخير ضدّ إيران (والذي تمثل في حزمة العقوبات الثانية)، عبر وقف علاقاتها التجارية مع إيران. وتظل أبرز الملفات العالقة بين الطرفين، تطبيق خريطة الطريق حول منبج شمال سورية، ومنع بيع مقاتلات "إف 35" لتركيا، والدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية، واعتقال واشنطن لمساعد مدير "هلك بنك" التركي السابق هاكان أتيلا، إضافة إلى ملف الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، والذي تتهمه تركيا بتدبير محاولة الانقلاب قبل عامين، وأخيراً أزمة اعتقال تركيا للقس الأميركي أندرو برونسون.
وتساءلت الصحيفة الأميركية عما سيتبقى من العلاقات الثنائية بين البلدين إذا تواصلت الخلافات في التصاعد، ومدى مقدرة ترامب وأردوغان على إصلاحها.
وخلصت الصحيفة إلى القول إن التحولات التي عرفتها تركيا في العقود الأخيرة تطرح السؤال عما إذا كانت قيم الإسلام تتماشى مع الديمقراطية، موضحة أنها لا تقصد الديمقراطية التي تتمظهر من خلال الانتخابات فحسب بل الديمقراطية الليبرالية التي تقوم على مبادئ المساواة وحرية الصحافة والتعبير والانتماء الديني.
من جهة أخرى، اعتبر موقع "بلومبيرغ" في مقال رأي أن العلاقات بين البلدين لن تعود لسابق عهدها، مرجحاً أنه حتى في حال تراجع حدة التوتر، فإنه سيصعب التظاهر بأن قيم البلدين متوافقة.
وبحسب المقال، فإنه توجد فقط طريقتان لإنهاء الخلاف الدبلوماسي بين تركيا والولايات المتحدة، الأولى تتمثل بالتوصل لتسوية تنقذ العلاقات بين البلدين، أو حدوث قطيعة تامة تكون نتائجها مدمرة بالنسبة للاقتصاد التركي، والمصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وأضاف المقال أن الأمور في الحالتين لن تعود إلى سابق عهدها.
وعن حاجة الولايات المتحدة إلى حليف كتركيا، أعاد المقال ما نشره الباحثان أصلي عايدينتاسباس وكمال كريشي في شهر إبريل/ نيسان 2017 في ورقة بحثية لمعهد "بروكينجز"، وجاء فيها:
"بدون تركيا، يصعب أن نرى كيف ستستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على ريادتها العالمية بهذه المنطقة، وكيف ستمكن بلورة سياسة ناجحة لاحتواء الفوضى بالشرق الأوسط. على المنوال نفسه، لا يظهر أنه توجد أي بلاد ذات غالبية مسلمة باستثناء تركيا قادرة على أن تكون جسراً مع العالم الغربي، أو تستطيع تحقيق المبادئ الديمقراطية، التي اعتاد عليها الأتراك".
من جانب آخر، لفت المقال إلى أن التحولات الحاصلة في العلاقات بين البلدين غير مرتبطة أساسا بالمصالح القومية للبلدين، بل بالفشل على مستوى القيادة.