التجميل ضد التغيير

20 أكتوبر 2014
+ الخط -
لا يتوقف صعود اليمين الفاشي في أوروبا، الذي يُطلَق عليه صفة أخلاقية وهي "المتطرف"، وهو ما يعني، حتماً، تراجعاً متواصلاً خصوصاً لليمين الناعم، أو يمين الوسط، أو للدقّة، اليمين الذي يحمل جزءاً من فاشية اليمين الصريح، أو "المتطرف"، من دون أن يتجرأ على المجاهرة بهويته كاملة، خوفاً من خسارة طيف واسع من الناخبين.

يحصل ذلك خصوصاً في فرنسا، التي تشكل المختبر الذي سيظل تحت المجهر لجميع الظواهر السياسية، كونها ببساطة، بلد السياسة. ولليمين في فرنسا أسماء وأسماء. حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" ليس سوى أحد أبناء هذه العائلة، ذلك أن الحزب الاشتراكي الحاكم، لا يقل يمينية عنه في معظم العناوين. هكذا كان تاريخياً، باستثناء ما يمكن قوله حول قضايا محددة، وفي ظروف تاريخية معينة، كمشروع الحزب السماح للأجانب بالتصويت في بعض الاستحقاقات الانتخابية المحلية، أو تأييده لحقوق المثليين وغير المتدينين.

في هذه الأيام، يسجل الحزب المذكور، درجة قياسية في غلبة التيار اليميني على قراره، على حساب التيار اليساري الذي تقوده مارتين أوبريه. صعود لا يجب أن يُحزن أحداً من أهل "اليسار الحقيقي"، الذي يُطلَق أيضاً عليه تسمية أخلاقية أخرى، هي "المتشدِّد". فكلما اتجه "اليمين الوسطي"، أو "الناعم" نحو الكشف عن وجهه أكثر، سيخسر لمصلحة "اليمين الحقيقي"، أي المتطرف، بالتالي سوف يكون الفرز أوضح بين مشروعين اثنين: يساري ويميني، بدل أن يبقى "اليمين المعتدل" يسجل النقاط لمصلحة رأس المال عن طريق أسماء حركية، ومنها أحزاب لا تزال تسمي نفسها اشتراكية وديمقراطية اجتماعية لم تعد، منذ انتهاء مشروع "الخط الثالث"، سوى تجميل للوجه القبيح لليمين المحافِظ أو حتى المتطرف.

لكي يستعيد الصراع وجهته الصحيحة، لا بد من دفع الأثمان. يصعب أن ينفضّ جمهور الناخبين، من غير أصحاب الأموال والمصالح، عن أحزاب يسارية في الاسم، ويمينية جداً في الممارسة، من دون أن يتسلم اليمين المتطرف الحكم، ليحدث ذلك الصدمة الضرورية لكل تغيير، وفق معادلة تختصرها الأدبيات الماركسية بعبارات مفادها أنه كلما كان الظلم والاستغلال أكبر، جاء التغيير أعمق. أما التجميل والتخدير، فمها يؤجلان ذاك التغيير.
المساهمون