التجارب التي برهنت على صحّة النظرية النسبية

01 يونيو 2017
(داريل بينسون)
+ الخط -




الكثيرون منّا قد سمعوا بالنظرية النسبية لآينشتاين، وقد عرفنا المعادلة الشهيرة (E=mc^2)، التي تنصّ على أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربّع سُرعة الضوء، لكنّ النظرية هذه ليست معادلات رياضية موجودة على الورق فقط، سأستعرض عليكم أبرز التجارب التي أثبتت صحّة النظرية النسبية على مدار السنين الماضية.

تحويل الكتلة (المادة) إلى طاقة
من أهم المبادئ والفرضيات التي وضعتها النظرية النسبية، هي أن المادة والطاقة متلازمتان، وأن مقدارًا صغيرًا من الكُتلة يُمكن تحويله إلى مقدار هائل من الطاقة، أدى ذلك بالطبع إلى اكتشاف الطاقة النووية، والتي تمّ إثبات فعاليتها أولًا عبر قنبلتي هيروشيما وناكازاكي.

لو ألقينا نظرة على كُتل أنوية الذرات، لاكتشفنا أن كتلتها الواقعية، أثقل من كُتلة مكوناتها، كأن تكون أنت تحمل كيسًا من الفاكهة يحتوي على كيلوغرامين من البائع، لكنك تكتشف أن الوزن هو كيلوغرامان ونصف، ولو أعدت وزن الفاكهة كلّاً على حدة وجمعتهما رياضيًا لاكتشفت وجود كيلوغرامين فقط.

هذا ما يحصل داخل أنوية الذرات، فلو جمعت كُتل البروتونات والنيوترونات (الجُسيمات التي تُشكّل النواة) لاكتشفت أن الكتلة أقل من كتلة النواة مجتمعة، يُسمى الفرق في هذه الكُتل بـ"طاقة الربط النووية" وهي الطاقة التي تربط جسيمات نواة الذرّة ببعضها وتمنعها من التنافر، هذه الطاقة هائلة جدًا، فهي أكبر من طاقة الربط الكيميائية بحوالي مليون مرة، وجرت الكثير من التجارب في شطر النواة واستخراج الطاقة من أنوية العناصر الثقيلة، كانت أولها تجربة العالم الألماني (أوتو هان) عام 1938.

دوران كوكب عطارد
لاحظ كثير من العلماء سابقًا، أن كوكب عطارد يتحرّك بسرعة أكبر من التي تنبأت بها قوانين نيوتن الكلاسيكية، كان الفارق في الحسابات ضئيلًا، لكن لم يكن من المنطقيّ تجاهله، عندها افترض كثيرون وجود كوكبٍ آخر داخل مدار عطارد أطلقوا عليه إسم (فولكان)، لكن لم يكن هناك أيّ أثر لهذا الكوكب، لذا كانت المشكلة محيّرة لفترة من الزمن.

لكن عندما وضع آينشتاين النظرية النسبية العامة، قام بحلّ هذه المُشكلة دون الحاجة إلى اللجوء لافتراض كواكب أخرى، فتم حساب الفارق البسيط في النتائج، وتفسيره عن طريق الجاذبية التي يُسيطر عليها انحناء النسيج الزمكاني، وكان لحلّ هذه المُشكلة من أبرز الأحداث التي دعت إلى قبول النسبية العامة.

نسبيّة الزمن
تباطؤ الزمن، هو اختلاف التوقيت في ساعتين مثاليتين، حيث نصّت النظرية النسبية على أنّ الزمن عند اقتراب الجسم من سُرعة الضوء يتباطأ وتدّق فيه الساعة بصورة أبطأ من التي على الأرض في سرعتها الطبيعية.

تمّ إثبات تباطؤ الزمن في مناسبات عديدة، مثل وضع ساعة في طائرة نفاثة تزيد سرعتها على سرعة الصوت عدّة مرات، وابقاء الساعة داخل الطائرة مدة من الزمن، ثم العودة إلى المطار، فيتم اكتشاف أن الساعة التي سافرت على متن الطائرة فيها تأخير بمقدار جزء ضئيل من الثانية.

كذلك روّاد الفضاء الذين يسافرون في الفضاء بسرعات خيالية قد تبلغ 29.000 كيلومتر في الساعة، فهؤلاء يمرّ عليهم الزمن أبطأ مما يمرّ على الساكنين فوق سطح الأرض، وعند عودة الرائد إلى الأرض فسيكون أصغر عمرًا ممن على الأرض، بفارق عدّة ثوانٍ، فالفارق بسيط نسبيًا لأنه لم يقترب الاقتراب الكافي من سرعة الضوء.

لكن لو كانت السرعة عالية وتقترب من سرعة الضوء بنسبة كبيرة، لوجدنا نتائج مدهشة أكبر، مثل (فرضية التوأم)، أي أنك لو أرسلت أحد التوأمين الأطفال ليسافر في الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء، وأعدته إلى الأرض بعد أن أصبح في العشرينات من العمر في الفضاء، سيتفاجأ بأن توأمه على الأرض قد أصبح عجوزًا، وأن العشرين سنة التي قضاها مسافرًا بسرعة تقترب من سرعة الضوء، كانت على الأرض أكثر بكثير من عشرين سنة، لأنه ومثلما ما اتفقنا، أن من يقترب من سرعة الضوء يتباطأ لديه الزمن بشكل ملحوظ.

سلوك الميونات
الميونات هي أجسام دون ذريّة كتلتها خفيفة جدًا وذات عمر قصير حيث أنها تفنى بعد لحظات قصيرة من ولادتها، تتكوّن هذه الميونات عند اصطدام أشعة الشمس بالغلاف الجوي، ما يُهمّنا هنا؛ أن هذه الجُسيمات تتحرك بسرعة عالية جدًا تقترب من سرعة الضوء، وحسب حسابات نيوتن الكلاسيكية، فإن هذه الميونات لن تقضي مسافات طويلة أبدًا بسبب عمر حياتها القصير، أي أنها لن تتمكّن من الوصول من الغلاف الجوي إلى سطح الأرض، لكن على العكس! حيث تم رصد كميات كبيرة من هذه الميونات فوق سطح الأرض.

وبالطبع، كان للنظرية النسبية دورٌ كبير في تفسير هذه الظاهرة، فلو دققنا، لوجدنا أن هذه الظاهرة هي خير مثال على تباطؤ الزمن، إذ أنه بسبب السرعة العالية التي تتحرّك بها هذه الجسيمات، سمح لها بأن تصل لنقطة يكون فيها الزمن بطيئًا وأبطأ من الزمن الذي يحسبه الراصد من على سطح الأرض، فحتى لو قام الراصد بالتنبؤ بعدم كفاية الوقت لوصول هذه الجسيمات إلى السطح، فإن هذه الجسيمات نفسها سيكون عندها الزمن أبطأ، وستبقى النسبية تذكرنا بأن قوانين الفيزياء الكلاسيكية لا تنطبق أبدًا على الجسيمات ذات السرعات العالية.

موجات الجاذبية
تُعد موجات الجاذبية أحدث الإثباتات على صحّة النظرية النسبية العامة، فتمّ اكتشافها بعد مرور قرابة 100 سنة على وضع آينشتاين للنسبية العامة وتنبّؤه بوجود موجات الجاذبية، كان الإثبات عن طريق رصد موجات نتجت عن تصادم ثقبين أسودين، كانا يبعدان عن كوكبنا ملياراً و300 مليون سنة ضوئية، أيّ أنهما قد اصطدما منذ مليار و300مليون سنة، ونحن رصدنا الموجات الناتجة عن هذا التصادم في عام 2016.

المساهمون