البطالة تدفع مئات الآلاف من المغاربة إلى الشوارع

05 ابريل 2015
276 ألف بائع متجول في المغرب (أرشيف/getty)
+ الخط -

"لقد أضحوا شريحة مهنية قائمة الذات" هكذا يصفهم، عبد اللطيف الخديري، الموظف الأربعيني، الساكن بزقاق "أيت يفيلمان"، بحي درب السلطان الشعبي في مدينة الدار البيضاء المغربية. كان ذلك الزقاق مشهوراً بمحلاته التجارية وسوق الخضار والأسماك، الذي يأتي إليه كل بيضاوي، لم يجد بغيته في أسواق المدن الأخرى.

لكن اليوم تغير حال ذلك الزقاق، إلى درجة تدفع عبد اللطيف إلى الحديث عن "مظاهرة يومية". لم تعد تعبر السيارات ذلك الزقاق، وبالكاد يستطيع الراجلون شق طريقهم وسط الزحام الذي لا يخف من مطلع النهار إلى مغيب الشمس. المئات من الباعة الجائلين في الزقاق الواسع وما تفرع عنه من أزقة أخرى. أضحى ذلك مشهدا عاديا هناك. يعرض أولئك الباعة جميع أنواع السلع التي يمكن تخيلها.

كان ذلك الزقاق استثناء من بين شوارع وأزقة أخرى قليلة في المدينة، معروفة بالباعة الجائلين، أما اليوم، فقد احتلوا الكثير من الأماكن العمومية، إلى درجة تصبح معها حركة السير مستحيلة. في أحد الشوارع المؤدية إلى سوق القريعة الشهير بالدار البيضاء، يعلو صياح الباعة المتجولين، يطغى على أصوات مطربي الراب والشعبي والراي المنبعثة من المحلات التجارية.
 
عندما تسأل كريم ترنون، الذي ارتجل طاولة يعرض فوقها ساعات صينية، يجيب: الباعة المتجولون في ازدياد، هذا نشاط أضحى مغرياً للكثيرين، أفضل من الوظيفة والعمل في القطاع الخاص، على الأقل في هذا السوق يمكن للشخص أن يربح 20 دولارا على الأقل في اليوم".

 هذا تقدير لا يختلف بشأنه الكثيرون في الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية التي تحتضن %10 من سكان المغرب.

وانتشر البائعة الجائلون في العديد من شوارع المدينة. لم تختص الدار البيضاء بتلك الظاهرة، بل شملت العديد من المدن. الكثير من الشباب نزح من البوادي إلى المدن، حيث يغريهم أقارب أو أصدقاء لهم، بالهجرة وتجريب نشاط البائع الجائل.

هذا حال محمد أيت لحسن الأربعيني، الذي هاجر من منطقة الأطلس الكبير إلى الدار البيضاء، قبل 15 عاماً، كي يعمل بَنّاء، لكن سرعان ما اكتشفت أن أصدقاء له يجنون، من التجارة المتجولة، أضعاف ما يدره عليه عمله، فحذا حذوهم، حيث اختار شارعا بالحي المحمدي العريق بالعاصمة الاقتصادية يبيع فيه لوازم منزلية.

في دراسة اهتمت فيها وزارة الصناعة والتجارة في عام 2011، بالباعة الجائلين، اتضح أن رقم مبيعات هذا القطاع غير الرسمي يصل إلى حوالي 4.5 مليارات دولار، حيث يتشكل من 276 ألف بائع يعيلون 1.38 مليون شخص. تلك آخر دراسة رسمية أنجزت في المغرب، حيث بدا أن ذلك النشاط يشكل حرفة بالنسبة لنحو 60% من مزاوليها.

ولاحظت الدراسة، أن ثلثي الباعة الجائلين يشكلوا سنداً مادياً لأسرهم. وتوصلت إلى أن

91% من الباعة الجائلين هم ذكور تصل أعمارهم في المتوسط إلى 41 عاماً. وتتولى 46% من النساء اللواتي يمارسن ذلك النشاط، رعاية أسرهن، رغم كون 54% منهن متزوجات. فهذا النشاط يمثل مصدر الدخل الوحيد بالنسبة لهن.
 
وانتهت الدراسة إلى أن أغلب الباعة الجائلين يعرضون منتجات غذائية وألبسة. وتصل قيمة السلع المعروضة في المتوسط إلى 280 دولارا لكل شخص، حيث يصل متوسط الربح الذي يحققه أولئك البائعون في اليوم إلى 10.40 دولارات، أي حوالي 310 دولارات في الشهر بالسعر الحالي. ذلك دخل يتجاوز الحد الأدنى للأجر المحدد في 240 دولارا. ويمارس حوالي 98% هذا النشاط دون ترخيص، فلا قانون ينظمه.

هذه مشكلة تسعى الحكومة إلى حلها، حيث تبنت مشروعاً لتوفير محلات في أسواق نموذجية للباعة الجائلين على غرار بلدان أخرى، فقد أحدث على مدى العشر سنوات الأخيرة، 114 سوقاً نموذجياً، غير أنها ظلت فارغة أو أعيد بيعها من قبل المستفيدين من بعضها.

هذا ما يدفع مصدرا مطلعا من وزارة الصناعة والتجارة إلى التأكيد في تصريح لـ "العربي الجديد" أن "الملف معقد بالنظر لكون ذلك النشاط، غير الرسمي يساعد على معالجة مشكلة البطالة وسط الأسر الفقيرة، ما يستدعي معالجته بطريقة هادئة".

وعندما تسأل كريم ترنون حول رأيه في الأسواق النموذجية، يبدي نوعاً من التردد في الجواب، فهو يخشى أن يفقد زبائنه، إذا ما غيّر مكانه الحالي. ذلك في رأيه يشكل الجزء المعنوي من أصله التجاري. عبد اللطيف الخديري يحبذ الفكرة، رغم الشكوك التي يعبر عنها حول إمكانية تنفيذها بشكل سلس وهادئ. هو يعتبر أن إحداث أسواق خاصة بالباعة الجائلين، سيعيد الأمور إلى نصابها في الفضاءات التي ارتجلت فيها أسواق حالياً.



اقرأ أيضاً:
عمّال المغرب..خلافات حول الأجور بين الاتحادات والحكومة

المساهمون