تنتشر في العاصمة الليبية طرابلس عشرات مراكز التدريب والتأهيل لخدمة الشباب الباحثين عن عمل، في انعكاس لرغبتهم في التغلب على البطالة التي يعانون منها، خصوصاً الخريجين الذين لم يتمكنوا من العمل في اختصاصاتهم
بالرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة لحجم البطالة في ليبيا، فقد أصدر صندوق النقد الدولي، تقريراً قبل أيام، حول المشاركة الاقتصادية في المغرب العربي، تضمّن حديثاً عن الأوضاع الاقتصادية في ليبيا، فأشار إلى أنّ نسبة البطالة بين الشباب بلغت 45.2 في المائة، بينما بلغت نسبتها عموماً 18.7 في المائة. تابع التقرير أنّ الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين 2013 و2017 بلغ 25.5 في المائة، فيما بلغت نسبة التضخم للفترة نفسها 15 في المائة.
في ظلّ هذه الأوضاع، وجد الشباب أنفسهم مدفوعين إلى البحث عن أعمال ووظائف مختلفة عمّا كانوا ينتظرونه من احتمالات توظيف رسمي أو فرص ابتعاث دراسية، وها هم يبادرون إلى التخلي عن اختصاصاتهم حتى والعمل في أيّ مجال ممكن.
افتتح عبد الرؤوف (26 عاماً) الذي تخرج من كلية الهندسة قبل أربع سنوات، محلاً صغيراً لتصليح الهواتف النقالة: "خضعت لدورة في مركز تدريب لمدة شهرين، وأخذت الفكرة اللازمة لفتح محلي، وها أنا سعيد بعملي هنا". يؤكد، مع ذلك، أنّ رغبته في العمل في مجال اختصاصه لم تنقطع وسيعود إليه يوماً. أما عن دوافعه فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه لا يرغب في العيش عالة على أسرته، مشيراً إلى قدرته على العمل في هذا المجال إذ كان بائعاً في محلّ هواتف، لكنّ ما كان يتقاضاه شهرياً لم يكن كافياً، فتوجه فخضع للدورة وتمكن من فتح محله الخاص.
مثله، تعلم عمران وصديقه أكرم، مهنة التمديدات الكهربائية في المنازل، من خلال دورة تدريبية. يقول أكرم: "دفعنا إلى هذا وعد من قريب لي يمتلك شركة مقاولات وبناء، بتوفير فرص عمل في المشاريع السكنية التي يعمل فيها، وهو ما تم فعلاً. يمضي الرفيقان أغلب ساعات اليوم في حفر الحوائط وتمديد أسلاك الكهرباء في شقق مبنى جديد لقريب أكرم. يلفت إلى أنّه نصح كثيراً من الشباب بتعلم المهنة: "لا نكاد ننتهي حتى نبدأ في عمل جديد" مؤكداً أنّ عوائدها ممتازة جداً بالنسبة لهما.
يتابع أكرم: "إلى متى سننتظر العمل في اختصاصنا. لقد تخرجنا من كلية الإعلام قبل سنوات، ولا أعتقد أنّ رواتب الوظائف العامة ستوفر لنا ما نتحصل عليه من عملنا الحالي". يشير إلى أنّه تمكن من جني 4 آلاف دينار (2900 دولار أميركي)، الشهر الماضي، وهو رقم يشكل ثلاثة أضعاف متوسط الراتب الحكومي للوظائف العامة.
لكنّ خليفة سويب، من إدارة التدريب والاستشارات بوزارة التخطيط في طرابلس، يعتبر أنّ توجه الشباب لتعلم هذه الحرف والمهن سيؤثر بشكل كبير على الأداء الوظيفي في الاختصاصات المطلوبة لسوق العمل، مقراً بأنّ وزارة التخطيط لا تتوفر على خطط شاملة وفاعلة لدراسة احتياجات السوق ومخرجات الجامعات. يقول سويب لـ"العربي الجديد" إنّ "الوزارة لديها مقترحات للتنسيق مع وزارة العمل والتأهيل لدراسة احتياجات سوق العمل وإمكانية إيجاد نوع من التوجيه في الجامعات لاختصاصات مطلوبة، لكنّها بقيت حبيسة الأدراج، لافتاً إلى أنّ نجاح الشباب في العمل ضمن حرف ومهن يبدو عليها الإقبال كبيراً إشارة إلى أنّ العملية التعليمية تسير في الاتجاه الخطأ. يتابع: "لو سألنا عن أسباب إنشاء كلية للموارد المائية ونحن لا نتحدث عن اختصاص في قسم بل كلية بكاملها، وعن أقسام في الجامعات للبستنة والحدائق، واختصاصات في كليات الهندسة، لوجدنا أنّها عشوائية اعتمدت من دون دراسة حقيقية لسوق العمل ومتطلباته". يؤكد أنّ الدولة ساهمت في تراكم نسب البطالة: "أين سيعمل خريجو هذه الأقسام؟ بدلاً من توجيههم نحو اختصاصات تحتاجها البلاد، فتحت لهم الدولة اختصاصات لا سوق عمل حقيقياً لها".
بحسب إفادة من وزارة العمل والتأهيل، فإنّ المراكز التدريبية المعتمدة منها وصلت إلى 1852 مركزاً، بعضها أقفل أبوابه، مع العلم أنّ أكثر من يزاول مهمة التدريب لا يتوفر على رخص رسمية. يذكر أشرف أسميع ، مدير مركز "أنا أتعلم" التدريبي لـ"العربي الجديد" أنّه يدرب في ستة اختصاصات اختارها بدقة لتناسب رغبات الشباب، مؤكداً على فتحه دورة للتدريب على جهاز مخصص لكشف الرطوبة في المباني، وأخرى لصيانة أجهزة التحكم الذاتي في السيارات، الشهر قبل الماضي، وسجل فيهما 86 متدرباً.
لا تخضع المراكز التدريبية على كثرتها وانتشارها وقدرتها على استقطاب الشباب، للرقابة الرسمية، فبعضها اتجه لاستغلال حاجة الشباب للعمل، بهدف التربح السريع. وقد أعلن عن دورات للتدريب في اختصاص التحاليل الطبية، وأخرى للصيدلة بمبلغ لا يتجاوز 400 دينار (290 دولاراً) لمدة شهرين، مع العلم أنّهما اختصاصان طبيان يتطلبان سنوات من الدراسة الجامعية.