لم تبدأ بعد الجولة الثانية من الحوار بين أكبر كيانين سياسيين في المشهد السياسي الكردي السوري، وهما "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، التي تضم عدة أحزاب وفي مقدمتها "الاتحاد الديمقراطي"، وبين أحزاب "المجلس الوطني الكردي"، المدعوم من قيادة إقليم كردستان العراق. ومن الواضح أن الطرفين يحاولان توفير بيئة سياسية مناسبة من أجل الانخراط مرة أخرى في الحوار، لا سيما أن الجولة المقبلة ستكون حاسمة لجهة العديد من الملفات الشائكة بين الطرفين، خصوصاً ملف قوات البشمركة السورية، التي تعد ذراعاً عسكرياً لـ"المجلس الوطني الكردي"، الذي يريد شراكة عسكرية مع "الاتحاد الديمقراطي" المسيطر فعلياً على منطقة شرقي نهر الفرات عن طريق "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ولديه هواجس من فتح باب الدخول أمام البشمركة إلى سورية.
ولكن من المؤكد أن المجلس يصر على السماح لقواته بالمشاركة في إدارة الملفين العسكري والأمني في الشمال الشرقي من سورية، معتمداً على دعم واشنطن، التي تدفع باتجاه تشكيل مرجعية سياسية كردية سورية واحدة، تنهي حالة الشقاق السياسي الموجود بين الأحزاب الكردية في منطقة شرقي الفرات. وقال عضو رئاسة "المجلس الوطني الكردي" سليمان أوسو، في تصريحات صحافية السبت الماضي، إن الجانب الأميركي وحزب "الاتحاد الديمقراطي" أبديا موافقة مبدئية على عودة البشمركة السورية من إقليم كردستان العراق إلى منطقة شرقي نهر الفرات، مشيراً إلى أن هذه العودة "تحتاج إلى لجان مختصة للاتفاق على التفاصيل، لأن الموضوع العسكري حساس جداً".
ومن المتوقع أن يكون موضوع دخول قوات البشمركة السورية إلى الشمال الشرقي من سورية أولوية في الجولة الثانية من الحوار الكردي-الكردي، الذي بدأ في إبريل/نيسان الماضي بدفع من الولايات المتحدة. وكانت هذه العودة تحول دون اتفاق كردي-كردي ينهي حالة التشرذم السياسي التي تعصف بالمشهد السياسي السوري الكردي. وقال عضو الهيئة الرئاسية لـ"المجلس الوطني الكردي"، والمنسق العام في "حركة الإصلاح الكردي" فيصل يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الوطني تفاهم مع أحزاب الإدارة الذاتية، وفي مقدمتها الاتحاد الديمقراطي، خلال الجولة الأولى من الحوار الكردي، على أن اتفاقية دهوك، الموقعة عام 2014، ستشكل أرضية لمفاوضاتنا". وأضاف "وهي (الاتفاقية) تتضمن بناء مرجعية سياسية والشراكة الإدارية وحماية المنطقة، وبالمناصفة، مع الأخذ بالاعتبار التطورات والمستجدات السياسية". وإذ أشار إلى أنه يجري التحضير للجولة الثانية من الحوار، فقد أكد أن "أية اتفاقية مع حزب الاتحاد الديمقراطي يجب أن تكون شاملة كل النواحي السياسية والإدارية والأمنية... ولا نرجح بنداً على آخر، لكننا لم ندخل بالتفاصيل بعد".
عودة البشمركة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات تحتاج إلى لجان مختصة للاتفاق على التفاصيل
وأوضحت مصادر كردية، لـ"العربي الجديد"، أن قوات البشمركة السورية، التي تأسست أواخر عام 2012، تضم سوريين أكرادا، إما كانوا عسكريين في جيش النظام وانشقوا عنه، أو شبانا كانوا مطلوبين للخدمة في هذا الجيش، فاختاروا الذهاب إلى إقليم كردستان العراق والتحقوا بمعسكرات البشمركة في الإقليم. وأشارت المصادر إلى أن البشمركة السورية "تتبع لقيادة الإقليم، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني"، مضيفة أن "المجلس الوطني الكردي يرتبط بعلاقات جيدة مع قيادة الإقليم، لذلك شكلياً وإعلامياً تنضوي البشمركة السورية ضمن هذا المجلس". واعتبرت المصادر أن "أي صفقة سياسية يمكن أن تتم بين المجلس الوطني الكردي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، يجب أن تتضمن عودة البشمركة، لأنه لن يكون للمجلس أي تأثير سياسي من دون ذراع عسكري، وهذا ما يثير هواجس الاتحاد الديمقراطي، الذي يريد التفرد بالقرار في الشمال الشرقي من سورية".
ولفتت المصادر إلى أن "المجلس الوطني الكردي" منضوٍ في الائتلاف الوطني السوري، لذا فإن دخول قوات البشمركة السورية يعني أن المعارضة السورية باتت شريكة في القرار في الشمال الشرقي من سورية، وهذا ما يخشاه "الاتحاد الديمقراطي". وعن عدد أعضاء البشمركة السورية، أوضحت "أنهم عدة آلاف، وربما بين سبعة وعشرة آلاف، إضافة إلى آلاف أخرى بمثابة احتياط"، مضيفة: "تضم هذه القوات ضباطاً كانوا في جيش النظام، وانشقوا عنه وتولوا تدريب العسكريين المنضوين ضمن البشمركة". ولفتت المصادر إلى أن قيادة إقليم كردستان العراق "قدمت كل الدعم للبشمركة السورية لجهة التدريب والمعسكرات، وفي المقابل رد هؤلاء الأكراد السوريون الجميل لأكراد العراق من خلال التصدي لتنظيم داعش جنباً إلى جنب مع البشمركة العراقية، التي حققت انتصاراً كبيراً على التنظيم الذي هدد إقليم كردستان بشكل مباشر".
وأشارت المصادر إلى أن البشمركة السورية ترتبط بعلاقات "جيدة" مع التحالف الدولي، الذي تولى تدريبها بعض الأوقات، وهو ما أكسبها خبرة قتالية مهمة. وقالت "كما أن للبشمركة السورية حاضناً اجتماعيا داخل سورية، لا سيما بين المكون العربي، ويعتبرون أنفسهم سوريين أولاً، ولا علاقة لهم بمشاريع تتعلق بما يسمى بكردستان كما هي عليه الوحدات الكردية التي تعد امتداداً سورياً لحزب العمال الكردستاني. ومن هنا تنبع خشية الاتحاد الديمقراطي من دخول البشمركة السورية إلى منطقة شرقي نهر الفرات".
أي صفقة سياسية يجب أن تتضمن عودة البشمركة لسورية لأنه لن يكون للمجلس الوطني الكردي تأثير سياسي من دون ذراع عسكري
في المقابل، ذكرت مصادر مطلعة على مجريات الحوار الكردي أن "الاتحاد الديمقراطي لا يعارض دخول قوات البشمركة السورية، ولكن ليس كقوة قائمة بذاتها، وإنما للاندماج ضمن قوات سورية الديمقراطية، لتصبح فصيلاً داخلها يتلقى أوامره من قيادة هذه القوات"، مضيفة أن "حزب الاتحاد لا يريد معسكرات خاصة بقوات البشمركة في منطقة شرقي نهر الفرات، وهو يحاول إقناع الجانب الأميركي بخطورة هذا الأمر على الأمن والاستقرار في المنطقة".
من جهته، أشار الباحث السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية" الكردية إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "قسد تضم عسكريين من مختلف المكونات السورية"، مضيفاً أن "هذه القوات لديها أهداف وطنية ضمن الجغرافية السورية، ويحكمها نظام داخلي وبعض العهود الدولية التي وقعت عليها". وأعرب عن اعتقاده بأنه "إذا كانت البشمركة، وأي قوة عسكرية سورية، ترى نفسها ضمن هذه الشروط والعهود وتحترم حقوق الإنسان فإنه سيكون مرحبا بها ضمن قوات قسد". وتابع أن "دخولها (قوات البشمركة السورية) سيشكل توازناً في الشمال الشرقي من البلاد، في حال أصبحت جزءاً من قسد، لكن وجود قوتين عسكريتين تحت قيادة كيانين سياسيين يمكن أن يفتح الباب أمام اقتتال داخلي في حال بروز أي خلاف بين هذين الكيانين".