14 نوفمبر 2024
البرلمان اليمني.. خواتم غير مشرّفة
في غياب شرعية وطنية، تمثل مصالح عموم اليمنيين، تحكم المشهد اليمني فوضى الشرعيات المتقاتلة. وفي إطار معركتها لتدعيم شرعيتها، نقلت صراعها أخيرا إلى المؤسسة التشريعية (البرلمان). على الرغم من إدراك معظم اليمنيين أن هذه المؤسسة العتيقة دخلت مرحلة التصدّع الأخير، وأنها لم تعد تمثلهم، لا سياسياً ولا وطنياً، فإن استفحال الصراع على مؤسسة مُقسمة سوف يؤدّي إلى تكريس معسكرات الحرب.
صراع الأطراف اليمنية لإضفاء شرعية سياسية على سلطاتها جعلها تفعّل البرلمان المقسّم، لخدمة أغراضها، ففي حين عزّزت جماعة الحوثي جهودها لاختراق مجلس النواب في العاصمة صنعاء، بغرض إعادة تشكيل التمثيل السياسي داخل المجلس لصالحها، أو على الأقل ليعكس حضورها على الأرض سلطة أمر واقع، فإنه كان من الصعب على الجماعة تجاوز فخاخ مجلس النواب، إذ كانت العقبة الرئيسية أن الجماعة لم تكن قوىً ممثلة في انتخابات 2003 التي شكلت قوام البرلمان. وعلى الرغم من محاولتها تجاوز تلك العقبة، عبر رعايتها انعقاد جلسات مجلس النواب في العاصمة صنعاء، أو بشراء ولاءات أعضاء المجلس من المشائخ والشخصيات الاجتماعية، لتبنّي رؤيتها السياسية داخل البرلمان، إلا أنها كانت تدرك أنها لا تزال فعلياً قوىً خارج أسوار البرلمان، وأن عليها، خصوصا بعد تخلصها من الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وتشظي حزب المؤتمر الشعبي العام، تجاوز سيطرة "مؤتمر صالح" على مجلس النواب في صنعاء، وتغيير النصاب ما أمكن.
بدا تغيير قوام اللجنة العليا للانتخابات التي تشكلت إبّان المرحلة الانتقالية، وتشكيل لجنة جديدة
تمثلها، هدفاً رئيساً لجماعة الحوثي، إذ مكّنها ذلك من الشروع في إجراءاتٍ أُحاديةٍ في المناطق الخاضعة لها، حيث بدأت اللجنة العليا التابعة لها، منذ مطلع العام الحالي، التجهيز لانتخابات تكميلية في الدوائر الانتخابية الشاغرة، حيث حدّدت اللجنة إجراء الانتخابات في منتصف إبريل/ نيسان الحالي، وذلك لملء المقاعد الشاغرة في مجلس النواب، بدلاً من الأعضاء المتوفين، بهدف ترفيع شخصياتٍ تمثلها إلى مجلس نواب صنعاء، لاستكمال النصاب. وفي حين أن هذه الإجراءات غير قانونية، فإنها سوف تعقد الوضع السياسي أكثر من السابق، ناهيك بتشظي البرلمان اليمني.
في المقابل، ارتبط حرص السلطة الشرعية على انعقاد جلسات مجلس النواب التابع لها على جملةٍ من المتغيرات في الساحة السياسية اليمنية، فإضافة إلى تعزيز شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، فإن إدارة صراع أجنحة السلطة الشرعية تحت قبة البرلمان باتت أولويةً بالنسبة للشرعية، فضلاً عن دعم حليفها الإقليمي ممثلاً بالعربية السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، فمن جهة أولى، يأتي معظم التحرّكات السياسية للسلطة الشرعية في سياق رد فعل على إجراءات جماعة الحوثي، ومن ثم فإن انعقاد الجلسة غير الاعتيادية لمجلس النواب، في 13 إبريل/ نيسان الجاري في مدينة سيئون، كان محاولة استباقية للحيلولة دون استكمال نصاب مجلس نواب صنعاء. ومن جهة ثانية، أدرك الرئيس هادي أن شرعيته السياسية باتت مسألة فيها نظر، جراء استمرار تقويضها من القوى المحلية المدعومة من الإمارات، الدولة الثانية في التحالف. ومن ثم، وجد أن التئام مجلس النواب رسالة سياسية لحلفائه قبل خصومه، لتأكيد شرعيته رئيسا للمرحلة المقبلة في اليمن. ومن جهة ثالثة، قد يسهم انعقاد مجلس النواب في لملمة شتات الأحزاب والقوى المحلية المنضوية تحت إطار الشرعية، ولجم حدّة تنافسيتها، بما يفضي إلى الخروج باصطفافٍ سياسيٍّ داعم لشرعية هادي. ومن جهة رابعة، تدرك السلطة الشرعية أن التدخل السعودي - الإماراتي في اليمن جاء وفق بيان رئاسي لحظي، خصوصا مع فشلها في أن يكون مؤتمر الرياض الذي عقد في إبريل/ نيسان 2015، مظلة سياسية جامعة لشرعنة التدخل العسكري، ومن ثم قد تفرض السلطة الشرعية على مجلس النواب تبني قرار سياسي يدعم هذا التدخل، ويضفي شرعية على مضامينه.
يبدو أن انعقاد مجلس النواب التابع للشرعية كان خياراً سعودياً، لمواجهة أعباء خارجية ملحّة، إذ إن استمرار رفض الرأي العام للتدخل السعودي في اليمن، وكلفة حربه على اليمنيين، إضافة إلى تصويت الكونغرس أخيرا على وقف الدعم الأميركي للتحالف العربي، جعل السعودية
تبحث عن مَخَرجٍ يمني، يشرعن تدخلها العسكري في اليمن، ويحفظ ماء وجهها. ومن هنا، تبنت التحضير لانعقاد مجلس النواب في هذا التوقيت، عبر إجراءات سياسية وعسكرية، إذ أدارت، على مدى الأشهر الأخيرة، حملات ضغط على برلمانيين يمنيين مقيمين في أراضيها، أفضت إلى تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية التي تمثل البرلمان، كما ضخّت أموالا للبرلمانيين المشاركين في جلسة النواب في سيئون، وسهلت عودتهم إلى اليمن، فضلاً عن تحييدها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بضمان عدم اعتراضه على انعقاد المجلس في مدينة سيئون. وأخيراً، استقدمت السعودية قواتها العسكرية إلى مدينة سيئون، بما في ذلك، نصب منصة صواريخ، بحجةٍ واهيةٍ، هي تأمين انعقاد جلسة مجلس النواب.
في ظل تعدد ولاءات مجلس النواب، فإن ثمة تخوفا من القرارات السياسية التي قد يتبناها، في ما يخص المتدخلين الإقليميين في اليمن، والتي قد تؤثر على مستقبله وسيادته، وهو ما يشكل تحدياً صعباً لما تبقى من يمنية القرار داخل المجلس، إضافة إلى حدّة الصراعات بين القوى السياسية المكونة له، إذ لم تعد هذه الصراعات يمنية - يمنية، وإنما إقليمية في المقام الأول، كما أن المتغيرات الحادة في تحالفات الحرب، وخصوصا بعد مقتل صالح، كرّست قوىً سياسية جديدة، إضافة إلى القوى الأخرى، لها أجنداتها وولاءاتها الإقليمية، وهو ما يجعل من الصعب استجلاء رؤاها في المستقبل، فمن جهةٍ، يمثل المؤتمر الشعبي العام الكتلة البرلمانية الكبرى في مجلس النواب، ما يعني أن حضوره الكبير قد يؤثر على تموضعات المجلس وقراراته السياسية، يليه حزب التجمع اليمني للإصلاح. وفي حين حُسمت رئاسة المجلس لصالح حزب المؤتمر، ممثلاً بالنائب سلطان البركاني، فإن توليه هذا المنصب يعكس إرادة الرئيس هادي في هذه المرحلة، وهو تعزيز سلطته الشخصية، وفي حال مرضه تنتقل السلطة إلى رئيس البرلمان، وهو ما يعني تقليص فرص نائبه، الفريق علي محسن الأحمر، ومن ورائه حزب الإصلاح.
لم يعد "بيت الشعب" بيتاً لليمنيين، وإنما بيتاً لكل من يعارض تطلعاتهم ومصالحهم وأحلامهم،
إذ صار يمثل تشظّي المؤسسة التشريعية اليمنية اليوم، المرحلة الأخيرة لاستهداف ما تبقى من المؤسسات الوطنية من سلطات الحرب، إذ لا يمثل هذا المجلس المنقسم ما بين سلطات صنعاء وسيئون، في اصطفافات نوابه، بعداً وطنياً، وإنما تمثيلاً لاصطفافات قوى الحرب، ففي حين اصطف نواب صنعاء مع خيار مليشيات الحوثي في حربها على اليمنيين، فإن نواب الشرعية يمثلون أجندات أحزابهم، وارتباطها مع القوى الإقليمية المتدخلة في اليمن، ودول الأزمة الخليجية، وبالتالي لم يكن عقد نواب الشرعية جلستهم في مدينة سيئون، وبحماية القوات السعودية، سوى مشهد سوداوي ستتذكّره الأجيال، عن معنى انتزاع السيادة. الشيء الآخر أن هؤلاء النواب، سواء المصطفون في برلمان الحوثي أو في برلمان الشرعية، لا يملكون سلطة القرار في ما يخص الشأن اليمني، بما في ذلك الاعتراض على إملاءات قوى الحرب الإقليمية وشروطها في إدارة الملف اليمني، إلا أن المخيف أكثر من تشظّي المؤسسة التشريعية، هو أننا ربما نشاهد اليوم انهيار آخر مجلس نواب منتخب في اليمن الموحد، إذ إن هذين المجلسين قد يشرعنان على المدى البعيد ولادة "يمنات" وفق إرادة سماسرة الداخل ورغبة الإقليم.
صراع الأطراف اليمنية لإضفاء شرعية سياسية على سلطاتها جعلها تفعّل البرلمان المقسّم، لخدمة أغراضها، ففي حين عزّزت جماعة الحوثي جهودها لاختراق مجلس النواب في العاصمة صنعاء، بغرض إعادة تشكيل التمثيل السياسي داخل المجلس لصالحها، أو على الأقل ليعكس حضورها على الأرض سلطة أمر واقع، فإنه كان من الصعب على الجماعة تجاوز فخاخ مجلس النواب، إذ كانت العقبة الرئيسية أن الجماعة لم تكن قوىً ممثلة في انتخابات 2003 التي شكلت قوام البرلمان. وعلى الرغم من محاولتها تجاوز تلك العقبة، عبر رعايتها انعقاد جلسات مجلس النواب في العاصمة صنعاء، أو بشراء ولاءات أعضاء المجلس من المشائخ والشخصيات الاجتماعية، لتبنّي رؤيتها السياسية داخل البرلمان، إلا أنها كانت تدرك أنها لا تزال فعلياً قوىً خارج أسوار البرلمان، وأن عليها، خصوصا بعد تخلصها من الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، وتشظي حزب المؤتمر الشعبي العام، تجاوز سيطرة "مؤتمر صالح" على مجلس النواب في صنعاء، وتغيير النصاب ما أمكن.
بدا تغيير قوام اللجنة العليا للانتخابات التي تشكلت إبّان المرحلة الانتقالية، وتشكيل لجنة جديدة
في المقابل، ارتبط حرص السلطة الشرعية على انعقاد جلسات مجلس النواب التابع لها على جملةٍ من المتغيرات في الساحة السياسية اليمنية، فإضافة إلى تعزيز شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، فإن إدارة صراع أجنحة السلطة الشرعية تحت قبة البرلمان باتت أولويةً بالنسبة للشرعية، فضلاً عن دعم حليفها الإقليمي ممثلاً بالعربية السعودية، قائدة التحالف العربي في اليمن، فمن جهة أولى، يأتي معظم التحرّكات السياسية للسلطة الشرعية في سياق رد فعل على إجراءات جماعة الحوثي، ومن ثم فإن انعقاد الجلسة غير الاعتيادية لمجلس النواب، في 13 إبريل/ نيسان الجاري في مدينة سيئون، كان محاولة استباقية للحيلولة دون استكمال نصاب مجلس نواب صنعاء. ومن جهة ثانية، أدرك الرئيس هادي أن شرعيته السياسية باتت مسألة فيها نظر، جراء استمرار تقويضها من القوى المحلية المدعومة من الإمارات، الدولة الثانية في التحالف. ومن ثم، وجد أن التئام مجلس النواب رسالة سياسية لحلفائه قبل خصومه، لتأكيد شرعيته رئيسا للمرحلة المقبلة في اليمن. ومن جهة ثالثة، قد يسهم انعقاد مجلس النواب في لملمة شتات الأحزاب والقوى المحلية المنضوية تحت إطار الشرعية، ولجم حدّة تنافسيتها، بما يفضي إلى الخروج باصطفافٍ سياسيٍّ داعم لشرعية هادي. ومن جهة رابعة، تدرك السلطة الشرعية أن التدخل السعودي - الإماراتي في اليمن جاء وفق بيان رئاسي لحظي، خصوصا مع فشلها في أن يكون مؤتمر الرياض الذي عقد في إبريل/ نيسان 2015، مظلة سياسية جامعة لشرعنة التدخل العسكري، ومن ثم قد تفرض السلطة الشرعية على مجلس النواب تبني قرار سياسي يدعم هذا التدخل، ويضفي شرعية على مضامينه.
يبدو أن انعقاد مجلس النواب التابع للشرعية كان خياراً سعودياً، لمواجهة أعباء خارجية ملحّة، إذ إن استمرار رفض الرأي العام للتدخل السعودي في اليمن، وكلفة حربه على اليمنيين، إضافة إلى تصويت الكونغرس أخيرا على وقف الدعم الأميركي للتحالف العربي، جعل السعودية
في ظل تعدد ولاءات مجلس النواب، فإن ثمة تخوفا من القرارات السياسية التي قد يتبناها، في ما يخص المتدخلين الإقليميين في اليمن، والتي قد تؤثر على مستقبله وسيادته، وهو ما يشكل تحدياً صعباً لما تبقى من يمنية القرار داخل المجلس، إضافة إلى حدّة الصراعات بين القوى السياسية المكونة له، إذ لم تعد هذه الصراعات يمنية - يمنية، وإنما إقليمية في المقام الأول، كما أن المتغيرات الحادة في تحالفات الحرب، وخصوصا بعد مقتل صالح، كرّست قوىً سياسية جديدة، إضافة إلى القوى الأخرى، لها أجنداتها وولاءاتها الإقليمية، وهو ما يجعل من الصعب استجلاء رؤاها في المستقبل، فمن جهةٍ، يمثل المؤتمر الشعبي العام الكتلة البرلمانية الكبرى في مجلس النواب، ما يعني أن حضوره الكبير قد يؤثر على تموضعات المجلس وقراراته السياسية، يليه حزب التجمع اليمني للإصلاح. وفي حين حُسمت رئاسة المجلس لصالح حزب المؤتمر، ممثلاً بالنائب سلطان البركاني، فإن توليه هذا المنصب يعكس إرادة الرئيس هادي في هذه المرحلة، وهو تعزيز سلطته الشخصية، وفي حال مرضه تنتقل السلطة إلى رئيس البرلمان، وهو ما يعني تقليص فرص نائبه، الفريق علي محسن الأحمر، ومن ورائه حزب الإصلاح.
لم يعد "بيت الشعب" بيتاً لليمنيين، وإنما بيتاً لكل من يعارض تطلعاتهم ومصالحهم وأحلامهم،