شرع البرلمان التونسي في مناقشة مشروع قانون جديد لمناهضة كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة، والذي قدّمته الحكومة التونسيّة في إطار تطوير التشريعات المتعلّقة بحماية حقوق المرأة، إذ إن النصوص القانونيّة لم تعد ملائمة في ظلّ تطوّر المجتمع. واستمعت لجنة الحقوق والحريّات والعلاقات الخارجية إلى وزارتي المرأة والأسرة والطفولة، والعدل، لتقديم توضيحات حول المشروع.
صحيح أنّ تونس كانت سبّاقة في إرساء منظومة قانونية لحماية المرأة والطفل، من خلال مجلّة الأحوال الشخصيّة التي نظّمت تفاصيل أساسية في حياة المرأة، لا سيما الأسرة والميراث، بالإضافة إلى مجلّة حماية الطفل، إلّا أن ذلك لم يمنع تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة واستغلالها جنسيّاً واقتصاديّاً.
وقدّمت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، نزيهة العبيدي، أرقاماً تعكس حجم العنف التي تتعرّض له المرأة. وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ عدد قضايا العنف من قبل الأزواج بحقّ النساء، والمعروضة أمام النيابة العامة، بلغ 28 ألفاً و910 قضايا، وقد بتّ في 3 آلاف و810، فيما بلغ عدد قضايا الاستغلال الجنسي ألفين و183. أمّا عدد قضايا الاغتصاب، فوصل إلى 904 قضايا.
وتوضح الوزيرة أنّ عدد قضايا العنف بحقّ الأطفال ارتفع إلى 601 حالة في عام 2015، بعدما كان عددها 262 في عام 2013. وتوصف هذه الأرقام بـ "المفزعة"، مما يستوجب تحرّكاً فوريّاً لتعديل القوانين والعمل على الحدّ من ظاهرة العنف ضدّ المرأة. كما تبيّن أنّ المشروع جاء في سياق تطبيق الدستور التونسي، الذي نصّ على دعم حقوق ومكتسبات المرأة وحمايتها من العنف، مشيرة إلى مشروع القانون الذي قدّمته الحكومة مؤخّراً، والمتعلّق بتنقيح الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية، وهو فصل "تزويج القاصر من مغتصبها"، لافتةً إلى أنّه سيكون هناك تشاور داخل الحكومة لسحبه.
يشار إلى أن المنظومة التشريعيّة، وتلك التي تشرف على تطبيق هذه النصوص، تحتاجان إلى مراجعة. في هذا السياق، يقول وزير العدل، غازي الجريبي، لـ "العربي الجديد"، إنّ الحكومة تتّجه نحو إنشاء مركز متخصّص لرصد العنف ضدّ المرأة، وإعداد إحصائيّات حول الظاهرة.
ويوضح لـ "العربي الجديد" أن الأمر لا يقتصر على تغيير القوانين، وإنّما تغيير العقليّات أولاً، في إطار فرض احترام حقوق المرأة وعدم تعرضها لعنف جنسي أو مادي أو اقتصادي أو معنوي. لذلك، تتّجه الحكومة إلى إشراك أكثر من طرف في هذه المقاربة، وفي مقدّمتها المؤسّسة التعليميّة، في وقت تسعى فيه وزارة العدل إلى تأهيل الجهات المتخصّصة لتلقّي الشكاوى حول العنف الممارس على المرأة والطفل، والتعامل معها تحت مظلّة القانون الجديد في حال أقرّه البرلمان.
يشار إلى أنّ مشروع القانون الجديد، الذي أُحيل إلى البرلمان منذ أكثر من ستة أشهر، يحظى بتأييد عدد كبير من النوّاب والمجتمع المدني، خصوصاً أنّه أعدّ بالشراكة، واستند إلى إحصائيّات حديثة حول أشكال العنف ضدّ النساء، بالإضافة إلى تضمّنه إحاطة بجوانب غفلت عنها القوانين السابقة، من قبيل تجريم الاغتصاب الزوجي، والتفرقة في ساعات العمل والأجر على أساس النوع، ومعاقبة أولئك الذين يتعاطون باستخفاف مع العنف ضد المرأة.