البرلمان التونسي... خيبة شعبية وتأخير في إقرار التشريعات

06 اغسطس 2018
يدخل البرلمان التونسي في عطلة تستمر شهرين(Getty)
+ الخط -

مع انطلاق العطلة البرلمانية، تثور تساؤلات حول أداء البرلمان التونسي ووظائفه المعطلة، التي لم ترق إلى انتظارات الشعب وتطلعاته بعد ثورة الحرية والكرامة.

ودخل البرلمانيون بتونس في عطلة تستمر شهرين، تاركين وراءهم عشرات القوانين معطلة في رفوف اللجان البرلمانية وهيئات دستورية لم يتم إرساؤها بعد، رغم قرب نهاية المدة البرلمانية في خريف 2018، إلى جانب عشرات المشكلات والأزمات التي يتخبط فيها المواطن لوحده، دون مؤازرة نواب الشعب وممثليه، كغلاء الأسعار وأزمة انقطاع المياه الصالحة للشرب وفقدان الأدوية الحياتية.

وانتظر التونسيون من برلمان الثورة في نظام برلماني معدل، أن يكون له دور ريادي في منظومة الحكم، وأن يساهم من موقع الفعل في إدارة الحكم والسير بالبلاد نحو تكريس الحقوق والحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية وفرض التمييز الإيجابي ودفع التنمية في المناطق المهمشة، غير أنه، ومع اقتراب انقضاء المدة النيابية الأولى بعد أربع سنوات، كان دور البرلمان هامشياً مقارنة ببقية السلطات في البلاد، وحتى المجتمع الأهلي كان أكثر ديناميكية في العلاقة مع قضايا الشعب، بل إن مراقبين رجحوا أن البلاد لا تزال تسير بنظام حكم رئاسي، الغلبة فيه للسلطة التنفيذية برأسيها، الحكومة والرئاسة.

وأكد المشرف على برنامج مرصد المجلس في منظمة "البوصلة"، لمين بن غازي، لـ"العربي الجديد"، أن نسق العمل في البرلمان التونسي بطيء جداً، بخاصة بعد الأزمة السياسيّة التي تشهدها البلاد، ما ساهم في تراكم المشاريع، كما ساهم ذلك في تعطيل إحداث الهيئات الدستورية التي نصّ عليها دستور 2014.

وأعاد بن غازي هذا البطء إلى أسباب أخرى عدة، من بينها غياب الإرادة السياسية في بعض المواضيع وغياب رؤية استراتيجية وقلّة النظام في العمل التشريعي، إضافة إلى كثرة غياب البرلمانيين في اللجان، مشيراً في المقابل إلى أنه "بالرغم من هذا البطء الذي شهده نسق العمل بالمجلس خلال الدورة البرلمانية الرابعة، إلا أن هناك مكتسبات لا يمكن التغاضي عنها، على غرار المصادقة على مجلة الجماعات المحلية التي تعتبر مكسباً للبلاد، إضافة إلى المصادقة على قانون التصريح بالمكاسب ومكافحة الإثراء غير المشروع والتنصيص فيه على مبدأ الشفافية".

وعلقت في أذهان التونسيين صورة البرلمانيين في شجار متواصل وتبادل للشتائم والتهم، وترسخ لديهم أن نواب الشعب لا يفكرون سوى في زيادة منحهم وامتيازاتهم، وإن كانت الجلسات العامة تعكس نفساً ديمقراطياً من خلال المناقشات الحادة ومساءلة الحكومة بتقريع الوزراء وتوجيه نقد لاذع يصل إلى حد الإهانة، وهو ما يغيب عن سائر البرلمانات العربية والأفريقية، لكن الشجار والصراخ لم يشفيا غليل حاجة الشعب وطموحاته.

وأظهرت مؤسسات عدة تعنى بسبر الآراء، على غرار "سيغما كونساي"، التراجع الشديد لثقة التونسيين في البرلمان وانحداراً كبيراً على مستوى الأمل في المستقبل. ويتحمل البرلمان التونسي جانباً كبيراً من المسؤولية، بسبب عدم قيامه بوظائفه التشريعية والرقابية والانتخابية.

وسئم التونسيون انتظار إرساء للمحكمة الدستورية التي فشل مجلس الشعب في أربع مناسبات من انتخاب أعضائها، بسبب المزايدات السياسية والبحث عن كيفية وضع اليد على أركانها، كما يقول نواب المعارضة.

كما يئس المواطنون من إرساء الهيئات الدستورية الأربع المتبقية ("هيئة حقوق الإنسان" و"هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد" و"هيئة الاتصال السمعي - البصري" و"هيئة التنمية المستدامة"). ويعود ذلك الى بطء نسق العمل البرلماني وكثرة الغيابات والتجاذبات السياسية التي تحكمه، إذ إنه حتى هيئة الانتخابات، الهيئة الدستورية الوحيدة، دخلت في منعرج المزايدات وبقيت عرجاء دون رئيس، بسبب تأجيل البرلمان انتخاب رئيسها إلى موعد غير معلوم، رغم وجود مرشح وحيد.



وتقبع في أدراج اللجان التشريعية عشرات مشاريع القوانين التي أرسلتها الحكومة بهدف دفع التنمية والاستثمار، بعضها متعلق بالإصلاحات الاقتصادية وأخرى مالية، وفيها قوانين ستخرج تونس من تصنيفات الاتحاد الأوروبية السلبية، ولكنها بقيت حبيسة الصراعات بين المعارضة والائتلاف الحاكم المهترئ.

وأظهر البرلمان فشله كذلك بشكل واضح على مستوى لجان التحقيق، التي أصبحت فضاءات للاستماعات واللقاءات وربط العلاقات، حيث يعجز المتابعون عن معرفة جدواها ومدى تقدم أعمالها في وقت وُئدت بعض اللجان بعد جلستها الأولى، على غرار لجنة التحقيق في ما يعرف بوثائق بنما، أو لجنة التحقيق في تصرف الدولة في النفايات الخطرة وغيرها.

من جانب آخر، يعيب المواطنون جلسات مساءلة الحكومة التي يظهر فيها الوزراء وطاقمهم الإداري أكثر من النواب الحاضرين، لتنتهي بمشادات وصراعات شخصية لتصفية حسابات سياسية أو جهوية دون نتائج تذكر على حياة المواطن اليومي، على غرار غلاء الأسعار وفقدان الأدوية وانقطاع المياه.
المساهمون