البرلمان الإيراني يدرس الموازنة الجديدة بحذر

01 مارس 2017
الحكومة تتوسع في جمع الضرائب (Getty)
+ الخط -
لا يزال البرلمان الإيراني يدرس الموازنة التي أقرتها الحكومة قبل نحو ثلاثة أشهر، ما يعزوه مراقبون إلى الزيادات الكبيرة في الإنفاق والأجور ومحاور أخرى تتعلق بسعر الصرف المعتمد وكذا مستويات صادرات النفط وقيمته بالسوق الدولية، تلك عوامل متغيرة وتهدد الاستقرار المالي إلى حد بعيد حسب محللين.
وتقدر الحكومة الإيرانية نفقات العام المقبل بنحو مائة مليار دولار، وهو مستوى قياسي، يزيد بأكثر من 8.84% عن العام الماضي. وتعتمد إيران العام الفارسي سنةً مالية، ويبدأ في 21 مارس/آذار وينتهي في 20 ماس/آذار من كل عام.
ويتضح من أرقام الموازنة الجديدة أن الحكومة تبدو متفائلة بأسعار النفط، بناء على اتفاق خفض الإنتاج الذي اعتمدته "أوبك" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ تعتمد في بند الإيرادات العامة على سعر نفط 50 دولارا للبرميل، وهو سعر يقل عن المستوى المتداول به النفط أمس الأربعاء بحدود 6 دولارات والبالغ 56.78 دولارا للبرميل، لكنه يبقى في دائرة الخطر كون أسعار الذهب الأسود شديدة التأثر ولا تزال قريبة من مستويات الأربعين دولار للبرميل التي تحوم حولها منذ أكثر من عام.
وبنت إيران أيضا موازنتها على أساس صادرات نفطية بحدود 2.42 مليون برميل يوميا، ووفق سعر صرف يعادل في المتوسط 3300 تومان إيراني مقابل كل دولار أميركي، وهو سعر يزيد عن المتداول في البنك المركزي، لكنه يقل عن المتداول في السوق الرسمية التي تبيع الدولار بحدود 3800 تومان في بعض الأحيان.
ويرى الخبير الاقتصادي علي إمامي، أن أهم ما يميز موازنة العام الجديد هو أن الحكومة فصّلت فيها مكاسبها وكيف ستستخدمها كمصاريف، وعلى ما يبدو فإن الحكومة تعول على جني عائدات جيدة نسبيا، حيث إنها تريد الحصول على معظمها من الصادرات غير النفطية، حسب رأيه، إذ تمثل عائدات النفط قرابة ثُلث الموازنة، فيما تعول الدولة على القطاعات الأخرى في جمع ثُلثي نفقاتها السنة المالية المقبلة.
وتوقع إمامي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن يرتفع مستوى الضغوطات المترتبة على المواطن الإيراني نسبيا، إثر رفع الضرائب، قائلا: "يبدو أن الحكومة ستكون متشددة أكثر في نظام الضرائب هذا العام، وهو ما سيوفر لها مستحقات أعلى".
وتتوقع الموازنة الجديدة زيادة العائدات الحكومية من الضرائب بمعدل 8.7%، لكنها أخذت بعين الاعتبار زيادة الرواتب الحكومية بمقدار 10%.
وفي الوقت الذي يبدو فيه التفاؤل الحكومي واضحا، يرى الخبير في شؤون الطاقة حسين أنصاري فرد، أن تحسن أسعار النفط يعني أن صادرات إيران منه ستكون مستقرة نوعا ما، معتبرا أن المعنيين تعلموا درسا مما حدث خلال سنوات العقوبات، فاتخذت الحكومة بعين الاعتبار هذه المرة سعر نفط رأى أنه متوسط نوعا ما، وبحال انخفاضه فستحاول أن تغطي العجز من عائدات أخرى، قد توفرها الصادرات للخارج، حسب قوله.
بذات الوقت يرى أنصاري فرد، أن الضرائب لن تكون عالية جدا على المواطن العادي، حيث قالت الحكومة إنها ستركز أكثر على أصحاب الرواتب المرتفعة، وهو ما سيؤمن لها عائدات جيدة.
وذكر لـ "العربي الجديد"، أن الوضع الاقتصادي لن يكون أسوأ من السابق، ولن يصل التدهور خلال العام الفارسي المقبل لمستوى متدن للغاية، كما حصل عقب تشديد الحظر على البلاد بسبب برنامجها النووي في أعوام ماضية، قائلا إن التهديدات الاقتصادية أو السياسية واقع موجود لا يمكن الفرار منه، لكن يبدو أن الحكومة ترى أن الوضع لن يتدهور كثيرا.
وتعتمد حكومة روحاني على الصفقات مع الأوروبيين التي جنتها من الاتفاق النووي، كما أنها تعول على كل من روسيا والصين، للوقوف بوجه أي محاولات تخريب للاتفاق، وهذا بحال أرادت الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب فض الاتفاق النووي.
إلا أن أنصاري فرد، توقع عدم حصول ذلك أصلا، فقد صعّد ترامب من إجراءاته واختار فرض عقوبات على شخصيات وكيانات مرتبطة ببرنامج إيران الصاروخي، ولم يختر قطاعات أخرى، كما أن عقوبات أميركا كطرف واحد لن تترك تأثيرا بالغا على الاقتصاد الإيراني إذا لم تجتمع معها عقوبات أوروبية ودولية.
وطاول موازنة السنة المقبلة، كثير من الانتقادات تتعلق كلها بمخاوف من عدم قدرة الحكومة على الالتزام ببنودها. وكان البرلمان قد اقترب فعليا من إقراراها في وقت سابق، قبل أن تُثير بعض بنودها تحفظات نواب عليها، منها أن الحكومة تعتمد في تقديراتها كثيرا على المستحقات التي تؤمنها الأرصدة الإيرانية المفرج عنها بموجب الاتفاق النووي، وقد حصلت البلاد على بعض المبالغ فقط، ولا يزال الموقف بشأن عشرات مليارات الدولارات غامضا، ما يعني أن التعويل عليه يهدد قدرات الدولة على الالتزام بالموازنة.
ودعا مراقبون في الداخل الإيراني لاتباع تعريف "الاقتصاد المقاوم" وتطبيق نظريته التي أيدها المرشد الأعلى علي خامنئي، وهو الاقتصاد الذي لا يعتمد على صادرات النفط كثيرا، ويقوم بالأساس على رفع مستوى الواردات للخارج مقابل تقليص الصادرات للداخل.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية الحالية قد أخذت هذه النقطة بعين الاعتبار، خلال صياغة بنود الموازنة الجديدة، لكن يتجلى كذلك أنها متفائلة من وضع السوق النفطية التي شهدت استقرارا نسبيا عقب اتفاق أعضاء أوبك.
المساهمون