شكّلت أموال مبيعات نفط كردستان العراق، أهم الملفات في زيارة رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني إلى أنقرة، أمس الاثنين، إذ التقى كلاً من الرئيس التركي عبد الله غول، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، سعياً لحصول أربيل على حصتها من المبيعات النفطية بشكل مباشر، من دون المرور عبر بغداد إذ يجمع بينهما صراع وصل إلى ذروته من بوابة الأحداث العراقية الأخيرة. وكانت أموال مبيعات النفط الكردستاني توضع في مصرف "خلق" الحكومي التركي، نيابة عن الحكومة العراقية، بعد اتفاقية بيع النفط بين الإقليم وتركيا التي وُقعت في وقت سابق من الشهر الماضي.
وبحسب محللين، فإن حكومة الإقليم تسعى لاستغلال الخلاف الشديد بين الحكومة التركية وحكومة نوري المالكي، للحصول على كافة الأموال كتعويض عن حصة الإقليم من مبيعات النفط، والتي لم تحولها لها الحكومة المركزية في بغداد حتى الآن، وذلك بعد أن رفعت الأخيرة دعوى قضائية في سويسرا ضد الشركة المشغلة لأنبوب النفط الذي يمر في تركيا، بحجة أنها تقوم باستقبال النفط عبر انبوب نفط كركوك نحو ميناء جيهان التركي، والذي لم يعد تحت سيطرة الحكومة المركزية منذ سيطرة قوات البشمركة عليه منذ ما يقارب الشهر، إثر انسحاب القوات العراقية الحكومية منها، تحت تأثير ضربات المسلحين.
ورجّحت معلومات أن يكون البرزاني قد سعى، في أنقرة، لاستعادة مبلغ 8 ملايين دولار، وهي قيمة 17 في المئة التي تشكل حصة إقليم كردستان العراق من مبيعاته النفطية المستقلة، من دون إذن الحكومة المركزية في بغداد.
واعتبر مراقبون أن عودة البرزاني إلى بلاده بهذا المبلغ، أي 8 ملايين دولار، يُعتبر، في حال حصل، نصراً كبيراً وإن كان رمزياً يمهد الطريق إلى استقلال الإقليم وتحقيق الحلم الكردي بإقامة دولة مستقلة.
وتُعتبر زيارة البرزاني إلى أنقرة، ثاني أهم زيارة له بعد تلك التي قام بها عام 1992، بعد حرب الخليج الثانية، حين منحته الحكومة التركية جواز سفر دبلوماسياً تركياً، في إشارة إلى أن البرزاني، الذي طالما اعتُبر قائد "تنظيم إرهابي" بالنسبة للعقل القومي التركي، أصبح شريكاً سياسياً، مما اعتُبر بداية التطبيع التركي مع قيام الإقليم الكردي.
اما الآن، وبحسب خبراء، تصنع تركيا الاستقلال الاقتصادي هذه المرة للاقليم الكردي، إذ تأتي هذه الزيارة بعد ما يقارب العشرة أشهر من آخر مرة حطّ فيها البرزاني في ولاية دياربكر التركية، في إشارة إلى دعمه لمفاوضات السلام التي تقوم بها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، وبعد النقاش الحاد الذي أثاره إعلان البرزاني نيته إقامة استفتاء حول استقلال الإقليم، الأمر الذي لاقى ترحيباً حذراً من قبل الحكومة التركية.
وعن هذا الموضوع، أكد نائب رئيس الحكومة التركية، بولنت أرينج، الشهر الماضي، أن الحكومة التركية لا تود رؤية العراق مفككاً، لكنه لم يعبّر صراحة عن معارضة حكومته لإقامة الدولة الكردية، الأمر الذي أكده البرزاني في لقاء مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية في وقت سابق، مشيراً إلى أنه لا يتوقع أن يرى معارضة نشطة ولا مساندة من قبل تركيا لاستقلال الإقليم.
ويرى الكثير من المحللين الأتراك، أن التعامل مع فكرة الدولة الكردية بات أمراً لا بد منه. وأشار الكاتب في جريدة "زمان"، أورهان مير أوغلو، في مقال بعنوان "مستقبل العراق والأكراد البحث عن الاستقلال"، إلى أن "مهمة القوى الدولية في منطقة جغرافية ممزقة سياسياً هي ضمان حصول هذا التمزق بأقل الخسائر والمشاكل الممكنة". ودعا البعض إلى التعامل مع "الأمر الواقع" والاستفادة منه، ليعود البريق إلى فكرة الرئيس التركي السابق تورغوت اوزال، القائمة على تسهيل إقامة إقليم كردي ذي صلاحيات واسعة أو حتى دولة كردية في شمال العراق، لتخفيف الاحتقان القومي الكردي في الداخل التركي، ولتسهيل حل القضية الكردية في بلاد أتاتورك، الأمر الذي استشعر فيه زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ــ جناح العمال الكردستاني في سورية، صالح مسلم، خطراً على الحركة القومية الكردية.
موقف ترجمه مسلم، خلال مؤتمر عُقد في دياربكر، في وقت سابق من الشهر الحالي، عندما أعرب عن معارضته لنية إقليم كردستان العراق تنظيم استفتاء شعبي حول الاستقلال عن العراق، قائلاً إنه "يجب أخذ إرادة الشعب بعين الاعتبار، إلا أن الوقت ليس مناسباً لإعلان دولة مستقلة".