البديل ودفتر السجلّات

11 ابريل 2016
ماحي بينبين / المغرب
+ الخط -
البديل
على مضضٍ ألزمته الحمّى الفِراش، فشخصٌ مواظب مثله لم يتخلّف عن العمل يوماً واحداً طوال عشرين سنة من مسيرته المهنية. اتصلت به سكرتيرة الشركة قبل انتصاف الظهيرة تسأله عن حالته الصحية. ليس عليه أن يقلق إن طالت مدّة غيابه ريثما يتماثل للشفاء، فأدولفو، أحد زملائه في المكتب، مستعدٌ لإنجاز عمله اليوم.

أثناء أوّل أسبوعين من فترة النقاهة، – من زكامٍ رافقته مضاعفات - كلّ يومين أو ثلاثة، كانت تصله أخبارٌ من السكرتيرات، ومن أحد الزملاء يتّصل به. أدولفو قد بدأ الاتصال بزبائنه. أدولفو يفي بالغرض. أدولفو يتحدّث الإنجليزية بلهجة بريطانية متقنة. المكتب في غاية السرور من أدولفو. السكريترات يتعطّرن من أجل أدولفو. رؤساء الأقسام يضعون لأدولفو أفضل ما عندهم من السيجار جانباً، محتفظين له بأطيب الأنفاس.

وفي كل مرّة يسمع عن السهولة التي راح فيها بديلُه يتكيّف ويُنجز مهامه في المكتب، كانت صحته تسوء تدريجياً. أصبحت خافضات الحرارة تتأخّر أكثر في تهدئة الحمّى، وبات بالكاد يغادر سريره إلا من أجل الذهاب إلى المرحاض أو ليُعدّ طعامه: أرزٌ مسلوق، مرّة واحدة في اليوم. وأثناء هذه الأسابيع الأخيرة – حين لم يعد يعرف كم أسبوعاً انقضى وهو ملازمٌ الفراش - لم يتّصل به أحدٌ، لا السكريترات ولا حتى زملاؤه في العمل.

الساعة تدقّ الثامنة ليلاً حين أخذ يسمع -مستلقياً على سريره المستند بمقدمته إلى الحائط الذي يطلُّ بجانبه الآخر على سلالم العمارة- كيف يتوقّف المصعد عند طابق شقّته. بضع ثوان تمرّ، ويسمع كيف يُغالِب مفتاحٌ قفلَ الباب. خطى تتقّدم في الرُّواق. تدخل المطبخ. تخرج. يُسمع بعدها صوت تصريف المياه من حوض الحمّام. يخال، أخيراً، أنه يرى مقبض باب غرفته يدور. الحمّى تُغشي عينيه، لكنّه يستطيع، دون أدنى شكّ، تمييز الوجه المشوَّش لأدولفو وهو يسأله: "ما الذي تفعله هنا مستلقياً في سريري؟!".

 

دفتر السجلّات
كانت قد بقيت ساعة واحدة للشاب، طالب الأنثروبولوجيا، كي يُنهي دوامه كموظف استقبال في نُزُلٍ واقعٍ على الطريق العام، عندما هشَّم خطُّ برقٍ متعرّجٌ الليلَ، وأضاء للحظاتٍ الأقنعةَ الأزتيكيّة والمَصُوغات الغُوَارَانيّة المقلَّدة والسكاكين الماوريّة التي تُزيّن الحيطان. يدوِّي رعدٌ في السماء، وتنفلتُ عاصفةٌ ثلجية.

يُدير الشاب المذياع، فتتأكّد شكوكه: تمّ للتوّ إغلاق الطريق الرئيسي في الناحية. يظهر صاحب النّزُل، رجلٌ قصيرُ القامة مثل قزم، هابطاً السلالم الضيّقة، ويقترح عليه أن يبقى وينام في الغرفة الشاغرة الوحيدة في الطابق الثاني. يشكره الشاب على عرضه.

مستسلماً للمكوث، يعمد إلى تسلية نفسه بقراءة "الناجون -Alive" خلال نصف الساعة الأخير المتبقّي من خدمته اليوم، لكنه سرعان ما يشعر بالتعب من القراءة، ويبدأ بتصفُّح دفتر السجلّات السميك. يُقلّب صفحاته بتكاسلٍ إلى أن يتوقّف عند واحدة منتبهاً إلى وجود رقعةٍ بيضاء أو خانةٍ لم تُملأ بسبب تقصيرٍ ما: كلّ الغرف التي شُغلِت في 12 تشرين الأول –تاريخ اليوم لكن في السنة الماضية- لديها إشعارات خروج ما عدا الغرفة رقم (201). يتابع التصفّح عائداً إلى الوراء حتى يصل إلى نفس التاريخ: يحدث الشيء ذاته بالضبط. حدسٌ قاتم يدفعه إلى أن يسرع في بحثه الجديد، لكنْ، حينئذٍ، يُطبق صاحبُ النّزُل الدفترَ بين يديه، ويقوده من ذراعه مرافقاً إيّاه حتى باب غرفته في الطابق الثاني.

 

* Alberto Caturla Viladot كاتب وقاصّ إسبانيّ من مواليد برشلونة عام 1977

الترجمة عن الإسبانية كاميران حاج محمود

دلالات
المساهمون