البحث عن صناعة "الزعيم"

11 سبتمبر 2018
+ الخط -
تزداد المعركة في تونس بين رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ونجل رئيس الجمهورية، حافظ السبسي، شراسةً يوما بعد يوم. ويبدو أن الكفّة بدأت تميل لصالح الشاهد. لقد انسحب ثمانية نواب آخرين من الكتلة البرلمانية التي يتحكّم فيها حافظ السبسي، والتحقوا بكتلة "التحالف الوطني" الداعمة رئيس الحكومة، والتي أصبح عدد أعضائها 49. وإذا تم الجمع بينهم وبين كتلة حركة النهضة فسيكون العدد الإجملي للنواب 109، وبذلك لم يعد في وسع خصوم الشاهد سحب الثقة منه أو إسقاط حكومته، الأمر الذي يضعهم في حالة تسلّل، بعد أن استعدّوا لإطاحته على أثر عودته من زيارته الصين.
من شأن هذه الخطوة المهمة أن تزيد يوسف الشاهد إصرارا على تحقيق طموحه السياسي، وهو ما يثير تحفظ حركة النهضة التي خيرته بين البقاء رئيسا للحكومة للتفرغ للإصلاحات الاقتصادية، أو الاستقالة إذا كان ينوي الترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لم يعلن عن موقفه بوضوح. والمؤكّد أنه بصدد ربح الوقت، لكي يوفر الشروط التي تمكّنه من خوض هذه المعركة الحاسمة. وهو ما قد يدفع "النهضة"، في حال تمسّكه بحقه الدستوري في الترشّح إلى مراجعة حساباتها، لأنها لا تزال في حاجة إلى حليف، وقد لا تجد أفضل من استمرار التنسيق السياسي مع الشاهد وأنصاره.
بدأ السباق لخلافة الرئيس الباجي السبسي مبكّرا. وليس متوقعا أنه سيستجيب لمن يدفعه نحو إعادة الترشّح في الانتخابات الرئاسية، فذلك ليس من مصلحته، ولا من مصلحة البلاد. من هنا، بدأ البحث عن الشخصية "الليبرالية" المناسبة، والقادرة على تجميع الأشخاص والمجموعات الرافضين ترك الساحة شاغرةً للإسلاميين. ولهذا السبب، يسعى بعضهم إلى تلميع صورة الشاهد، ليس فقط باعتباره رئيسا للحكومة، وإنما أيضا بالقول إن هذا السياسي الشاب يصلح أن يكون نقطة التقاء للحداثيين المنتسبين لما يطلقون عليها في تونس "العائلة الوسطية".
قد لا يكون الزعيم المثالي. ولكن وفق الخريطة الحالية، يمكنه، حسب اعتقاد الموالين له، أن يتطوّر في المستقبل، لكي تصبح شخصيته أكثر إقناعا داخليا وخارجيا. إذ على الرغم من الأزمة الاقتصادية المتواصلة، تمكّن الشاهد من أن يناصره كل هذا العدد من نواب البرلمان، ويسحب جزءا لا بأس به من كتلة حزب نداء تونس، الحزب الذي يتهاوى بنسق سريع، بعد أن شكّل الأمل في أن يكون الحزب الأفضل لعموم التونسيين، فلا تتوفّر في شخصية مديره التنفيذي شروط القدرة على التجميع والزعامة والحكم، وهي أبعد من أن تكون نسخةً من أبيه أو امتدادا له. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها من أجل حسم معركة الخلافة لصالحه، إلا أن عدد منتقديه في ازدياد، وهو ما أفرغ الحزب من أكثر مؤسّسيه الذين قدّموا صورة سيئةً لأسلوبه في إدارة العلاقة مع المحيطين به.
تعيش تونس أزمة قيادة. لم ينجح الرئيس السبسي في تعبيد الطريق أمام قياداتٍ جديدةٍ، تكون في مستوى الانتقال الديمقراطي السليم. عملية الفرز الحقيقي لقادة جدد تمرّ في حالة تعثّر شديد. ولهذا، تخيم على البلاد أجواء الانتظار المختلط بالقلق وعدم الوضوح، فالساحة العامة غير مهيأة لتقبل سيناريو أن يتولّى إسلامي منصبي رئاسة الدولة أو الحكومة، فما حدث قبل ست سنوات لم يعد قابلا للتكرار، على الرغم من بقاء حركة النهضة موحّدة ظاهريا على الأقل. كما أن الأجواء الدولية غير مستعدّة بدورها أن تسلم تونس لحركة النهضة. تريد منها أن تكون فقط شريكا في الحكم، وليست الماسك الوحيد به، أو المتربّعة على أعلى الهرم فيه.
في هذا الإطار الجيو سياسي، ستبقى أنظار الجميع، بمن فيهم قادة حركة النهضة، متجهة فقط نحو الصراع المفتوح بين مساندي الشاهد وخصومه. الهدف الأول لهذه المعركة تمكين رئيس الحكومة من البقاء، على الرغم من اشتداد القصف الموجّه ضده. إذا ما تحقق هذا الهدف، سيقع الانتقال نحو بناء حزب جديد أو جبهة واسعة، من أجل أن يكون الشاهد الرئيس المقبل لتونس.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس