الباشا عايزك

30 سبتمبر 2015
(getty)
+ الخط -
كان يجلس في مكتبه بين الأوراق يدرس ملابسات القضية التي سيُرافع بها باكراً، وهو مستغرق في القراءة حتى انتزعه صوت طرق عنيف على باب الشقة التي استقطع منها غرفة لتكون مكتباً له. قفز فوراً عن الكرسي مذعوراً، فوجد وجهاً مألوفاً اعتاد على رؤيته في الحارة الضيقة التي يسكنها منذ طفولته. خضرة أو "شِلِيتَه" كما تعارف سكان الحارة على تسميتها به لكثرة جلوسها على الرصيف أمام بيتها غير مكتمل البناء، حتى كسا اللحم والشحم جسدها القصير.

نظر إليها متعجباً وهي تحاول إيقاف صدرها الذي يعلو ويهبط بقوة توازيه قوة ضربات قلبها، كان وجهها القبيح متسخاً بالتراب، لكن الأعجب أنها كانت ترتدي جلبابها الأسود، الذي نادراً ما ارتدته، فوق ملابسها الداخلية التي تعودت على الجلوس بها في الحارة.
سحبها من يدها وأجلسها على أقرب كرسي وأحضر لها كوباً من الماء، وبعد أن هدأت قالت "إلحقني يا أستاذ قبضوا على جوزي في القسم ومش راضيين يخرجوه"، سألها عن التهمة، فأكدت أنها لا تعرف.


بدّل ملابسه أسرع من المعتاد، ومعاً انطلقا إلى القسم حيث وجدا زوجها مكبّلاً إلى جانب عسكري أمام مكتب رئيس المباحث، احتضنته وهي تصرخ "مالك؟"، أجاب برعشة تسري في جسده النحيل وصوت مخنوق يرفض البوح "معملتش حاجة"، سألته "تهمتك أيه؟" رد "مش عارف".

كان أشيب الشعر قد تجاوز الخمسين عاماً بقليل، أسنانه الأمامية مكسورة، يرتدي جلباباً مرقعاً، وآثار الضرب ظاهرة على وجهه النحيل. أخرج المحامي "كارت تعريف" وأعطاه لعسكري الخدمة على باب رئيس المباحث وهو مغتاظ :"هم إللي ضربوك، والله لأجيب لك حقك"، تلقّف العسكري الكارت ممتعضاً وقال باستهزاء واضح "أنت جاي تدافع عنه!" ثم دخل المكتب، وبعد لحظات خرج العسكري وسُمح للمحامي بالدخول.


دخل إلى مكتب رئيس المباحث غاضباً "أنا أشرف محمود .."، قاطعه الضابط المتكىء على كرسيه خلف المكتب حاملاً بين أصابعه الكارت الخاص به دون أن ينظر إليه "عارف، عارف، قريت"، ثم أسند ظهره ورفع بصره إليه باشمئزاز "أنت جاي تدافع عنه بقى؟"، فانفعل قائلاً "أومال جاي أهزر".


دقائق مرت بطيئة ثقيلة عليها، خلال انتظارها زوجها الذي تصغره بعشرين عاماً، وقلبها يعتصره ألم أم تفاصل الزمن ليترك لها صغيرها، خرج المحامي من المكتب مسرعاً محمر الوجه كأنه سينفجر، لم يستدر إليها حتى استوقفته شليته بدموعها "أيه يا أستاذ؟"، نظر إليها وإلى زوجها المنزوي في الكلبش والنار تشتعل من عينيه وبصوت رج أرجاء القسم "جوزك اغتصب عيلة صغيرة عندها 6 سنين، وجايباني أدافع عنه!". خبطت الزوجة بيدها على صدرها "يالهوي" وهي تنظر لزوجها الذي أومأ برأسه والعسكري يسحبه من يده "ياللا يا وسخ الباشا عايزك".
المساهمون