الانتخابات تقسّم صفوف المعارضة في الجزائر

02 اغسطس 2016
تتفق المعارضة على تضييق السلطة ضدها (باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -
مبكراً، قسمت الانتخابات البرلمانية المقبلة في الجزائر ظَهر المعارضة، إذ تباينت المواقف في صفوفها بشأن المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، على الرغم من أن أكثر من تسعة أشهر كاملة تفصل زمنياً عن تنظيمها، والمقررة منتصف 2017 بالنسبة للانتخابات البرلمانية، ونهاية 2017 بالنسبة للانتخابات المحلية.
وأعلن حزب "جيل جديد" المعارض بقيادة المرشح الرئاسي السابق، جيلالي سفيان، مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأقرّ سفيان في تصريح صحافي عقب اجتماع الهيئة القيادية لتكتله قبل أيام، بوجود شرخ في صف المعارضة إزاء الانتخابات المقبلة، معلناً أن حزبه "لن يشارك في هذه الانتخابات، ولن يسهم في إعطاء شرعية لانتخابات تنظمها السلطة وتحسمها السلطة أيضاً". وأضاف: "لا يمكن أن نساهم في لعبة يقوم بها النظام ويديرها، السلطة لم تستجب لمطالب المعارضة، ولم توفر أي معطيات تتعلق بضمانات شفافية الانتخابات، فلماذا نعطي شرعية لانتخابات مشكوك في شرعيتها مسبقاً؟"، خصوصاً بعد تعديل قانون الانتخابات وإنشاء هيئة مراقبة مستقلة للانتخابات.
كلام سفيان يشير بوضوح إلى رفض السلطة الاستجابة لمطلب إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، تتولى بحسب المعارضة الإشراف المباشر على العملية الانتخابية بكل تفاصيلها، من دون أن يكون للسلطة الإدارية أي تدخّل في سيرها عدا الجوانب اللوجستية. لكن السلطة التفّت على هذا المطلب، وأقر الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في مسودة الدستور الجديد الذي صادق عليه البرلمان في السابع من فبراير/شباط الماضي، إنشاء لجنة لمراقبة الانتخابات، تتولى مراقبة العملية الانتخابية من دون الإشراف المباشر عليها، ناهيك عن قضية النسبة الإقصائية المحددة بأربعة في المائة التي يُفترض أن يكون قد حصل عليها كل حزب سياسي في آخر انتخابات جرت في 2012، للمشاركة المباشرة في الانتخابات المقبلة، وإلا سيكون على قوائم الحزب الانتخابية جمع عدد محدد من التوقيعات في كل دائرة انتخابية يتقدم فيها بمرشحين. هذا الأمر سيمنع كثيراً من الأحزاب السياسية من المشاركة في الانتخابات، وهو ما اعتبرته قوى المعارضة يستهدف حصر التمثيل السياسي بأحزاب السلطة والانفراد بالمشهد الحزبي والمؤسسات المنتخبة في البلاد، كما يتيح الفرصة للكارتل المالي الذي يسيطر، في الوقت الحالي، على سلطة القرار في أحزاب السلطة مزيداً من السيطرة على المؤسسات المنتخبة، والتحكم في الأدوات التشريعية التي تسمح بمزيد من نهب المال العام، وفق المعارضة.


وفيما لم يقرر عميد أحزاب المعارضة، جبهة القوى الاشتراكية "الأفافاس"، مسألة المشاركة من عدمها في الانتخابات المقبلة، بحسب تصريح سكرتيره العام، عبدمالك بوشافع، فإن حزب "التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أبرز أحزاب المعارضة، أعطى مؤشرات على إمكانية أن يجدد موقف المقاطعة الذي كان قد اتخذه خلال انتخابات 2012. وانتقد في اجتماع هيئته القيادية، "تواصل فشل استراتيجيات الحكم عن طريق القوة في إصدار قوانين غير دستورية"، في إشارة إلى قانون الانتخابات الجديد، كما انتقد أداء أحزاب المعارضة الموجودة في البرلمان، إذ "لم تبادر أيّ تشكيلة سياسية في البرلمان إلى إخطار المجلس الدستوري" والطعن في دستورية هذه القوانين، وفق قوله.
وليست كل الأحزاب السياسية التي تشارك في تكتل المعارضة متحمسة لمسألة المقاطعة، ولا تعتقد أن سياسة الكرسي الشاغر يمكن أن تشكّل إضعافاً للسلطة وتشكيكاً في الانتخابات، ذلك أنها تقتنع بخلاف ذلك، أن التواجد في البرلمان يمنحها منبراً إضافياً للضغط السياسي وكشف خطط السلطة ومجموعاتها السياسية عن قرب. بين هذه القوى حركة "مجتمع السلم" كبرى الأحزاب الإسلامية، والتي لا تبدو بحسب كثير من قياداتها متجهة لمقاطعة الانتخابات المقبلة، على الرغم مما اعتبره مجلس شورى الحركة المنعقد، قبل أسبوع، حالة تضييق على الحريات السياسية والإعلامية والتغوّل السياسي وتعميم الفساد المالي التي تمارسها السلطة. لكن مجلس الشورى أعلن "بدء الاستعداد للانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، بما يجعل الحركة في موقع تنافسي شعبي حقيقي، ويوفر لها مناخَ اتخاذ القرارات المناسبة التي تتحكم فيها الظروف والتوقيت والأجواء المحيطة بالاستحقاق المقبل".
تتوافق المعارضة السياسية في الجزائر على توصيف الوضع السياسي في البلاد، وتتفق على أن السلطة باتجاه التضييق على المشهد السياسي والإعلامي والحد من الحريات وزيادة منسوب عنفها السياسي ضد المعارضة، لكنها لا تبدو أنها بصدد التوافق على قرار موحّد بشأن مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويعتقد المحلل السياسي، حسن خلاص، أن المعارضة لا تستطيع التوافق على هكذا قرار، ليس بسبب الأجندة السياسية لكل منها، لكن أيضاً لاختلاف الحسابات السياسية والتوافقات مع كتل سياسية خارج إطار المعارضة، مشيراً إلى أن المعارضة أثبتت في مناسبات سياسية سابقة أنها لا تلتقي عند الموقف نفسه عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، لافتاً إلى عدم توافقها مثلاً على مرشح رئاسي واحد في الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان 2014، بخلاف أحزاب السلطة التي تنجح دائماً في التوافق على مرشح رئاسي موحد.
وبخلاف كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي كانت السلطة فيها بحاجة إلى تزكية وإضفاء المشروعية على الانتخابات، وتسعى لتوفير أكبر قدر من الضمانات لإغراء قوى المعارضة للمشاركة في الانتخابات، فإن السلطة التي تجاوزت أزماتها السياسية الداخلية وحسمت صراع مراكز القرار لصالح الجناح الرئاسي، لا تبدو مستعدة لتقديم مزيد من التنازلات لقوى المعارضة، أو الاعتداد بموقفها، سواء قررت المعارضة المشاركة أو عدمها في الانتخابات المقبلة.