الانتخابات الطلابية التونسية: معارك في الجامعة

20 نوفمبر 2016
(جامعة المنار بتونس، تصوير: فيليب ليساك)
+ الخط -

لم تكن الساحة الطلّابية في تونس، بمعزل عن التحوّلات الدافقة التي شهدتها البلاد طوال السنوات الست الأخيرة الماضية، فبُعَيد ثورة الكرامة عرفت الجامعة التونسية تحولًا فاصلًا في معادلة الصراع والتنافس بين القوى السياسية.

وانحصر خلاله الصراع، ما بين اليسار والتيّارات القومية والتقدّمية ممثلًا في الاتحاد العام لطلبة تونس، والتيارات الإسلامية العائدة بعد حظرٍ طويل للمتوقع في المشهد مجدّدا، ليأخذ منحًى ايديولوجيّا عميقا وحادّا بين طرفين يستند أحدهما إلى شرعيته التاريخية كممثّل لعموم الطلبة خلال حقبة الدكتاتوريّة وآخر يحاول استعادة أمجاد الاتحاد العام التونسي للطلبة الذراع الطلابيّ لحركة النهضة التونسية خلال الثمانينيات وبداية التسعينيات.

مناجَزة تلتحف بغطاء الدفاع عن مصلحة الطلبة وتمثيلهم في المجالس العلمية في الجامعات، اختزلت جانبًا من الصراع السياسي الذي شهدته البلاد خلال سنوات الانتقال الديمقراطي، لم تخلُ من المواجهات وتصفية الحسابات القديمة والثارات الماضويّة بين الإسلاميين واليساريين. صراع يتحفّزُ أطرافه في كلّ سنة، بمناسبة انتخابات المجالس العلميّة بالجامعات التونسية، ويطغى عليه التجييش الايديولوجي والحملات المتبادلة والتخوين والاتهامات المتبادلة، سعيًا لافتكاك أكبر حصّة من المقاعد بمختلف الأجزاء الجامعيّة.


الخارطة السياسية
لم تشذّ الحملات الانتخابية لهذه السنة عن القاعدة، برغم تراجع منسوب العنف والمواجهات الذي تشهده في العادة، والتي يسعى من خلالها الاتحاد العام لطلبة تونس (اليسار)، إلى الحفاظ على مواقعه التقليدية، في عدد من جامعات في العاصمة والمحافظات صفاقس وسوسة والقصرين وسيدي بوزيد، وتعويض خسائره التي مُنِيَ بها في السنة الماضية بعد اكتساح الإسلاميين لعدد من الأجزاء، مستفيدين خاصة من حالة الانقسام التي تنخر منظّمة اتحاد الطلبة اليساريّة.

لكنّ معادلة أخرى نجحت في المتوقّع هذه السنة على الخريطة الجامعية بقوّة، متمثّلة في القوائم المستقلّة لعدد كبير من الطلبة الذين تقدّموا للسباق الانتخابي بعيدًا عن الانتماءات الضيّقة والتصنيف السياسي.

هي قوائم نجحت في قلب الموازين بعد نجاحها في الفوز، بعدد لا بأس به من المقاعد، كان أبرزه بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار والذي طالما اعتبر معقلا تقليديًّا لليسار، حيث تمكّنت القائمة المستقلة بالفوز بمقعدين، فيما آل المقعد الثالث للطالبة خديجة السويسي ممثّلة عن طلبة الماجستير والدكتوراه في معهد الصّحافة، صلب الاتحاد العامّ لطلبة تونس.

تقول خديجة (25 سنة): "نعم هنالك انقسامات في اتحادنا والإعلام لعب دورًا كبيرًا في التركيز على هذا الانقسام، ما رجّح الكفّة لفائدة إسلاميين ومستقلّين، إذ كان من المفروض في تغطية الانتخابات، أن تتمّ دعوة المعنيين الأساسيين بها في المنابر الإعلامية وهم القواعد الطلابية الذين قدّموا ترشّحاتهم.

وعلى العموم فإنّ الاتحاد فاز في اعتباري لأنّه صار يحوي جيلًا من الشباب الواعي والمثقّف، ومن ناحية ثانية فنحن قادرون على تقبّل الهزيمة أمام المستقلّين ورفاقنا احتفلوا في معهد الصّحافة مع المنتصرين المستقلّين ودعموهم حيث يعتبرون أن المنافسة شيء إيجابي، وليس سلبيّا، ونتعهّد نحن من جهتنا بتقديم الدعم للطلبة المستقلين الذين فازوا في مرحلة الإجازة بمعهد الصّحافة".


استقلالية الطالب
الطالب الفائز بمقعد جامعي مستقلّ عن مرحلة الإجازة إلياس بن صالح يصرّح لنا: "أنا أعتقد أن القائمة المستقلة والتي فازت بالأغلبية في معهدي سوف تحدث تغييرًا على مستوى اتجاهات الطلبة، أصلا الطلبة الذين انتخبونا والذين يمثلون الأغلبية أعطوا ثقتهم لنا ولنظرتنا ولبرنامجنا الذي كان واقعيًا. الاستقلالية التامة والحيادية هي من صفات الناجحين لذلك، فنحن كطلبة مستقلّين أيقنّا أنّ التّحرّك لتقديم ترشحاتنا لانتخابات المجالس العلمية واجب حتمي من أجل إحداث تغيير في عقول الطلبة، وحثهم على الخروج من بوتقة الصراع الثنائي بين اليمينيين واليساريين الذي ضقنا به ذرعًا، حيث ما فتئ الفريقان يتهافتان منذ قديم على المقاعد متناسين مشاغل الطلبة في معاهد شبه ميتة، والتغيير يكمن في نشر ثقافة التسامح ولمّ الشمل بين كل الأطراف دون أي انتماءات قد تعمل على التفريق بيننا جزافا".


خطاب اليساريين 
كريم البوعلي هو طالب سنة ثانية ماجستير، وهو ناشط صلب الاتحاد العام التونسي للطلبة يقول: "الاتحاد العام التونسي للطلبة هو الفائز على صعيد وطني بـ262 مقعدًا بنسبة فاقت الـ50% من مجموع المقاعد المتنافس عليها بما يعني أنّ اليساريين لم يعودوا بقوّة كما يدّعون، بل تقهقروا أمام اتحادنا وأمام القوائم المستقلّة وتكبّدوا خسائر في معقلهم، مثل كليّة الحقوق بمنطقة المنار ومحافظة القيروان وغيرهما، لأنّ خطابهم لم يعد يقنع الكثير من الطلبة ولا يتلاءم مع ما تعيشه تونس في مرحلة التعدّديّة، والتعايش المشترك بين جميع التونسيين هذه، إضافةً إلى انقساماتهم التي تنبئ بمزيد التراجع إذا لم يتجاوزوا أزمتهم".

المساهمون