الانتخابات الرئاسيّة في الجزائر.. بوتفليقة الخاسر وإنْ فاز

11 ابريل 2014
"بركات" ضد بوتفليقة: "جبهة التحرير الوطني إلى المتحف" (getty)
+ الخط -

تتحدث الأوساط المعنيّة بانتخابات الرئاسة الجزائرية، المقررة في 17 ابريل/ نيسان الجاري، عن احتمال استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في منصبه. غير أنه حتى لو فشل بوتفليقة في مواجهة المرشح المنافس الأكثر قوّة، الحقوقي ووزير العدل السابق، علي بن فليس (69 عاماً)، فلن يُحدث ذلك تغييراً حقيقياً في مشهد السلطة الجزائرية، إذ إن تغيير الأشخاص لن يفضي إلى تغيير النظام.

هذا على الأقل ما تؤكده نظرة سريعة على السيرة السياسية للمرشحين المنافسين لبوتفليقة وهم، فضلاً عن بن فليس، اليسارية التروتسكية لويزة حنون (60 عاماً)، والعسكري السابق موسى تواتي (61 عاماً)، ورئيس حزب "عهد 54" علي فوزي رباعين، والمرشح الشاب ورئيس حزب "جبهة المستقبل" عبد العزيز بلعيد. جميع هؤلاء، باستثناء بلعيد، مرشحون سابقون لانتخابات الرئاسة، ويمكن اعتبارهم جزءاً من مشهد الديموقراطية الجزائرية الشكلية التي يحرّك عناصرها، من وراء الستار، القابضون على القرار السياسي في الجيش وأجهزة الاستخبارات.

يثير المشهد، إذاً، تساؤلات حول الهدف الذي يبتغيه صانع القرار السياسي في الجزائر من ترشيح بوتفليقة بالذات، وهو المرشح الذي يضطره وضعه الصحي المتدهور إلى التحوّل لـ"رئيس لامرئي". ولا تكفي الصبغة الأمنية لنظام الحكم الجزائري، الذي وُلد من رحم المواجهة مع فرنسا، لتفسير ما يجوز اعتباره "لامعقوليّة" خيار التجديد لبوتفليقة الذي يمضي معظم أوقاته في المستشفيات الفرنسية.

ثمّة سؤال يُطرح في هذا السياق: هل توجد أيّة ضمانات لإتمام بوتفليقة لولايته الرابعة؟

إن كانت الإجابة بالنفي، نظراً إلى الوضع الصحي البائس للرئيس، فلا بد أن يكون النظام الجزائري قد وضع في الحسبان احتمال "انقطاع" الرئيس، وضرورة "استمرار النظام". وعليه، يبدو أن ثمّة خليفة في الأفق، يحقق هذه الاستمرارية. وقد يشكل الأخ الشقيق للرئيس، سعيد بوتفليقة، والذي يوصف بأنه "مستشار الرئاسة الخاص"، تجسيداً لهذه الاستمرارية.

ليس ثمّة أيّة معطيات واقعيّة راهنة ترجّح هذا الاحتمال بالطبع، ولكن ثمّة استدراك يمكن أن يكتسب زخماً من العلاقة التي تربط بوتفليقة بالجيش والاستخبارات، والتي كان آخر مظاهرها، تجريد بوتفليقة لأحد أقوى أعمدة السلطة الاستخباراتية، وصانع الساسة الجزائريين على مدى عقدين، الجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق، من صلاحيات أضعفت موقعه، وهو ما قد يمهّد لظهور رئيس "مدني" للجزائر، يتناسب مع تطلعات نُخَب السلطة التي لا بد أن تتجدد، وتخرج من التراث "الثقيل"، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لحزب "جبهة التحرير الوطني".

وعلى الرغم من الاستبعاد شبه التام لاحتمال هزيمة بوتفليقة، مرشح المؤسسة العسكرية وابن حزب "جبهة التحرير الوطني"، إلا أن أسباباً كثيرة تدفع باتجاه اعتباره "خاسراً" حتى في حال فوزه. قبل كل شيء، يجدر التوقّف عند حالة من اللامبالاة العامة التي تسود أوساط الجزائريين، حيال الانتخابات الرئاسية. فالولاية الرابعة المرجّحة للرئيس المريض دوماً (77 عاماً)، لم تعد مرتبطة في وجدان عموم الجزائريين، بما اتخذته الولايات الرئاسية السابقة على مستويي الأمن والاستقرار. هذا ما تؤكده الوقائع، التي جرت وتجري، منذ انطلاق الحملة الانتخابية، في 23 مارس/ آذار الماضي. في الولايات السابقة، كان وصول بوتفليقة إلى سدة السلطة، يرتبط في أذهان الجزائريين، بنهاية عقد التسعينيات، المعروف بـ"العشريّة السوداء". آنذاك، كان المطلب الأبرز والأهم، وربما الوحيد، للشعب الجزائري، هو تحقيق الأمان والاستقرار، بعد أعمال العنف الدامية والمرعبة التي أودت بحياة 200 ألف شخص في الحرب الأهلية بين الجيش والإسلاميين في عموم أرجاء البلد الأكبر عربياً والأغنى في القارة الإفريقية.

"من أجل جزائر آمنة وقويّة"، هو الشعار الرسمي للحملات السابقة لبوتفليقة في الولايات الجزائرية الـ48. وقد شكّل "الأمن" و"القوّة" تطلّعين أساسيين في الذهنية الجزائريّة العامة نهاية القرن الماضي، في حنين إلى أيام "الماضي الجميل" في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، حين كان سكان العاصمة يتركون أبواب بيوتهم مفتوحة خلال الليل، على حد ما يرويه هؤلاء.

اليوم، وقبل أسبوع من توجّه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، وفي وقت تشير فيه تقارير إعلاميّة إلى أن نسبة المشاركة ستشهد انخفاضاً حادّاً، لا يشكل "الأمن" أحد العناصر التي يمكن للناخب الجزائري أن يختار بوتفليقة على أساسها، إذ تشهد ولايات جزائريّة عدة، اضطرابات أمنية على خلفية الاحتقان المرير، والتاريخي، بين العرب والأمازيغ، وهذا ما أدى إلى تجدد اندلاع أعمال عنف واسعة في ولاية غرداية (جنوب)، بعد مباراة كرة قدم الشهر الماضي. تُضاف إلى ذلك، الاضطرابات التي أثارها أعضاء الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة، في عدد من ولايات الشرق الجزائري، ذات الغالبية الأمازيغية، والتي حاولت حركة المعارضة الأساسيّة لإعادة انتخاب بوتفليقة، "بركات" (يكفي)، تجييرها لصالح اعتراض سياسي على النظام الجزائري، الذي يشكل جنرالات الجيش أعمدته الرئيسية لناحية النفوذ والثروة والفساد والمحسوبيات.

وعلى الرغم من حال الاعتداد بـ"الوطنية الجزائرية" التي يتمتع بها الشعب، إلا أن "القوّة"، كعنصر آخر من عناصر الجذب الانتخابي لبوتفليقة، بدأت تُعزل عن أبعادها الاقتصادية والاجتماعية، لصالح بعد واحد فقط هو البعد العسكري، عبر صفقات التسليح الكبيرة التي يعقدها النظام الجزائري، ويراكم، من خلالها، ترسانة عسكرية لا تساهم جديّاً في حربه على الإرهاب، الأمر الذي يحوّل الجزائر إلى "مارد بقدمين من طين".

كل ما سبق قد يفسّر القول إن الانتصار شبه المؤكد لبوتفليقة، صاحب أطول حقبة حكم في تاريخ البلاد (منذ 1998)، سيشكل تمهيداً لتعميق وتعقيد الأزمات، متعدّدة الأبعاد والمستويات، التي تعيشها الجزائر.