الانتخابات الرئاسية في تونس تقلق المستثمرين

24 سبتمبر 2019
مطالب ببرنامج اقتصادي واضح لزيادة الاستثمارات (فرانس برس)
+ الخط -
أدت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية في تونس إلى حالة توجس اقتصادي، بسبب غياب برامج تنموية واضحة للمترشحين المتأهلين للدور الثاني.
وفي الوقت الذي كانت الأوساط الاقتصادية تنتظر مزيدا من الاستقرار في الوضع السياسي وتطمينات أكبر للمستثمرين، جاءت نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية لتعيد وضع البلاد إلى نقطة الصفر، وسط توقعات بمزيد من تأزم الوضع بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد انتهاء الرئاسية.

وجاء قلق الاقتصاديين في تونس من تداعيات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على المناخ الاستثماري من تقارير مؤسسات التصنيف الصادرة أخيرا، حيث اعتبرت وكالة "فيتش رايتنغ"، في بيان لها، أن الانتخابات الرئاسية التونسية ستزيد من حالة عدم اليقين السياسي بعد تصدّر شخصين "غريبين" في الجولة الأولى من التصويت، متوقعة أن تؤدي حالة عدم اليقين هذه إلى زيادة المخاطر السياسية.
وقالت وكالة التصنيف إن من بين الصعوبات التي قد تواجهها البلاد في حالة عدم اليقين، أن تكون هناك ضغوطات على التمويل الخارجي، الأمر الذي سيؤثر في الإصلاح المالي والاقتصادي للبلاد.

أشارت فيتش إلى أن قيس سعيد ونبيل القروي المتأهلين إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها تغلبا على رئيس الحكومة يوسف الشاهد. 
وأضافت أن إجراء انتخابات في ظرف وجيز إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، يدل على أن الديمقراطية في تونس تسير بيسر، إلا أن احتمال فوز نبيل القروي في الدورة الثانية من الانتخابات من شأنه أن يثير مخاطر باحتمال وقوع أزمة سياسية باعتبار عدم وضوح إطلاق سراحه أو مواصلة إيقافه وعدم السماح له بتولي منصبه في حال الفوز.

وانتقدت فيتش عدم تقديم أي من الفائزين في الدور الأول للانتخابات برنامج سياسات اقتصادية، وأشارت إلى أنه على الرغم من أن السياسة الاقتصادية الداخلية للبلاد هي من مسؤوليات رئيس الحكومة وحكومته، إلا أن النزاعات التي قد تنشأ بين رأسي السلطة التنفيذية من شأنها أن تعرقل وضع السياسات.
وفي السياق، يقر الخبير الاقتصادي محمد المنصف الشريف، بصعوبة الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، قائلا: من غير المستبعد الوصول إلى نفق مسدود بعد الانتخابات البرلمانية.

وأضاف الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن كل المؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي تؤكد أن الأحزاب المترشحة للانتخابات البرلمانية غير قادرة على الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة.
وتابع أن الأحزاب الصاعدة ليست لها الرؤى والبرامج والتوجهات نفسها، وتنتمي إلى عائلات سياسية "متنافرة"، ما يجعل من تشكيل الحكومة في آجالها القانونية أمرا مستبعدا، وهو ما يزيد من تأزم الوضع الاقتصادي، وقد يؤثر على تمويل الموازنة القادمة وسحب بقية أقساط قرض صندوق النقد الدولي.

وقال الخبير الاقتصادي: تونس اليوم أمام وضع غريب وشائك، معتبراً أن فوز قيس سعيد أو نبيل القروي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية لن يحد من وقع الأزمة السياسية التي تسير إليها تونس لعدم قدرة الشخصين على تجميع الفرقاء السياسيين حول طاولة حوار أو برنامج اقتصادي واضح تتعهد أي حكومة بتنفيذه.
وتوقع الشريف أن تتحول حكومة الشاهد بعد الانتخابات البرلمانية إلى حكومة تصريف أعمال وأن تستمر في مهامها إلى حين إيجاد مخرج للوضع "الغريب" الذي تعيشه تونس.

وأفاد بأنه في أثناء هذه التطورات، سيظل الاقتصاد التونسي يدفع فاتورة الأزمات السياسية وتظل نسب النمو ضعيفة ويتواصل إحجام المستثمرين المحليين والأجانب عن المجازفة، ما يلقي بظلاله على قيمة الدينار ومعيشة التونسيين ويخلق حالات جديدة من الاحتقان الاجتماعي، بحسب قوله.
وتكشف نتائج الجولة الأولى من الانتخابات عن الانقسام المتزايد في المشهد السياسي التونسي، وتكشف نسبة المشاركة في الانتخابات البالغة 49% عن خيبة أمل شعبية.

وأكدت "فيتش" أن عدم اليقين السياسي المحيط بالانتخابات الرئاسية والتشريعية قد يؤدي إلى شلل سياسي، واستشهدت بما جاء في خطابها المصاحب لتثبيت تصنيف تونس السلبي في يونيو/ حزيران الماضي، وهو ما من شأنه أن يعرقل عملية الإصلاح المالي والاقتصادي.
وحذرت "فيتش" من أن أي تأخر في تشكيل الحكومة المقبلة قد يشكل خطرا على الصلابة المالية.

ولا يزال الاقتصاد التونسي، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها الحكومة في السنتين الماضيتين لتحسين مناخ الاستثمار، يعاني من نسب نمو ضعيفة لم تتجاوز 1.1 بالمائة في الربع الثالث من العام الحالي.
وأظهرت بيانات رسمية حديثة، أنّ معدل التضخم السنوي في تونس ارتفع إلى 6.7%، في أغسطس/ آب الماضي، مقارنة مع 6.5% في يوليو/ تموز الماضي.

وكان البنك المركزي التونسي قد رفع سعر الفائدة الرئيسي، في فبراير/ شباط الماضي، إلى 7.75%، من 6.75%، لكبح معدلات التضخم العالية، ما تسبب في زيادات كبيرة في كلفة القروض الممنوحة للتونسيين من مختلف المصارف المحلية.
ويرى عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال)، عبد السلام الواد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن نتائج الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية تنذر بغموض كبير يحوم حول الوضع السياسي والاقتصادي في تونس يعصب معه التنبؤ بما قد يحدث في الأشهر القادمة.

وأضاف أن حالة الترقب والإحجام عن الاستثمار قد تطول في الفترة القادمة، معتبرا أنه من حق المتعاملين الاقتصاديين المطالبة بضمانات قبل "المغامرة" بمشاريع جديدة، ومن أهمها الاستقرار السياسي. وقال الواد إن البرامج الاقتصادية للمترشحين المتأهلين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية مبهمة وغامضة ولا تقنع المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين، مطالبا بمزيد من الوضوح في مجال اختصاصات الرئيس الاقتصادية، ولا سيما المتعلقة بالعلاقات الخارجية والدبلوماسية الاقتصادية. 
وتوقع أن ينعكس الوضع السياسي في البلاد على نسبة النمو في الربع الأخير من السنة وأن تزيد الاحتجاجات الاجتماعية.

وتترقب تونس زيارة جديدة لوفد خبراء صندوق النقد الدولي في إطار مهمة المراجعة السادسة التي تتزامن مع زخم من الأحداث السياسية التي تعيش على وقعها البلاد، وسط توقعات بأن تكون هذه المراجعة الأكثر صرامة من قبل المؤسسة المالية الدولية التي تضغط على الحكومة من أجل استكمال ما تبقى من الإصلاحات.
وتبدأ مهمة صندوق النقد يوم الخميس، في فترة تتأهب فيها تونس للانتقال إلى مرحلة حكم جديدة تفرزها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما يرجح أن يحمل مشروع الموازنة القادم المزيد من الإجراءات بشأن الإصلاحات الضريبية ومراجعة سياسة الدعم وإصلاح المؤسسات الحكومية.

المساهمون