لا يتعامل الإعلام الفرنسي في تغطيته للحملة الانتخابية الرئاسية إلا مع المرشحين "الكبار"، أو الذين يُسوّقهم باعتبارهم كباراً. هكذا، يفتح لهم منابره وشاشاته، مثل مرشحة "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة مارين لوبان، ومرشح "الجمهوريون" فرانسوا فيون، ومرشح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، والمرشح المستقل إيمانويل ماكرون، ومرشح اليسار الراديكالي جان-لوك ميلانشون. يضع الإعلام كل هؤلاء في دائرة الأضواء، مركزاً عليهم وناسياً أو متناسياً مجموعة كبيرة من المرشحين الصغار، أو بالأحرى الذين اتفق على تسميتهم بالصغار، أي روّج مسبقاً لفكرة دونيتهم. صحيح أن هؤلاء الكبار هم الشجرة التي تخفي الغابة، ولكن صحيح أيضاً أن هؤلاء "الصغار" لن يخلقوا المفاجآت التي غالباً ما تخفيها أي غابة. ولكن غض الطرف عنهم أو "التكرم" عليهم ببضع دقائق، يكشف كثيراً من الظلم الذي لم يستطع المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي، إيجاد حلّ له.
وبوتو يترشح للمرة الثانية خلفاً للمرشح الكاريزمي، أوليفييه بوزانسونو. وهناك مرشحة أخرى (من اليسار الراديكالي)، ناتالي أرتو، التي تترشح لثاني مرة عن حركة "النضال العمالي"، خلفاً للقائدة التاريخية للحركة، أرليت لاغييه. ويوجد مرشّحون يساريون آخرون، مثل مرشح حركة "توزيع جديد"، بيير لاروتو، الذي يَعد بتوفير مليونَيْ وظيفة، ولا يخفي غضبه لتجاهل وسائل الإعلام لحركته. ويخوض السباق الرئاسي عن "اليسار الجمهوري" و"اليسار السيادويّ"، باستيان فودو، كما انضم إلى نادي المرشحين، اليساري سيباستيان نادو، الذي لا يخفي قرابة إيديولوجية مع الأمين الأسبق للحزب الشيوعي الفرنسي، روبير هو، قبل مغادرته وتأسيسه "حركة التقدميين".
كذلك، تشهد أوساط اليمين الفرنسي دفقاً في المرشحين. وهناك أربع شخصيات سياسية لم تَسَعْهم رحابة الانتخابات اليمينية الفرعية، فقرروا تحديها والتغريد من خارجها. وعلى رأسهم اليميني، زعيم حزب "نهوض فرنسا"، نيكولا دوبون إينيان، الذي يتموضع بين اليمين التقليدي وبين خط مارين لوبان، وهو شارك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحصد 1.8 في المائة. ووزيرة الداخلية السابقة، ميشيل أليوت-ماري، التي اشتهرت بفضيحة تسليح الشرطة التونسية لقمع الثورة عام 2011، تترشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية حتى تضمن منصباً كبيراً لها، من حزب "الجمهوريون"، في حال تراجعها، بحسب ما تقول المصادر. ويشارك في المنافسة منْ كان يتولى منصب كبير مستشاري الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، وكاتب خطاباته، هنري غينو، الذي يرفض مبدأ الانتخابات الفرعية باسم "الديغولية"، التي تعتبر الانتخابات لقاءً بين "قائد مُلهم وشعب". وهناك المرشحة من أصول سنغالية، راما ياد، التي تم طردها من حزب "الاتحاد الديمقراطي المستقل" عام 2015، والتي تترشح باسم حركة "فرنسا التي تجرؤ". لكن راما ياد التي تميزت بانتقاد الخيمة المنصوبة للديكتاتور الليبي، معمر القذافي، في قلب باريس عام 2007، تجد نفسها معزولة ولم تنجح بعد في ملء الملف الضروري للترشح.
وإلى جانب مرشحي اليسار واليمين، يمكن للناخب الفرنسي، المتذمر من المرشحين الكبار، أن يصوت لمرشحين آخرين، منحدرين من المجتمع المدني ومرشحين آخرين غير نمطيين. فالمترشح ستيفان غويو، يريد استقطاب الناخب الذي لا يجد نفسه ممثلاً في برامج أي مرشح رئاسي، ويَعد، إنْ فاز، في تنظيم استفتاء حول دستور فرنسي جديد. وإلى جانبه، هناك المرشحة شارلوت مارشانديز، وهي فازت في "الانتخابات الفرعية المواطنيّة" التي جرت على شبكة الإنترنت في إطار دورتين وشهدت تصويت أكثر من 32 ألف شخص، في الخريف الماضي.
وتتعزز قائمة مرشحي المجتمع المدني بترشح الكاتب والروائي و"السيناريست" الفرنسي، ألكسندر جاردان، وهو الناطق باسم حركة "بيت المواطنين". ويطمح إلى "منح السلطة للناس"، ويأمل في بث إشعاع اللغة الفرنسية ومحاربة كل أشكال الظلم والمحاباة.
ويوجد مرشح مثير للجدل، جان لاسال، الذي كان مقرباً من زعيم تيار الوسط، فرانسوا بايرو، والذي نال إعجاب الفرنسيين حين أضرب عن الطعام خلال أكثر من شهر في البرلمان الفرنسي دفاعاً عن عمال دائرته الانتخابية، حتى نجح في تحقيق مراده. لكنه أثار امتعاض كثير من رفاقه، كونه واحداً من الذين قاموا بزيارات إلى سورية للقاء رئيس النظام بشار الأسد. ومن المرشحين أيضاً، أحد الناطقين باسم "القبعات الحمر"، كريستيان ترواديك، وهو يمثل التيار الذي يدافع عن الأفكار الجهوية، عبر رفض "المركزية الفرنسية" الخانقة، حسب رأيه.
في المحصلة، يبلغ عدد من يخوض السباق الرئاسي في فرنسا، 16 مرشحاً "صغيراً"، إلى جانب المرشحين "الكبار" الخمسة. ولكن هذا لا يعني أنهم سيظلون مرشَّحين حتى النهاية، لأن الأمر لا يقتصر على النيّة ومخاطبة الفرنسيين وحسب، بل إن الأصعب قبل إيداع ملفات ترشيحاتهم، هو الحصول على توقيعات كافية. ويتعلق الأمر بـ500 توقيع من قبل مُنتَخبين (نواباً من البرلمان ومجلس الشيوخ والمستشارين البلديين ورؤساء الهيئات المحلية) من 30 جهة ومُقاطَعَة في فرنسا على الأقل، وهذا قد لا يكون متاحاً للجميع.