02 أكتوبر 2024
الانتخابات البلدية واللامركزية في الأردن.. رهانات وقانونان جديدان
هاني حوراني
باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.
خلال أقل من عام دخل الأردن غمار دورة انتخابية جديدة، فبعد الانتخابات البرلمانية في 20 سبتمبر/ أيلول 2016، يذهب الأردنيون اليوم (15 أغسطس/ آب 2017) للإدلاء بأصواتهم لانتخاب مجالس محلية وبلدية جديدة، وأخرى على مستوى المحافظات، للمرة الأولى بموجب قانون اللامركزية الذي صدر في 2015.
وقد نظر إلى قانوني البلديات واللامركزية اللذين صدرا في عام واحد باعتبارهما حزمة متكاملة للانتقال بالأردن إلى اللامركزية الإدارية، والتي تأتي تتويجاً لحوارات ومداولات متقطعة استمرت عقدين. وتنظر السلطات الأردنية إلى اللامركزية الإدارية أنها أحد مخرجات الإصلاح الإداري والسياسي، والتي سوف تسمح للمواطنين بمساحةٍ أكبر للإسهام في صنع القرار على صعيد مناطقهم، ولبلورة خياراتهم التنموية.
وإذا كان مفهوماً أن توظف السلطات الحكومية عملية الانتخابات البلدية واللامركزية من أجل تعزيز شرعيتها السياسية، وهذا متوقع، خصوصا في ظروف تصاعد الشكوى الداخلية من ارتفاع الأعباء المعيشية ومعدلات الفقر والبطالة، ومن لجوء الحكومة إلى فرض مزيد من الأعباء الضريبية، من دون معالجة ناجعة لتفشي ظواهر الفساد الإداري والمالي، إلا أن المحك الحقيقي لجدوى هذه الدورة المزدوجة من الانتخابات البلدية واللامركزية ومغزاها هو مدى استجابتها لطموحات المواطنين وقوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية في تحقيق نقلة نوعية على طريق الإصلاح والتنمية المحلية، وإتاحة الفرصة للمواطنين للحصول على خدمات أفضل، وفرص حقيقية للمشاركة في صنع القرار.
تجري انتخابات كل من المجالس البلدية والمحلية ومجالس المحافظات اليوم بموجب قوانين جديدة لم تختبر من قبل، فالبلديات سوف يتم انتخاب رؤساء مجالسها وأعضائها بموجب قانون البلديات رقم 41 لعام 2015، فيما يتم انتخاب رؤساء مجالس المحافظات وأعضائها بموجب قانون اللامركزية رقم 49 لعام 2015. وذلك بعد أن أُخضع القانونان أعلاه لماراثونات من النقاشات المستفيضة على المستوى الوطني، كما على صعيد المحافظات. لكن القانونين عندما أقرّهما المجلس النيابي السابق لم يأخذا إلا بقليل من مقترحات التعديل التي تقدم بها رؤساء وأعضاء مجالس بلدية وقادة أحزاب وخبراء قانونيون. وبهذا المعنى، فإن الانتخابات سوف تتأثر سلباً بتجاهل الحكومة للانتقادات والتعديلات المقترحة على القانونين.
قانون البلديات.. ما له وما عليه
مثّل قانون البلديات الجديد خطوة إيجابية إلى الأمام، عندما عاد عن خطوة "دمج البلديات" في عدد أقل من المؤسسات البلدية قبل سنوات، واعتمد بدلاً من ذلك صيغة المجالس المحلية التي تقع في مقامٍ وسيط بين المواطنين والمجالس البلدية، وتمثل عادة البلدات والقرى الصغيرة البعيدة عن المراكز البلدية، وهو ما يعزّز التمثيل الشعبي من خلال هذه المجالس.
وفي المقابل، انتُقد القانون جرّاء إفراطه في منح وزير البلديات صلاحيات واسعة تمنحه الحق في التدخل في شؤون البلديات وأعمالها اليومية، وهي صلاحياتٌ تشمل مجالاتٍ حيوية، مثل تعيين عضوين إضافيين في المجلس البلدي، وكذلك تعيين مدير تنفيذي للبلدية. واشترط القانون موافقة الوزير المسبقة على اقتراض البلديات، وعلى إقامة تحالف أو شراكة بين البلديات المتجاورة.
ومن ناحية أخرى، خفّض القانون الجديد سن الناخب من 19 سنة إلى 18 سنة، ما يوسّع قاعدة الناخبين. وقد نص القانون بصورة أوضح على الدور التنموي والاستثماري للبلديات، حيث أعطاها صلاحية استثمار أموالها المنقولة وغير المنقولة، وفتح الباب أمام قيام تحالفات وشراكات تنموية بين البلديات. كما أوكل مهمة الإشراف على إجراء الانتخابات البلدية والمحلية إلى الهيئة المستقلة للانتخابات، بدلاً من وزارة البلديات التي كانت تدير هذه الانتخابات عشرات السنين من دون رقابة مستقلة أو شفافية حكومية.
وتشمل صلاحيات الوزير، بموجب قانون البلديات الجديد، تحديد الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضابطة العدلية، والمصادقة على ميزانية البلدية، بل منحت المادة 72 من قانون البلديات الوزير (أو الموظف الذي يفوّضه) أن يقوم، في أي وقت، بالتفتيش على أي بلدية أو مجلس محلي، وبإجراء فحص فجائي على صناديقها وأماكن العمل فيها والمستودعات والمكاتب التابعة لها، والاطلاع على معاملاتها والقرارات الصادرة عن المجلسين، البلدي والمحلي، ما يعني أن للوزير حق ممارسة سلطات إدارية مطلقة، تتضمن التفتيش الإداري والمالي، وصولاً إلى سلطة الاستجواب والتحقيق.
ونصّت تعديلات أُدخلت على قانون البلديات الجديد على تعيين مجلس الوزراء أمين عمان وثمانية من أعضاء مجلس أمانة عمان، من أصل 38 عضواً هم إجمالي عدد أعضاء المجلس. وهو ما يعني أن 22 عضواً يمثلون 22 منطقة ينتخبهم مباشرة الناخبون المسجلون، فضلاً عن ست نساء هي حصة/ كوتا المرأة في المجلس، ويتم اختيارهن من الحاصلات على أعلى نسبة تصويت على مستوى مناطق العاصمة. وكان مطلب انتخاب المواطنين مباشرة أمين عمان وجميع أعضاء مجلس أمانة المدينة، أسوة ببقية بلديات الأردن، قد رفع منذ عشرات السنين دونما استجابة، وهو الأمر الذي جعل شاغلي منصب الأمين بعيدين عن المساءلة الشعبية ومحصّنين من الخضوع لسلطة القضاء.
ومن الانتقادات الموجهة لقانون البلديات أنه لم يحدّد أي مؤهل علمي شرطا لمن يترشح لتولي مهام رئيس البلدية. والواقع أن مجلس النواب السابق، وليس الحكومة، هو المسؤول عن عدم وضع حد أدنى لمستوى تعليم رئيس البلدية، بتراجعهم عن هذا الشرط عند إقرارهم القانون.
قانون اللامركزية.. حسبة "المغانم والمغارم"
أما قانون اللامركزية رقم 49 لعام 2015، فهو تشريع جديد على الحياة الأردنية، وإن كانت مقدّماته الفكرية والسياسية ليست كذلك، إذ تعود الى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، حين شُكلت لجنة ملكية لدراسة تقسيم الأردن إلى أقاليم ثلاثة، تمهيداً لتطبيق اللامركزية الإدارية على مستوى المحافظات.
وفي عام 2011 وضعت الحكومة (وكانت برئاسة معروف البخيت) الخطوط العريضة لقانون اللامركزية، لكن خلافاتٍ داخل الحكومة نفسها حالت دون عرضه على مجلس النواب. وفي هذه الأثناء، ظلت اللامركزية موضوعاً جدلياً في صفوف النخب الحكومية والحزبية والسياسية، إلى أن أقر المجلس النيابي السابع عشر قانون اللامركزية رقم 49 في نهاية عام 2015. ومع ذلك، ظل القانون المذكور خلافياً ومحل نقاش مستمر ومطالبة بتعديله وتحسينه.
من بين أسئلةٍ أُثيرت بشأن اللامركزية الإدارية: هل الأردن، بمساحته الجغرافية الصغيرة نسبياً، بحاجة إلى اعتماد نظام اللامركزية؟ وهل تفوق عوائد تطبيق اللامركزية الإدارية وفوائده أو تعوّض الأعباء المالية المترتبة على تطبيق اللامركزية الإدارية على مستوى المحافظات؟ علماً أنه سيكون ل 12 محافظة في الأردن مجالس خاصة بها. بما في ذلك بنى
تحتية ونفقات جارية ومخصّصات مالية للأعضاء. على أن ممثلي الأقاليم والمحافظات، بعكس بعض نخب العاصمة، يظهرون حماساً أكبر لاعتماد اللامركزية الإدارية، ويرون فيها واحداً من أهم ركائز الحكم الرشيد، بما تتيحه من مشاركة شعبية في صنع القرار، وترك إدارة الشؤون المحلية لمجالس بلدية وجهوية منتخبة من المجتمعات المحلية، وبعيدة عن الحكومة المركزية.
يبرّر دعاة اللامركزية أهمية القانون 49 لسنة 2015 بأنه يوسّع مشاركة المواطنين في الحياة العامة، ويرفع مستوى المشاركة الشعبية في تحديد الأولويات التنموية للمناطق، ويحقّق التوازن التنموي بين المحافظات، تمهيداً لتقليل التفاوتات ما بين العاصمة والمحافظات الأقل حظاً. كما أن اللامركزية الإدارية تسهم في إعادة توزيع السلطات في الدولة وعدم الإبقاء على تمركزها في الحكومة المركزية. هذا إلى جانب أنها تساعد على رفع كفاءة نظام الحكم المحلي وفعاليته، وتسهل الخدمة العامة.
وهكذا، فإنه بموجب القانون المذكور، سيكون لكل محافظة مجلس منتخب هو مجلس المحافظة، يُنتخب 85% من أعضائه مباشرة من المواطنين، ومن هؤلاء يتم اختيار 10% على شكل حصة محفوظة للنساء (كوتا)، فيما تعيّن 15% من أعضاء مجلس المحافظة، على أن يكون ثلث هذه النسبة من النساء.
وبعد جدل طويل دستوري وسياسي داخل مجلس النواب والأعيان، منح القانون مجلس المحافظة وضعية الشخصية الاعتبارية ذات الاستقلال المالي والإداري، ومدة عمله أربع سنوات. أما مهامه فهي إقرار مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية المتعلقة بالمحافظة، والمحالة إليه من المجلس التنفيذي للمحافظة؛ التأكد من تنفيذ هذه الخطط؛ إقرار مشروع موازنة المحافظة المحالة إليه من المجلس التنفيذي؛ الاطلاع على تنفيذ الموازنات السنوية لبلديات المحافظة؛ إقرار دليل احتياجات المحافظة من المشاريع التنموية والخدمية، وتحديد أولويات تلك الاحتياجات.
ولمجلس المحافظة صلاحيات أخرى، منها إقرار المشاريع الخدمية والاستثمارية والمشاريع التنموية المحالة إليه، فضلاً عن مناقشة تقارير تنفيذ المشاريع والخطط والبرامج التي تتولى الدوائر الحكومية في المحافظة تنفيذها، واقتراح إنشاء المشاريع الاستثمارية، ووضع التوصيات والمقترحات اللازمة لتحسين أداء الدوائر والمؤسسات الحكومية والعامة في نطاق المحافظة، وتحديد المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات والتنمية، أو من مشكلات طارئة واقتراح الحلول لها.
وفي مقابل مجلس المحافظة، يتشكل المجلس التنفيذي للمحافظة، يرأسه المحافظ، ويضم عدداً من نوابه ومساعديه والمتصرفين ومديري الأقضية ومديري المديريات الحكومية في المحافظة وثلاثة مدراء تنفيذيين للبلديات. وأهم مهام المجالس التنفيذية للمحافظات إعداد مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية على صعيد المحافظة، ودليل باحتياجات المحافظة التنفيذية والخدمية، إعداد مشروع الموازنة المالية للمحافظة، وإعداد خطط الطوارئ اللازمة على مستوى المحافظة لمواجهة حالات الكوارث في الفيضانات والثلوج والحرائق وغيرها.
وهكذا، سيجد الأردن نفسه، بعد انتخابات اليوم (15/8/2017) أمام ثلاثة مجالس منتخبة بأغلبيتها، هي المحلية والبلدية والمحافظات، ومجلساً رابعاً معيناً من طبيعة تنفيذية هو المجلس التنفيذي للمحافظة، وتجسّد هذه المؤسسات هيكل نظام اللامركزية الذي أرساه قانونا البلديات واللامركزية.
وعلى الرغم من أن صلاحيات/ مهام مجلس المحافظة تبدو ذات طبيعة رقابية، وتعطيه حقوق المساءلة للمجلس التنفيذي، إلا أن كلمة "رقابة" لم ترد صراحةً في وصف مهام مجلس المحافظة، كما لم يمنح سلطةً تعلو على المجلس التنفيذي، ما يعني أن مجلس المحافظة، المنتخب بأغلبية أعضائه، "استشاري" بلا أنياب أو أظافر. وانصبت التحفظات والانتقادات لقانون اللامركزية على وجود تداخلات بين صلاحيات المجالس البلدية ومهامها من ناحية ومجلس المحافظة والمجلس التنفيذي من ناحية أخرى، كما انتقدت آلية تقسيم الدوائر الانتخابية في المحافظات حسب عدد السكان بنسب غير متوازنة.
أعداد ومعطيات
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب وصول أرقام المترشحين للانتخابات البلدية والمحلية ومجالس المحافظات إلى 6950 مرشحاً ومرشحة، يتنافسون على نحو 2500 موقع في المجالس المذكورة. ومع أن الأردنيين عموماً، ولا سيما في المحافظات شبه الريفية والأطراف، يحبون الانتخابات، ويرون فيها تكثيفاً لممارسات اجتماعية قديمة، مثل الالتقاء في المضافات والدواوين الانتخابية في الأمسيات والاستمتاع بتناول الطعام والحلويات وتبادل الأحاديث، والانخراط في نهاية الأمر في "لعبة الانتخابات"، إلا أن هذا كله لا يندرج ضمن منطق المشاركة الشعبية وسياقاتها في صناعة القرار، واختيار المرشحين على أساس برامج أو رصيد المرشحين من الخبرة والعمل العام.
ومع ذلك، لا يعد تقدّم هذا العدد للتنافس على المقاعد المحلية والبلدية وفي مجالس المحافظات مؤشراً على وجود إقبال استثنائي على الانتخابات، حتى بالمنطق العشائري، كما حال التنافس القائم في هذه الانتخابات. إذ كان متوسط الإقبال على الترشح دون ثلاثة مرشحين على كل مقعد، وهو ما يمكن وصفه بالإقبال الفاتر على الترشح لانتخاباتٍ ذات طابع محلي وجهوي، أكثر منه سياسيا، حيث يفترض أن تحتدم فيها المنافسات. وذلك لأسباب عدة، أبرزها ارتباط المجالس المحلية والبلدية والجهوية مباشرة بمصالح الناس، وتفشّي التنافس ما بين العشائر (وداخل العشيرة والأسرة الواحدة) في مختلف المناطق، على الوصول إلى المجالس المحلية والبلدية والجهوية. ويجب إضافة أن عدد المرشحين النهائي لعضوية المجالس البلدية والمحلية واللامركزية انخفض إلى 6623 مرشحاً بعد انسحابات ورفض طلبات 658 شخصاً، يعادلون نحو 10% من المترشحين.
ولم تظهر طلبات الترشح إقبالاً كبيراً من النساء للترشح في هذه الانتخابات، حيث لاحظ برنامج "راصد" لمراقبة الانتخابات أن 95 دائرة انتخابية على صعيد مجالس المحافظات لم تترشح لها نساء، وهذه تمثل 60% من مجموع دوائر انتخابات مجالس المحافظات. بل الملفت أن نسبة النساء المترشحات لمجالس المحافظات لم تزد عن 9,1% من مجموع المترشحين، أي دون نسبة كوتا المرأة في المجالس.
وعلى الرغم من أن قانون البلديات يمنح كوتا خاصة للمرأة تصل إلى 25% من مقاعد المجالس البلدية، إلا أن عدد المترشحات لعضوية هذه المجالس لم يتعدّ 119 امرأة، أي ما دون 10% من عدد المترشحين الذكور. أما على صعيد المجالس المحلية (دون البلدية) فلم يزد عدد المترشّحات عن 1094، يتنافسن على 356 مقعدا نسائيا في هذه المجالس، أي أن متوسط التنافس النسوي لم يزد عن ثلاث مرشحات على كل مقعد. ويذكر هنا أن عدد النساء المترشحات لرئاسة البلدية لم يتجاوز ست نساء، أي ما يعادل 1% من مجموع المترشحين.
وعموماً، وصل متوسط المنافسة على رئاسة المجالس البلدية وعضويتها إلى ستة مرشحين لكل مقعد، وهو الأعلى مقارنةً بمجالس المحافظات، حيث وصل متوسط الترشح إلى 4,3 لكل مقعد، وكذلك مقارنة بالمجالس المحلية التي لم يتعد متوسط الترشح فيها عن مرشحين لكل مقعد.
مشاركة رمزية للأحزاب
عدا عن فتور الإقبال على الترشّح للانتخابات المحلية والبلدية والجهوية، أظهرت تقارير صحفية ضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الترشّح لهذه الانتخابات، في مقابل طغيان الطابع العشائري على التنافس الانتخابي. وفي هذا السياق، أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي أن مرشحيه يتنافسون على رئاسة ثلاث بلديات كبرى، إربد والزرقاء والرصيفة، كما تقدم بثلاثة عشر مرشحاً لعضوية مجلس أمانة عمان الكبرى، من أصل خمسين مرشحاً عنه لعضوية سائر مجالس المحافظات والبلديات والمحليات، بينهم عشر نساء. وبالمثل، أعلن حزب الوسط
الإسلامي عن ترشيح عدد مماثل، أي 50 مرشحاً للانتخابات البلدية واللامركزية، منهم 12 مرشحاً لرئاسة بلديات كبرى ومتوسطة، إضافة إلى 20 مرشحاً لعضوية مجالس بلدية، و12 شخصاً لانتخابات مجالس المحافظات، وستة أشخاص لعضوية مجلس أمانة عمّان الكبرى. ومن بين أحزاب اليسار، تقدّم حزب الشعب الديمقراطي (حشد) ب 23 مرشحاً، فيما تقدّم كل من حزب الوحدة الشعبية والحزب الشيوعي بستة مرشحين آخرين.
وأظهر استطلاع محلي، أخيرا، أن إجمالي المرشحين الحزبيين بلغ 4% فقط من العدد الإجمالي للمترشحين في هذه الانتخابات. وفي المقابل، بلغت نسبة المترشحين من متقاعدي القوات المسلحة والحكومة 40.8% من إجمالي المرشحين لمجالس المحافظات، يليهم رجال الأعمال بنسبة 14%.
ومع أن المتوقع أن تكون أحزاب وسطية ووطنية أخرى قد تقدّمت بمرشحين آخرين، أو أنها تدعم ترشيح شخصياتٍ محلية صديقة، إلا أن تواضع المساهمة الحزبية في الانتخابات البلدية واللامركزية ترقى إلى مستوى الفضيحة السياسية، وتقدم هذه الانتخابات مناسبة إضافية للتأكيد على عمق الأزمة البنيوية والبرامجية التي تعاني منها الحياة الحزبية الأردنية.
والوجه الآخر لغياب الأحزاب والبرامج السياسية في الانتخابات البلدية واللامركزية هيمنة السمة العشائرية على هذه الانتخابات، حيث بادرت عشائر إلى إجراء ما يمكن تسميتها "انتخابات داخلية" لفرز مرشحيها الأوفر حظاً بالفوز، وبالتالي حشد قواها وإقامة تحالفات عشائرية لضمان فوز مرشحيها. وبالنظر إلى تنوع المجالس المستهدفة وتعددها في هذه الانتخابات، بادرت بعض العشائر إلى الاتفاق على توزيع مرشحيها على هذه المجالس، لتفادي التنافس، ولتبادل الأصوات بين هؤلاء المرشحين. وهذا يعني أن الانتماء والتمثيل العشائري هو المعيار الأول والأبرز لهذه الانتخابات، وليس الكفاءة أو الخبرة أو التاريخ الشخصي للمرشحين. يؤكد ذلك استطلاعٌ حديث مع المترشحين أنفسهم، حيث أعلن 47.3% منهم أنهم يستندون إلى إجماعاتهم العشائرية، فيما استند 41% من المترشحين إلى إجماعات واتفاقات مناطقية، فيما قال 2.8% من المترشحين إنهم يستندون في ترشيحهم إلى قواعدهم الحزبية.
المشاركة الشعبية
يبلغ عدد الناخبين في انتخابات مجالس البلديات والمحافظات 4 ملايين و117 ألفاً، حسب الجداول النهائية للناخبين، المعتمدة من الهيئة المستقلة للانتخاب، وهم 53% من الإناث و46% من الذكور. ولا تشمل الأرقام العسكريين في سن الانتخاب، ولا الأردنيين المغتربين. وقد أُجريت استطلاعات للرأي العام بشأن المشاركة المتوقعة في انتخابات البلديات والمحافظات قبل أسابيع من موعدها، وتضاربت نتائج هذه الاستطلاعات بقوة ما بين استطلاع مركز "هوية" الذي أفاد بأن 67,1% من المواطنين الأردنيين يعتزمون المشاركة في الانتخابات واستطلاع برنامج "راصد"، التابع لمركز الحياة، والذي أظهر أن 29% فقط من المواطنين أكّدوا مشاركتهم في الانتخابات البلدية واللامركزية.
ومن بين عوامل مرجحة لارتفاع معدلات المشاركة في الانتخابات، على خلاف الانتخابات البرلمانية السابقة، طابعها المحلي والجهوي الذي يخاطب مصالح المواطنين المباشرة، مثل الخدمات البلدية ومشاريع التنمية المحلية. كما أن انتخابات مجالس المحافظات (اللامركزية) أضافت مستوىً جديداً من التنافس الجهوي والسياسي الذي يفسح المجال لإشباع تطلعات النخب المناطقية لنوع من التمثيل الاجتماعي والمعنوي.
وأخيراً، قد تسهم المشاركة الحزبية والسياسية، على تواضعها، في هذه الانتخابات، في رفع مستوى المشاركة الشعبية، وتحد من نزعة الإحجام أو المواقف السلبية من الانتخابات من الشباب وبقايا الحراكات الاجتماعية والسياسية في المحافظات. ويذكر أن حزب جبهة العمل الإسلامي أخذ موقفاً إيجابياً من الانتخابات البلدية واللامركزية مبكراً، وأعلن عن مشاركته فيها، بخلاف الانتخابات البلدية السابقة التي قاطعها نحو عشر سنوات.
ومهما تكن مجريات الدورة المركبة من الانتخابات البلدية واللامركزية في الأردن، من المستبعد أن تحدث إختراقات مهمة في مجال الاصلاح الإداري، فالانتقال من المركزية المفرطة للنظام الحكومي نحو نظام لا مركزي يحتاج وقتا طويلا، وتغييرا جذريا في الثقافة السياسية السائدة وفي العقلية البيروقراطية، ولا سيما من وزارة الداخلية.
ولعل نقطة الاختبار الأكثر واقعية لمخرجات الانتخابات البلدية واللامركزية هي ما إذا كانت سوف تفسح المجال أمام تجديد النخب البلدية والمحلية والجهوية، وما هي فرص الأجيال الشابة المتعلمة والنساء في الوصول إلى رئاسة المجالس المنتخبة وعضويتها.. وبكلمات أخرى، ما هي حظوظ الفئات الأكثر استنارة وتأهيلاً علمياً في اختراق قواعد الانتخاب التقليدية، على طريق تجديد الأطر المؤسسية والاجتماعية في "الداخل" الأردني؟
وقد نظر إلى قانوني البلديات واللامركزية اللذين صدرا في عام واحد باعتبارهما حزمة متكاملة للانتقال بالأردن إلى اللامركزية الإدارية، والتي تأتي تتويجاً لحوارات ومداولات متقطعة استمرت عقدين. وتنظر السلطات الأردنية إلى اللامركزية الإدارية أنها أحد مخرجات الإصلاح الإداري والسياسي، والتي سوف تسمح للمواطنين بمساحةٍ أكبر للإسهام في صنع القرار على صعيد مناطقهم، ولبلورة خياراتهم التنموية.
وإذا كان مفهوماً أن توظف السلطات الحكومية عملية الانتخابات البلدية واللامركزية من أجل تعزيز شرعيتها السياسية، وهذا متوقع، خصوصا في ظروف تصاعد الشكوى الداخلية من ارتفاع الأعباء المعيشية ومعدلات الفقر والبطالة، ومن لجوء الحكومة إلى فرض مزيد من الأعباء الضريبية، من دون معالجة ناجعة لتفشي ظواهر الفساد الإداري والمالي، إلا أن المحك الحقيقي لجدوى هذه الدورة المزدوجة من الانتخابات البلدية واللامركزية ومغزاها هو مدى استجابتها لطموحات المواطنين وقوى المجتمع المدني والأحزاب السياسية في تحقيق نقلة نوعية على طريق الإصلاح والتنمية المحلية، وإتاحة الفرصة للمواطنين للحصول على خدمات أفضل، وفرص حقيقية للمشاركة في صنع القرار.
تجري انتخابات كل من المجالس البلدية والمحلية ومجالس المحافظات اليوم بموجب قوانين جديدة لم تختبر من قبل، فالبلديات سوف يتم انتخاب رؤساء مجالسها وأعضائها بموجب قانون البلديات رقم 41 لعام 2015، فيما يتم انتخاب رؤساء مجالس المحافظات وأعضائها بموجب قانون اللامركزية رقم 49 لعام 2015. وذلك بعد أن أُخضع القانونان أعلاه لماراثونات من النقاشات المستفيضة على المستوى الوطني، كما على صعيد المحافظات. لكن القانونين عندما أقرّهما المجلس النيابي السابق لم يأخذا إلا بقليل من مقترحات التعديل التي تقدم بها رؤساء وأعضاء مجالس بلدية وقادة أحزاب وخبراء قانونيون. وبهذا المعنى، فإن الانتخابات سوف تتأثر سلباً بتجاهل الحكومة للانتقادات والتعديلات المقترحة على القانونين.
قانون البلديات.. ما له وما عليه
مثّل قانون البلديات الجديد خطوة إيجابية إلى الأمام، عندما عاد عن خطوة "دمج البلديات" في عدد أقل من المؤسسات البلدية قبل سنوات، واعتمد بدلاً من ذلك صيغة المجالس المحلية التي تقع في مقامٍ وسيط بين المواطنين والمجالس البلدية، وتمثل عادة البلدات والقرى الصغيرة البعيدة عن المراكز البلدية، وهو ما يعزّز التمثيل الشعبي من خلال هذه المجالس.
وفي المقابل، انتُقد القانون جرّاء إفراطه في منح وزير البلديات صلاحيات واسعة تمنحه الحق في التدخل في شؤون البلديات وأعمالها اليومية، وهي صلاحياتٌ تشمل مجالاتٍ حيوية، مثل تعيين عضوين إضافيين في المجلس البلدي، وكذلك تعيين مدير تنفيذي للبلدية. واشترط القانون موافقة الوزير المسبقة على اقتراض البلديات، وعلى إقامة تحالف أو شراكة بين البلديات المتجاورة.
ومن ناحية أخرى، خفّض القانون الجديد سن الناخب من 19 سنة إلى 18 سنة، ما يوسّع قاعدة الناخبين. وقد نص القانون بصورة أوضح على الدور التنموي والاستثماري للبلديات، حيث أعطاها صلاحية استثمار أموالها المنقولة وغير المنقولة، وفتح الباب أمام قيام تحالفات وشراكات تنموية بين البلديات. كما أوكل مهمة الإشراف على إجراء الانتخابات البلدية والمحلية إلى الهيئة المستقلة للانتخابات، بدلاً من وزارة البلديات التي كانت تدير هذه الانتخابات عشرات السنين من دون رقابة مستقلة أو شفافية حكومية.
وتشمل صلاحيات الوزير، بموجب قانون البلديات الجديد، تحديد الأشخاص الذين يتمتعون بصفة الضابطة العدلية، والمصادقة على ميزانية البلدية، بل منحت المادة 72 من قانون البلديات الوزير (أو الموظف الذي يفوّضه) أن يقوم، في أي وقت، بالتفتيش على أي بلدية أو مجلس محلي، وبإجراء فحص فجائي على صناديقها وأماكن العمل فيها والمستودعات والمكاتب التابعة لها، والاطلاع على معاملاتها والقرارات الصادرة عن المجلسين، البلدي والمحلي، ما يعني أن للوزير حق ممارسة سلطات إدارية مطلقة، تتضمن التفتيش الإداري والمالي، وصولاً إلى سلطة الاستجواب والتحقيق.
ونصّت تعديلات أُدخلت على قانون البلديات الجديد على تعيين مجلس الوزراء أمين عمان وثمانية من أعضاء مجلس أمانة عمان، من أصل 38 عضواً هم إجمالي عدد أعضاء المجلس. وهو ما يعني أن 22 عضواً يمثلون 22 منطقة ينتخبهم مباشرة الناخبون المسجلون، فضلاً عن ست نساء هي حصة/ كوتا المرأة في المجلس، ويتم اختيارهن من الحاصلات على أعلى نسبة تصويت على مستوى مناطق العاصمة. وكان مطلب انتخاب المواطنين مباشرة أمين عمان وجميع أعضاء مجلس أمانة المدينة، أسوة ببقية بلديات الأردن، قد رفع منذ عشرات السنين دونما استجابة، وهو الأمر الذي جعل شاغلي منصب الأمين بعيدين عن المساءلة الشعبية ومحصّنين من الخضوع لسلطة القضاء.
ومن الانتقادات الموجهة لقانون البلديات أنه لم يحدّد أي مؤهل علمي شرطا لمن يترشح لتولي مهام رئيس البلدية. والواقع أن مجلس النواب السابق، وليس الحكومة، هو المسؤول عن عدم وضع حد أدنى لمستوى تعليم رئيس البلدية، بتراجعهم عن هذا الشرط عند إقرارهم القانون.
قانون اللامركزية.. حسبة "المغانم والمغارم"
أما قانون اللامركزية رقم 49 لعام 2015، فهو تشريع جديد على الحياة الأردنية، وإن كانت مقدّماته الفكرية والسياسية ليست كذلك، إذ تعود الى منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، حين شُكلت لجنة ملكية لدراسة تقسيم الأردن إلى أقاليم ثلاثة، تمهيداً لتطبيق اللامركزية الإدارية على مستوى المحافظات.
وفي عام 2011 وضعت الحكومة (وكانت برئاسة معروف البخيت) الخطوط العريضة لقانون اللامركزية، لكن خلافاتٍ داخل الحكومة نفسها حالت دون عرضه على مجلس النواب. وفي هذه الأثناء، ظلت اللامركزية موضوعاً جدلياً في صفوف النخب الحكومية والحزبية والسياسية، إلى أن أقر المجلس النيابي السابع عشر قانون اللامركزية رقم 49 في نهاية عام 2015. ومع ذلك، ظل القانون المذكور خلافياً ومحل نقاش مستمر ومطالبة بتعديله وتحسينه.
من بين أسئلةٍ أُثيرت بشأن اللامركزية الإدارية: هل الأردن، بمساحته الجغرافية الصغيرة نسبياً، بحاجة إلى اعتماد نظام اللامركزية؟ وهل تفوق عوائد تطبيق اللامركزية الإدارية وفوائده أو تعوّض الأعباء المالية المترتبة على تطبيق اللامركزية الإدارية على مستوى المحافظات؟ علماً أنه سيكون ل 12 محافظة في الأردن مجالس خاصة بها. بما في ذلك بنى
يبرّر دعاة اللامركزية أهمية القانون 49 لسنة 2015 بأنه يوسّع مشاركة المواطنين في الحياة العامة، ويرفع مستوى المشاركة الشعبية في تحديد الأولويات التنموية للمناطق، ويحقّق التوازن التنموي بين المحافظات، تمهيداً لتقليل التفاوتات ما بين العاصمة والمحافظات الأقل حظاً. كما أن اللامركزية الإدارية تسهم في إعادة توزيع السلطات في الدولة وعدم الإبقاء على تمركزها في الحكومة المركزية. هذا إلى جانب أنها تساعد على رفع كفاءة نظام الحكم المحلي وفعاليته، وتسهل الخدمة العامة.
وهكذا، فإنه بموجب القانون المذكور، سيكون لكل محافظة مجلس منتخب هو مجلس المحافظة، يُنتخب 85% من أعضائه مباشرة من المواطنين، ومن هؤلاء يتم اختيار 10% على شكل حصة محفوظة للنساء (كوتا)، فيما تعيّن 15% من أعضاء مجلس المحافظة، على أن يكون ثلث هذه النسبة من النساء.
وبعد جدل طويل دستوري وسياسي داخل مجلس النواب والأعيان، منح القانون مجلس المحافظة وضعية الشخصية الاعتبارية ذات الاستقلال المالي والإداري، ومدة عمله أربع سنوات. أما مهامه فهي إقرار مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية المتعلقة بالمحافظة، والمحالة إليه من المجلس التنفيذي للمحافظة؛ التأكد من تنفيذ هذه الخطط؛ إقرار مشروع موازنة المحافظة المحالة إليه من المجلس التنفيذي؛ الاطلاع على تنفيذ الموازنات السنوية لبلديات المحافظة؛ إقرار دليل احتياجات المحافظة من المشاريع التنموية والخدمية، وتحديد أولويات تلك الاحتياجات.
ولمجلس المحافظة صلاحيات أخرى، منها إقرار المشاريع الخدمية والاستثمارية والمشاريع التنموية المحالة إليه، فضلاً عن مناقشة تقارير تنفيذ المشاريع والخطط والبرامج التي تتولى الدوائر الحكومية في المحافظة تنفيذها، واقتراح إنشاء المشاريع الاستثمارية، ووضع التوصيات والمقترحات اللازمة لتحسين أداء الدوائر والمؤسسات الحكومية والعامة في نطاق المحافظة، وتحديد المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات والتنمية، أو من مشكلات طارئة واقتراح الحلول لها.
وفي مقابل مجلس المحافظة، يتشكل المجلس التنفيذي للمحافظة، يرأسه المحافظ، ويضم عدداً من نوابه ومساعديه والمتصرفين ومديري الأقضية ومديري المديريات الحكومية في المحافظة وثلاثة مدراء تنفيذيين للبلديات. وأهم مهام المجالس التنفيذية للمحافظات إعداد مشروعات الخطط الاستراتيجية والتنفيذية على صعيد المحافظة، ودليل باحتياجات المحافظة التنفيذية والخدمية، إعداد مشروع الموازنة المالية للمحافظة، وإعداد خطط الطوارئ اللازمة على مستوى المحافظة لمواجهة حالات الكوارث في الفيضانات والثلوج والحرائق وغيرها.
وهكذا، سيجد الأردن نفسه، بعد انتخابات اليوم (15/8/2017) أمام ثلاثة مجالس منتخبة بأغلبيتها، هي المحلية والبلدية والمحافظات، ومجلساً رابعاً معيناً من طبيعة تنفيذية هو المجلس التنفيذي للمحافظة، وتجسّد هذه المؤسسات هيكل نظام اللامركزية الذي أرساه قانونا البلديات واللامركزية.
وعلى الرغم من أن صلاحيات/ مهام مجلس المحافظة تبدو ذات طبيعة رقابية، وتعطيه حقوق المساءلة للمجلس التنفيذي، إلا أن كلمة "رقابة" لم ترد صراحةً في وصف مهام مجلس المحافظة، كما لم يمنح سلطةً تعلو على المجلس التنفيذي، ما يعني أن مجلس المحافظة، المنتخب بأغلبية أعضائه، "استشاري" بلا أنياب أو أظافر. وانصبت التحفظات والانتقادات لقانون اللامركزية على وجود تداخلات بين صلاحيات المجالس البلدية ومهامها من ناحية ومجلس المحافظة والمجلس التنفيذي من ناحية أخرى، كما انتقدت آلية تقسيم الدوائر الانتخابية في المحافظات حسب عدد السكان بنسب غير متوازنة.
أعداد ومعطيات
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب وصول أرقام المترشحين للانتخابات البلدية والمحلية ومجالس المحافظات إلى 6950 مرشحاً ومرشحة، يتنافسون على نحو 2500 موقع في المجالس المذكورة. ومع أن الأردنيين عموماً، ولا سيما في المحافظات شبه الريفية والأطراف، يحبون الانتخابات، ويرون فيها تكثيفاً لممارسات اجتماعية قديمة، مثل الالتقاء في المضافات والدواوين الانتخابية في الأمسيات والاستمتاع بتناول الطعام والحلويات وتبادل الأحاديث، والانخراط في نهاية الأمر في "لعبة الانتخابات"، إلا أن هذا كله لا يندرج ضمن منطق المشاركة الشعبية وسياقاتها في صناعة القرار، واختيار المرشحين على أساس برامج أو رصيد المرشحين من الخبرة والعمل العام.
ومع ذلك، لا يعد تقدّم هذا العدد للتنافس على المقاعد المحلية والبلدية وفي مجالس المحافظات مؤشراً على وجود إقبال استثنائي على الانتخابات، حتى بالمنطق العشائري، كما حال التنافس القائم في هذه الانتخابات. إذ كان متوسط الإقبال على الترشح دون ثلاثة مرشحين على كل مقعد، وهو ما يمكن وصفه بالإقبال الفاتر على الترشح لانتخاباتٍ ذات طابع محلي وجهوي، أكثر منه سياسيا، حيث يفترض أن تحتدم فيها المنافسات. وذلك لأسباب عدة، أبرزها ارتباط المجالس المحلية والبلدية والجهوية مباشرة بمصالح الناس، وتفشّي التنافس ما بين العشائر (وداخل العشيرة والأسرة الواحدة) في مختلف المناطق، على الوصول إلى المجالس المحلية والبلدية والجهوية. ويجب إضافة أن عدد المرشحين النهائي لعضوية المجالس البلدية والمحلية واللامركزية انخفض إلى 6623 مرشحاً بعد انسحابات ورفض طلبات 658 شخصاً، يعادلون نحو 10% من المترشحين.
ولم تظهر طلبات الترشح إقبالاً كبيراً من النساء للترشح في هذه الانتخابات، حيث لاحظ برنامج "راصد" لمراقبة الانتخابات أن 95 دائرة انتخابية على صعيد مجالس المحافظات لم تترشح لها نساء، وهذه تمثل 60% من مجموع دوائر انتخابات مجالس المحافظات. بل الملفت أن نسبة النساء المترشحات لمجالس المحافظات لم تزد عن 9,1% من مجموع المترشحين، أي دون نسبة كوتا المرأة في المجالس.
وعلى الرغم من أن قانون البلديات يمنح كوتا خاصة للمرأة تصل إلى 25% من مقاعد المجالس البلدية، إلا أن عدد المترشحات لعضوية هذه المجالس لم يتعدّ 119 امرأة، أي ما دون 10% من عدد المترشحين الذكور. أما على صعيد المجالس المحلية (دون البلدية) فلم يزد عدد المترشّحات عن 1094، يتنافسن على 356 مقعدا نسائيا في هذه المجالس، أي أن متوسط التنافس النسوي لم يزد عن ثلاث مرشحات على كل مقعد. ويذكر هنا أن عدد النساء المترشحات لرئاسة البلدية لم يتجاوز ست نساء، أي ما يعادل 1% من مجموع المترشحين.
وعموماً، وصل متوسط المنافسة على رئاسة المجالس البلدية وعضويتها إلى ستة مرشحين لكل مقعد، وهو الأعلى مقارنةً بمجالس المحافظات، حيث وصل متوسط الترشح إلى 4,3 لكل مقعد، وكذلك مقارنة بالمجالس المحلية التي لم يتعد متوسط الترشح فيها عن مرشحين لكل مقعد.
مشاركة رمزية للأحزاب
عدا عن فتور الإقبال على الترشّح للانتخابات المحلية والبلدية والجهوية، أظهرت تقارير صحفية ضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الترشّح لهذه الانتخابات، في مقابل طغيان الطابع العشائري على التنافس الانتخابي. وفي هذا السياق، أعلن حزب جبهة العمل الإسلامي أن مرشحيه يتنافسون على رئاسة ثلاث بلديات كبرى، إربد والزرقاء والرصيفة، كما تقدم بثلاثة عشر مرشحاً لعضوية مجلس أمانة عمان الكبرى، من أصل خمسين مرشحاً عنه لعضوية سائر مجالس المحافظات والبلديات والمحليات، بينهم عشر نساء. وبالمثل، أعلن حزب الوسط
وأظهر استطلاع محلي، أخيرا، أن إجمالي المرشحين الحزبيين بلغ 4% فقط من العدد الإجمالي للمترشحين في هذه الانتخابات. وفي المقابل، بلغت نسبة المترشحين من متقاعدي القوات المسلحة والحكومة 40.8% من إجمالي المرشحين لمجالس المحافظات، يليهم رجال الأعمال بنسبة 14%.
ومع أن المتوقع أن تكون أحزاب وسطية ووطنية أخرى قد تقدّمت بمرشحين آخرين، أو أنها تدعم ترشيح شخصياتٍ محلية صديقة، إلا أن تواضع المساهمة الحزبية في الانتخابات البلدية واللامركزية ترقى إلى مستوى الفضيحة السياسية، وتقدم هذه الانتخابات مناسبة إضافية للتأكيد على عمق الأزمة البنيوية والبرامجية التي تعاني منها الحياة الحزبية الأردنية.
والوجه الآخر لغياب الأحزاب والبرامج السياسية في الانتخابات البلدية واللامركزية هيمنة السمة العشائرية على هذه الانتخابات، حيث بادرت عشائر إلى إجراء ما يمكن تسميتها "انتخابات داخلية" لفرز مرشحيها الأوفر حظاً بالفوز، وبالتالي حشد قواها وإقامة تحالفات عشائرية لضمان فوز مرشحيها. وبالنظر إلى تنوع المجالس المستهدفة وتعددها في هذه الانتخابات، بادرت بعض العشائر إلى الاتفاق على توزيع مرشحيها على هذه المجالس، لتفادي التنافس، ولتبادل الأصوات بين هؤلاء المرشحين. وهذا يعني أن الانتماء والتمثيل العشائري هو المعيار الأول والأبرز لهذه الانتخابات، وليس الكفاءة أو الخبرة أو التاريخ الشخصي للمرشحين. يؤكد ذلك استطلاعٌ حديث مع المترشحين أنفسهم، حيث أعلن 47.3% منهم أنهم يستندون إلى إجماعاتهم العشائرية، فيما استند 41% من المترشحين إلى إجماعات واتفاقات مناطقية، فيما قال 2.8% من المترشحين إنهم يستندون في ترشيحهم إلى قواعدهم الحزبية.
المشاركة الشعبية
يبلغ عدد الناخبين في انتخابات مجالس البلديات والمحافظات 4 ملايين و117 ألفاً، حسب الجداول النهائية للناخبين، المعتمدة من الهيئة المستقلة للانتخاب، وهم 53% من الإناث و46% من الذكور. ولا تشمل الأرقام العسكريين في سن الانتخاب، ولا الأردنيين المغتربين. وقد أُجريت استطلاعات للرأي العام بشأن المشاركة المتوقعة في انتخابات البلديات والمحافظات قبل أسابيع من موعدها، وتضاربت نتائج هذه الاستطلاعات بقوة ما بين استطلاع مركز "هوية" الذي أفاد بأن 67,1% من المواطنين الأردنيين يعتزمون المشاركة في الانتخابات واستطلاع برنامج "راصد"، التابع لمركز الحياة، والذي أظهر أن 29% فقط من المواطنين أكّدوا مشاركتهم في الانتخابات البلدية واللامركزية.
ومن بين عوامل مرجحة لارتفاع معدلات المشاركة في الانتخابات، على خلاف الانتخابات البرلمانية السابقة، طابعها المحلي والجهوي الذي يخاطب مصالح المواطنين المباشرة، مثل الخدمات البلدية ومشاريع التنمية المحلية. كما أن انتخابات مجالس المحافظات (اللامركزية) أضافت مستوىً جديداً من التنافس الجهوي والسياسي الذي يفسح المجال لإشباع تطلعات النخب المناطقية لنوع من التمثيل الاجتماعي والمعنوي.
وأخيراً، قد تسهم المشاركة الحزبية والسياسية، على تواضعها، في هذه الانتخابات، في رفع مستوى المشاركة الشعبية، وتحد من نزعة الإحجام أو المواقف السلبية من الانتخابات من الشباب وبقايا الحراكات الاجتماعية والسياسية في المحافظات. ويذكر أن حزب جبهة العمل الإسلامي أخذ موقفاً إيجابياً من الانتخابات البلدية واللامركزية مبكراً، وأعلن عن مشاركته فيها، بخلاف الانتخابات البلدية السابقة التي قاطعها نحو عشر سنوات.
ومهما تكن مجريات الدورة المركبة من الانتخابات البلدية واللامركزية في الأردن، من المستبعد أن تحدث إختراقات مهمة في مجال الاصلاح الإداري، فالانتقال من المركزية المفرطة للنظام الحكومي نحو نظام لا مركزي يحتاج وقتا طويلا، وتغييرا جذريا في الثقافة السياسية السائدة وفي العقلية البيروقراطية، ولا سيما من وزارة الداخلية.
ولعل نقطة الاختبار الأكثر واقعية لمخرجات الانتخابات البلدية واللامركزية هي ما إذا كانت سوف تفسح المجال أمام تجديد النخب البلدية والمحلية والجهوية، وما هي فرص الأجيال الشابة المتعلمة والنساء في الوصول إلى رئاسة المجالس المنتخبة وعضويتها.. وبكلمات أخرى، ما هي حظوظ الفئات الأكثر استنارة وتأهيلاً علمياً في اختراق قواعد الانتخاب التقليدية، على طريق تجديد الأطر المؤسسية والاجتماعية في "الداخل" الأردني؟
هاني حوراني
باحث وناشط سياسي أردني باحث، مؤسس مركز الأردن الجديد للدراسات منذ 1990. له مؤلفات في الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية والتنمية الديمقراطية. يجمع، أخيراً، بين النشاط السياسي والممارسة الثقافية والفنية.
هاني حوراني
مقالات أخرى
11 سبتمبر 2024
10 مايو 2024
28 فبراير 2021