سطعت شمس الربيع العربي، معلنة نهاية تاريخ طويل من الاستبداد والفساد، لتسرع كل قوى الاستبداد ومراكز دعمها لتطويق ربيع العرب وتحويله إلى شتاء دام. الغريب والمثير للانتباه، كثرة القوى التي اجتمعت على هدف تطويق حلم الشعوب العربية في الانعتاق من الاستبداد وتوابعه. والأكثر غرابة، تعدد الأساليب التي اتبعتها هذه القوى لبلوغ مبتغاها. في المقابل كانت الشعوب العربية وحيدة في مواجهة هذا العدوان العسكري والسياسي والثقافي والاجتماعي.
وربما يكون ما تتعرض له الأمة العربية والشعوب المنضوية تحت هويتها من أخطر ما تعرضت له في تاريخ وجودها. والخطر يكمن في أن هذا الهجوم يستهدف الوعي الجمعي والفردي للأمة، بهدف هدم كينونتها الثقافية والاجتماعية، وبالتالي تمزيقها كوحدة هوية ووحدة انتماء.
كان الاقتصاد هو الدافع والمحرك الأساس لكل ثورات الربيع العربي، على اختلاف الأسباب والظروف التي أدت إلى اشتعالها. وبالرغم من الكم الهائل من المادة الإعلامية والصحافية التي كُرست لتغطية وتحليل هذه الثورات، إلا أن تجاهل الاقتصاد، بوصفه أهم الأسباب الأساسية التي تقف وراء ظاهرة الربيع العربي، كان واضحاً وجلياً. هذا التجاهل لم يكن وليد الصدفة، وإنما هو استمرار لتقليد عريق في المنطقة العربية يقوم على إبعاد مسائل الاقتصاد عن مجال التداول العام، وشغل هذه المجالات بقضايا غالباً ما تندرج تحت إطار الأيديولوجية بشقيها السياسي والثقافي.
إقرأ أيضا: تدبير الحكومات العربيّة للاقتصاد.. سيّئ
قد تكون الحالة المصرية المثال الأوضح لإبراز الدور المعقّد والمركب للاقتصاد في ثورات الربيع العربي. حيث لعب الاقتصاد دوراً مزدوجاً ومتناقضاً، فمن جهة كان المحرك الأساس للثورة، ومن جهة أخرى ساعد في تسهيل مهمة الثورة المضادة في لجم ثورة الشباب والالتفاف عليها. هذه الجزئية تغيب بشكل لافت عن سياق التحليل العام للأحداث أو يتم إهمالها. في نفس الوقت، لم يدرك نظام مرسي هذا الدور المعقد للاقتصاد، ولم يعط الفرصة لمعالجة الملف الاقتصادي، وبالتحديد القضايا المركزية: الفساد والفقر والتفاوت الطبقي.
لقد ارتكب نظام الثورة خطأ فادحاً في الانشغال بقضايا عدة، وإهمال أو تأخير معالجة القضايا المركزية في الاقتصاد. ما أتاح لقوى الثورة المضادة استغلال سخط عموم الشعب المصري من الأوضاع الاقتصادية، وشعور أغلبهم بأن الثورة لم تؤثر إيجاباً في مستوى حياتهم، للتجييش والحشد ضد حكم مرسي، وصولاً للانقلاب.
إهمال معالجة القضايا المركزية والملحّة في الاقتصاد أدى إلى حرمان الثورة من رصيدها الأهم، الإنسان صاحب المصلحة في الثورة وحامل قيمها والمدافع الأول والأخير عنها. فالفلاح المصري الذي يعيش في صعيد مصر، ليس معنياً كثيراً بارتفاع سقف الحريات السياسية، ولا يعنيه كثيراً إذا تمكنت النخب في القاهرة مثلاً من تشكيل أحزاب سياسية أم لا. فضغوط الحياة اليومية لا تتيح لهذه الفئة التمتع بمكتسبات ثورة الحقوق السياسية، في المدى القصير.
لن تقدر أي ثورة، مهما بلغ زخمها، أن تغير البنى السياسية والاقتصادية القائمة، ما لم تعززها ثورة اقتصادية تعيد للشعب حقه في ثرواته، وتمكنه من إدارة اقتصاده، بما يحقق توزيعا عادلا للدخل والثروة. أيها الشعب العظيم.. إنه الاقتصاد.. فالاقتصاد.. ثم الاقتصاد.
(باحث اقتصادي)
وربما يكون ما تتعرض له الأمة العربية والشعوب المنضوية تحت هويتها من أخطر ما تعرضت له في تاريخ وجودها. والخطر يكمن في أن هذا الهجوم يستهدف الوعي الجمعي والفردي للأمة، بهدف هدم كينونتها الثقافية والاجتماعية، وبالتالي تمزيقها كوحدة هوية ووحدة انتماء.
كان الاقتصاد هو الدافع والمحرك الأساس لكل ثورات الربيع العربي، على اختلاف الأسباب والظروف التي أدت إلى اشتعالها. وبالرغم من الكم الهائل من المادة الإعلامية والصحافية التي كُرست لتغطية وتحليل هذه الثورات، إلا أن تجاهل الاقتصاد، بوصفه أهم الأسباب الأساسية التي تقف وراء ظاهرة الربيع العربي، كان واضحاً وجلياً. هذا التجاهل لم يكن وليد الصدفة، وإنما هو استمرار لتقليد عريق في المنطقة العربية يقوم على إبعاد مسائل الاقتصاد عن مجال التداول العام، وشغل هذه المجالات بقضايا غالباً ما تندرج تحت إطار الأيديولوجية بشقيها السياسي والثقافي.
إقرأ أيضا: تدبير الحكومات العربيّة للاقتصاد.. سيّئ
قد تكون الحالة المصرية المثال الأوضح لإبراز الدور المعقّد والمركب للاقتصاد في ثورات الربيع العربي. حيث لعب الاقتصاد دوراً مزدوجاً ومتناقضاً، فمن جهة كان المحرك الأساس للثورة، ومن جهة أخرى ساعد في تسهيل مهمة الثورة المضادة في لجم ثورة الشباب والالتفاف عليها. هذه الجزئية تغيب بشكل لافت عن سياق التحليل العام للأحداث أو يتم إهمالها. في نفس الوقت، لم يدرك نظام مرسي هذا الدور المعقد للاقتصاد، ولم يعط الفرصة لمعالجة الملف الاقتصادي، وبالتحديد القضايا المركزية: الفساد والفقر والتفاوت الطبقي.
لقد ارتكب نظام الثورة خطأ فادحاً في الانشغال بقضايا عدة، وإهمال أو تأخير معالجة القضايا المركزية في الاقتصاد. ما أتاح لقوى الثورة المضادة استغلال سخط عموم الشعب المصري من الأوضاع الاقتصادية، وشعور أغلبهم بأن الثورة لم تؤثر إيجاباً في مستوى حياتهم، للتجييش والحشد ضد حكم مرسي، وصولاً للانقلاب.
إهمال معالجة القضايا المركزية والملحّة في الاقتصاد أدى إلى حرمان الثورة من رصيدها الأهم، الإنسان صاحب المصلحة في الثورة وحامل قيمها والمدافع الأول والأخير عنها. فالفلاح المصري الذي يعيش في صعيد مصر، ليس معنياً كثيراً بارتفاع سقف الحريات السياسية، ولا يعنيه كثيراً إذا تمكنت النخب في القاهرة مثلاً من تشكيل أحزاب سياسية أم لا. فضغوط الحياة اليومية لا تتيح لهذه الفئة التمتع بمكتسبات ثورة الحقوق السياسية، في المدى القصير.
لن تقدر أي ثورة، مهما بلغ زخمها، أن تغير البنى السياسية والاقتصادية القائمة، ما لم تعززها ثورة اقتصادية تعيد للشعب حقه في ثرواته، وتمكنه من إدارة اقتصاده، بما يحقق توزيعا عادلا للدخل والثروة. أيها الشعب العظيم.. إنه الاقتصاد.. فالاقتصاد.. ثم الاقتصاد.
(باحث اقتصادي)