الاستثمار في تونس بين مد وجزر

22 أكتوبر 2014
الاستثمارات على وقع التأرجح السياسي (أرشيف/getty)
+ الخط -
تحولت تونس منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى مقر للاستثمارات الاجنبية ‏بمختلف مستوياتها، لتساهم بـ 3,5% من إجمالي الناتج المحلي، وفق ما أوردته ‏إحصائيات رسمية للبنك المركزي التونسي في الستة أشهر الأولى من العام الحالي. ‏
ورغم ذلك تعيش السوق التونسية بين مد وجزر، وفق ما يوضحه حجم ‏الاستثمارات الأجنبية، التي تراجعت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام ‏2014 بنسبة 24.6%، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ووفق ما ‏نشرته الوكالة التونسية للنهوض بالاستثمار الأجنبي، فإن قيمة هذه الاستثمارات ‏بلغت خلال السنة الجارية 320.5 مليون دولار.‏
وتراهن الحكومة الحالية كثيراً على اللقاءات الاقتصادية والمنتديات ‏الاستثمارية، لدعم وتشجيع المؤسسات الأجنبية على التعرف إلى الأرضية ‏الاستثمارية في تونس، والاستثمار فيها. وقد عرفت تونس في الثالث عشر من ‏شهر يناير/كانون الثاني الماضي فعاليات منتدى "تونس للاستثمار" تحت شعار "تونس ‏جديدة، ديمقراطية جديدة وفرص جديدة"‏‎.‎‏ ولحقه، مؤتمر دولي في الثامن من سبتمبر/أيلول تحت عنوان ‏‏"استثمر في تونس الديمقراطية الناشئة"، لتمويل مشاريع استثمارية، والإعلان ‏عن اجراءات صارمة لحماية المستثمرين الأجانب والمحليين، وكذا توسيع نطاق ‏الاستثمارات.‏
ووفق ما يقول الخبير الاقتصادي معز الجودي لـ "العربي الجديد"، فإن ‏الأرقام الاقتصادية في تونس، ما زالت تشير إلى أن مناخ الاستثمار لا يوفر في ‏الوقت الحالي العوامل التي تشجع رجال الأعمال على الاستثمار، لا سيما في ‏المناطق الداخلية الفقيرة، التي تبقى في حاجة لمشاريع تنمية وفرص عمل‎."‎
في المقابل، يلفت الرئيس ‏المدير العام لـ "وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي" خليل العبيدي لـ "العربي الجديد" الى أنه برغم ما يشاع عن تونس من "احتضانها للإرهاب" إلا أن المراهنة على ‏الاستثمار الأجنبي لم تتوقف. ويشرح أن العديد من الشركات الأجنبية الكبرى المتعددة ‏الاختصاصات، أعربت عن نيتها للاستثمار في تونس، رغم الصعوبات التي ‏تعيشها. ويضيف العبيدي أن مثل هذه الشركات تنتظر فقط تحسن الأوضاع العامة للبلاد ‏وخاصة الأمنية للإيفاء بالتعهدات، على أن تكون الانتخابات فرصة ذهبية لتونس ‏لمحو الصورة السلبية عنها، بعد مغادرة 77 مؤسسة اقتصادية أجنبية لتونس ‏خلال سنة 2013، ما عمق كثيرا أزمة البطالة.‏
وهذا ما يؤكد عليه الجودي، الذي يعتبر أن تونس ‏مقبلة على مرحلة مفصلية خلال وبعد الانتخابات، "إما هي المنطلق للخروج من ‏عنق الزجاجة، أو الرجوع عشرات السنين إلى الوراء، حيث يجب توفير ‏الشفافية لحماية حقوق المستثمرين وضمان التنافسية".‏
وبالنسبة لقوانين الاستثمار، فتحتاج وفق تقدير خبير الاقتصاد وليد بلحاج، إلى ‏مراجعات وتجديد للرؤية الاقتصادية. ويلفت الى أنه "رغم امتلاك ‏تونس لقوانين استثمارية، إلا أن الوضع الراهن للاقتصاد، قد تجاوز تلك القوانين، وأصبح يحتاج إلى إرادة سياسية، ورؤية ‏اقتصادية شاملة، لإصلاح المنظومة الاستثمارية التي تراجعت كثيرا"، وأبرز أن ‏المستثمرين الجدد لا يعرفون القوانين الاستثمارية المستحدثة في تونس لأنها غير ‏واضحة.‏
ويستحوذ الاتحاد الاوروبي وفق احصائيات الوكالة التونسية للاستثمار الخارجي ‏على ما يعادل 91 % من الاستثمارات الأجنبيّة، وتحتل فرنسا المرتبة الأولى، ‏حيث تملك ما نسبته 42 % من إجمالي ‏الاستثمارات في البلاد. هذا وتتوّزع الاستثمارات الفرنسيّة على جميع القطاعات ‏تقريبا، ويبلغ حجم استثماراتها في المجال الصناعي نحو 150 مليون دينار.‏
وفي القطاع السياحي، وفق إحصائيات "وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي"، ‏فإن قطر صاحبة النصيب الأكبر، بعد أن دخلت بقوّة إلى السوق التونسية مباشرة ‏بعد نجاح الثورة، واستثمرت ما قيمته 70 مليون دينار في سنة 2012، بنسبة ‏‏90 % من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في القطاع السياحي، الذي تحول إلى ‏قطاع منفر منذ ما يزيد عن 3 سنوات‎.‎
مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك العالمي هي الأخرى تحولت إلى لاعب ‏أساسي في مجال الاستثمار الوطني، لكن ماذا عن الاستثمارات العمومية؟
يجيب الخبير الاقتصادي فتحي الشامخي، عن السؤال الأخير لـ "العربي الجديد" قائلاً: "الدولة لم تخصص ولو مليما واحدا هذه السنة ‏للاستثمار في القطاع العمومي، اذ لم تنجز أية مشاريع جديدة". ويوضح الشامخي ‏أن الاستثمار مرتبط بتوقعات السوق والتي تعد سيئة جدا حسب ‏تقديره، وعزا هذا التردي إلى انخفاض مستوى الادخار المصرفي من 22% قبل ‏‏2014 إلى 15% هذه السنة. تراجع وصفه الشامخي بالـ "مفزع"، حيث ذكر أن الدولة تساهم بخمس الاستثمار في تونس، إلا أن هذا المؤشر ‏منعدم تماما هذه السنة. والمشكل بحسبه، النقصان الحاد في مدخراتها من العملة ‏الصعبة، ما يجبرها على طلب الدين الخارجي، وذلك ما أجبرها على التعويل ‏على الاستثمار الأجنبي الموجه أساساً الى قطاع المحروقات بنسبة تفوق ‏‏50% و البقية تستثمر في الصناعات المعملية.‏
من جهة أخرى، وتعليقاً على قرار المصادقة على قانون رفع الغطاء عن السرية المصرفية والذي اعتبره البعض منفراً للاستثمارات، يشرح بلحاج أن ‏هدف القانون تمكين مصالح الضرائب من الاطلاع على الكشوفات المصرفية. وثمن بلحاج هذا القانون واصفا إياه بـ"الثوري"، معتبراً أن من سيرفضه ‏هم "المستثمرون أصحاب النوايا الفاسدة الذين يبحثون عن منافذ ‏للتهرب الضريبي".‏
المساهمون