08 نوفمبر 2024
الاستبداد والتطرف.. الحلف المدنس
نعم، هو حلف مدنس، أكان مباشراً صريحا باتفاق، مكتوبٍ أم ضمني، أو كان بالتقاء المصالح وتقاطعها بين طرفي المعادلة: المستبد والمتطرف. يجد المستبد في التطرف ذريعة لتسويغ استبداده، والمتطرف يزدهر في بيئة استبدادية حاضنة، وبتفاعلهما ينتج الإرهاب، مارسه النظام، متذرعاً بمحاربة التطرف، أم مارسه المتطرف، متعللا بمحاربة الاستبداد. إنها تلك الثنائية المسمومة، أو الحلقة المفرغة التي لا يمكن لها أن تستمر من دون عنصريها الأساسيَّيْن.
يدرك الطرفان كُنْهَ هذه المعادلة، وسواء فَعَّلاها توافقاً أم مصادفة، فإن نتيجتها واحدة، ألا وهي تبرير إجرام كل واحد منهما، في حين أنها كارثة تحل بالشعوب وحقوقها الطبيعية، التي الأصل فيها أنها منحة ربانية، لا مِنَّةً من أحد، كما أشار عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يوماً، وكما يقال في أميركا اليوم.
رأينا تلك المعادلة تعمل عملها التدميري في سورية، وما زالت، حيث حَرَفَ المتطرفون بوصلة ثورة شعبية على نظام طاغية متوحش، محولين إياها إلى خيار صعب بين إرهابَيْنِ مُرَّيْن، إرهاب النظام أم إرهاب التطرف، وكلاهما يجد مبرر إرهابه في إرهاب الآخر. الأنكى أن بعض الغرب وبعض العرب، ممن لا يريدون نجاحاً للثورة في سورية، ساهموا في تعزيز تلك المعادلة النكدة، عندما تركوا الثورة السورية تختنق، إلى أن وصلت إليها سَمُومُ التطرف، ليعلنوا عندها حرباً عليه، ويطالبوا الثوار بالتجند ضده، وترك محاربة نظام الطاغية إلى ما بعد.. هذا ما تريده أميركا، تحديداً، ممن تدربهم من المعارضة السورية "المعتدلة". وسواء أكان نظام الأسد متورطا في تمدد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سورية، أم لا، أم كان (النظام و"داعش") مجرد متواطئين لالتقاء مصالحهما الآنية، كما تذكر تقارير عدة، فإن النتيجة أن كليهما يجد مبرر وجوده في وجود الآخر.
غدت هذه المعادلة وكأنها "خارطة طريق" للمتطرف والمستبد في غير مكان. فها هي قد رسخت جذورها في مصر، حيث يمارس نظام عبد الفتاح السيسي أبشع أنواع القمع والإجرام بحق المعارضة السلمية لانقلابه، بذريعة محاربة الإرهاب، في حين يُعَزِّزُ المتطرف مشروعية إرهابه بإرهاب النظام. وجدت المعادلة نفسها طريقها إلى ليبيا، حيث أنه، و"بقدرة قادر"، أطلت "داعش" برأسها في بعض المناطق التي يسيطر عليها الثوار الليبيون، مسوغة لمعسكر الاستبداد الذي يتزعمه خليفة حفتر زعمه بـ"محاربة الإرهاب". وأخيراً وليس آخراً، تضرب "داعش" في تونس، لإجهاض "ديمقراطيتها" النسبية، ولا يكاد يمضي أسبوع، إلا ويعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، سليل نظامي بورقيبة وبن علي، حالة الطوارئ في البلاد. ما سبق هو على سبيل المثال لا الحصر.
ثنائية التكامل بين الاستبداد والتطرف ليست مقصورة على العالم العربي، فحتى في أميركا، "منارة الحرية والديمقراطية" في العالم، يُسوغ أنصار الاستبداد دعواتهم وسياساتهم بالتطرف والإرهاب. فهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، قلبت النظامين القانوني والقضائي الأميركيين رأسا على عقب، وقدمت هدية غالية للأجهزة الأمنية التي حصلت على صلاحيات واسعة غير مسبوقة، كانت تتمناها دوماً وتطالب بها، بشكل قلص، عملياً، قيمتي "الحرية" و"الخصوصية" اللتين طالما تغنت بهما الولايات المتحدة، وقَرَّعَتْ "العالم الثالث" و"العالم النامي" بسبب غيابهما.
في أميركا اليوم، كثيرا ما تَصْنَعُ الأجهزة الأمنية "إرهاباً" مفترضا عبر "الإيقاع" بــ"إرهابيين محتملين"، وهم، في الغالب، شباب مسلم جاهل، لم يكن ليفكر بارتكاب عمل إرهابي، لو أنه لم يأته من يحضه عليه ويزينه له، وهو طبعا عميل سري للحكومة، لكنه يتصنع "التدين" و"التقى"، وَيُعْرَفُ هؤلاء العملاء في النظام القانوني الأميركي بالـ“Agent provocateur”. وهكذا، تكون نتيجة كل "مؤامرة"، سواء أحاكت خيوطها الحكومة، بذريعة اكتشاف من يملكون ميولاً إرهابية وإجهاضهم مسبقا، أم خطط لها متطرفون فعلا، ميزانيات جديدة ضخمة للأجهزة الأمنية، والمزيد من قضم الحريات المدنية، وتعزيزاً لتمدد الاستبداد في البلد. وفي المقابل، فإن أميركا أقل ديمقراطية، وأشد قمعا، وأكثر عسكرة تغدو مسوغ المتطرف للتصدي لها وإيقاع الألم بها وعليها، وهكذا دواليك.
للأسف، نجح المستبد والمتطرف في عالمنا العربي أن يجعلا خيار الشعوب بين أمرين أحلاهما مُرُّ، فإما طغيان أو تطرف، غير أن الخبر السيئ لنا جميعا أن كليهما يمارس إرهاباً، وهو يزعم أنه إنما يريد أن يحمينا من إرهاب الآخر. أما إذا سألت عن المستفيد الأكبر من هذه المعادلة الخبيثة، فلا شك في أنها أنظمتنا الاستبدادية، وتلك القوى الأجنبية التي أخرجت مبضع الجراح لتقسيم عالمنا العربي فوق ما هو مقسم ومفتت. ولن يكون لمنطقتنا مستقبل وأمل، إلا حين نخرج من دائرة الشؤم تلك، ونتخلص من الاستبداد والتطرف، معاً، في أفق بناء مستقبل زاهر خال من الخوف والقمع والكبت.. ونعم، خال من التطرف والإرهاب أيضاً.
يدرك الطرفان كُنْهَ هذه المعادلة، وسواء فَعَّلاها توافقاً أم مصادفة، فإن نتيجتها واحدة، ألا وهي تبرير إجرام كل واحد منهما، في حين أنها كارثة تحل بالشعوب وحقوقها الطبيعية، التي الأصل فيها أنها منحة ربانية، لا مِنَّةً من أحد، كما أشار عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يوماً، وكما يقال في أميركا اليوم.
رأينا تلك المعادلة تعمل عملها التدميري في سورية، وما زالت، حيث حَرَفَ المتطرفون بوصلة ثورة شعبية على نظام طاغية متوحش، محولين إياها إلى خيار صعب بين إرهابَيْنِ مُرَّيْن، إرهاب النظام أم إرهاب التطرف، وكلاهما يجد مبرر إرهابه في إرهاب الآخر. الأنكى أن بعض الغرب وبعض العرب، ممن لا يريدون نجاحاً للثورة في سورية، ساهموا في تعزيز تلك المعادلة النكدة، عندما تركوا الثورة السورية تختنق، إلى أن وصلت إليها سَمُومُ التطرف، ليعلنوا عندها حرباً عليه، ويطالبوا الثوار بالتجند ضده، وترك محاربة نظام الطاغية إلى ما بعد.. هذا ما تريده أميركا، تحديداً، ممن تدربهم من المعارضة السورية "المعتدلة". وسواء أكان نظام الأسد متورطا في تمدد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سورية، أم لا، أم كان (النظام و"داعش") مجرد متواطئين لالتقاء مصالحهما الآنية، كما تذكر تقارير عدة، فإن النتيجة أن كليهما يجد مبرر وجوده في وجود الآخر.
غدت هذه المعادلة وكأنها "خارطة طريق" للمتطرف والمستبد في غير مكان. فها هي قد رسخت جذورها في مصر، حيث يمارس نظام عبد الفتاح السيسي أبشع أنواع القمع والإجرام بحق المعارضة السلمية لانقلابه، بذريعة محاربة الإرهاب، في حين يُعَزِّزُ المتطرف مشروعية إرهابه بإرهاب النظام. وجدت المعادلة نفسها طريقها إلى ليبيا، حيث أنه، و"بقدرة قادر"، أطلت "داعش" برأسها في بعض المناطق التي يسيطر عليها الثوار الليبيون، مسوغة لمعسكر الاستبداد الذي يتزعمه خليفة حفتر زعمه بـ"محاربة الإرهاب". وأخيراً وليس آخراً، تضرب "داعش" في تونس، لإجهاض "ديمقراطيتها" النسبية، ولا يكاد يمضي أسبوع، إلا ويعلن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، سليل نظامي بورقيبة وبن علي، حالة الطوارئ في البلاد. ما سبق هو على سبيل المثال لا الحصر.
ثنائية التكامل بين الاستبداد والتطرف ليست مقصورة على العالم العربي، فحتى في أميركا، "منارة الحرية والديمقراطية" في العالم، يُسوغ أنصار الاستبداد دعواتهم وسياساتهم بالتطرف والإرهاب. فهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، قلبت النظامين القانوني والقضائي الأميركيين رأسا على عقب، وقدمت هدية غالية للأجهزة الأمنية التي حصلت على صلاحيات واسعة غير مسبوقة، كانت تتمناها دوماً وتطالب بها، بشكل قلص، عملياً، قيمتي "الحرية" و"الخصوصية" اللتين طالما تغنت بهما الولايات المتحدة، وقَرَّعَتْ "العالم الثالث" و"العالم النامي" بسبب غيابهما.
في أميركا اليوم، كثيرا ما تَصْنَعُ الأجهزة الأمنية "إرهاباً" مفترضا عبر "الإيقاع" بــ"إرهابيين محتملين"، وهم، في الغالب، شباب مسلم جاهل، لم يكن ليفكر بارتكاب عمل إرهابي، لو أنه لم يأته من يحضه عليه ويزينه له، وهو طبعا عميل سري للحكومة، لكنه يتصنع "التدين" و"التقى"، وَيُعْرَفُ هؤلاء العملاء في النظام القانوني الأميركي بالـ“Agent provocateur”. وهكذا، تكون نتيجة كل "مؤامرة"، سواء أحاكت خيوطها الحكومة، بذريعة اكتشاف من يملكون ميولاً إرهابية وإجهاضهم مسبقا، أم خطط لها متطرفون فعلا، ميزانيات جديدة ضخمة للأجهزة الأمنية، والمزيد من قضم الحريات المدنية، وتعزيزاً لتمدد الاستبداد في البلد. وفي المقابل، فإن أميركا أقل ديمقراطية، وأشد قمعا، وأكثر عسكرة تغدو مسوغ المتطرف للتصدي لها وإيقاع الألم بها وعليها، وهكذا دواليك.
للأسف، نجح المستبد والمتطرف في عالمنا العربي أن يجعلا خيار الشعوب بين أمرين أحلاهما مُرُّ، فإما طغيان أو تطرف، غير أن الخبر السيئ لنا جميعا أن كليهما يمارس إرهاباً، وهو يزعم أنه إنما يريد أن يحمينا من إرهاب الآخر. أما إذا سألت عن المستفيد الأكبر من هذه المعادلة الخبيثة، فلا شك في أنها أنظمتنا الاستبدادية، وتلك القوى الأجنبية التي أخرجت مبضع الجراح لتقسيم عالمنا العربي فوق ما هو مقسم ومفتت. ولن يكون لمنطقتنا مستقبل وأمل، إلا حين نخرج من دائرة الشؤم تلك، ونتخلص من الاستبداد والتطرف، معاً، في أفق بناء مستقبل زاهر خال من الخوف والقمع والكبت.. ونعم، خال من التطرف والإرهاب أيضاً.