الازدواج الوظيفي في تونس: إرهاق القطاع الحكومي سعياً لتحسين المداخيل

19 يوليو 2019
مطلب الثورة بتأمين الوظائف لم يتحقّق(فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يزيد غلاء المعيشة في السنوات الأخيرة من إقبال موظفي تونس على العمل الإضافي بغية تحسين الدخل، وسط تحذيرات من تأثير ازدواج الوظائف على سوق الشغل وفرص العاطلين عن العمل في بلد يعاني من نسبة بطالة تفوق الـ 15 في المائة، إضافة إلى الإرهاق الذي يصيب العاملين بوظائف مزدوجة، مع يؤثر على إنتاجيتهم وينعكس ضعفاً في الاقتصاد الكلي.

وبالرغم من أن تشريعات الشغل في تونس تمنع الجمع بين وظيفتين أو أكثر، إلا أن جزءاً من الموظفين يجد في الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها مبررات للعمل الثاني، ما تسبب في زيادة الازدواج الوظيفي وارتقائه إلى مستوى الظاهرة، بحسب دراسات مختصة.

 

اتساع الظاهرة

وفي التفاصيل، يحظر قانون العمل (مجلة الشغل) في مادته 94 ـ 12 الجمع بين العمل لوقت كامل والعمل لوقت جزئي، إلا أن ظاهرة الجمع بين الوظائف تعرف تزايدا مع توسع في الطبقات المشمولة بهذا الجمع لتضم كبار الموظفين والمتقاعدين مقابل عجز حكومي عن توفير فرص عمل إضافية لأكثر من 600 ألف طالب عمل.

وكشفت دراسات أجراها قسم الدراسات والتوثيق في الاتحاد العام التونسي حول الازدواجية في تونس عن تزايد في "ظاهرة" تداخل الوظائف، ما ينعكس سلبا على سوق العمل ويضعف من مردود موظفي القطاع الحكومي "المنهكين" من ساعات العمل المكثفة نتيجة الجمع بين وظيفتين.

وأفاد الخبير في قسم الدراسات والتوثيق باتحاد الشغل عبد الرحمان اللاحقة، بأن ظاهرة الجمع بين وظيفتين أو أكثر في تونس تتوسع بشكل كبير، مشيراً إلى أنها لا تساعد على خفض البطالة بسبب إشغال الموظفين لفرص عمل كان يمكن أن تكون من نصيب العاطلين عن العمل. وقال اللاحقة في حديث لـ "العربي الجديد" إن عدد الموظفين الذين يلجؤون إلى العمل الإضافي لزيادة مداخيلهم الشهرية يقدر بعشرات الآلاف، لافتاً إلى أن قطاعات الصحة (الأطباء والممرضين) والتعليم بجميع مستوياته (الابتدائي والثانوي والعالي) والتدريب المهني هي أكثر القطاعات المشغلة لأصحاب الوظائف الثانية.

وبيّن الخبير بقسم الدراسات في اتحاد الشغل أن التوظيف المزدوج يزيد في مداخيل المنتفعين من وظيفة ثانية لكنه يتسبب في مشاكل اجتماعية كبيرة، مشيرا إلى أنه يعرض الموظفين الذين يبحثون عن وظائف تكميلية إلى الاستغلال ومختلف أشكال العمل الهش باعتبار أنهم يشتغلون خارج الأطر القانونية.

وقال الخبير إن القطاع الخاص الذي يوفر القسم الأكبر من الوظائف التكميلية هو أكبر الرابحين من العمل المزدوج حيث تستفيد المؤسسات المشغلة (مستشفيات، مدارس، جامعات) من خبرة وكفاءة موظفي القطاع الحكومي الباحثين عن وظائف ثانية مقابل أجور ضعيفة تدفعها هذه المؤسسات قد لا تتجاوز ثلث الأجر الذي يحصلون عليه من القطاع الحكومي، وفق تأكيده.

 

مضار اقتصادية

ومقابل انتفاع القطاع الخاص من خدمات موظفي القطاع الحكومي في إطار العمل الثاني يعتبر عبد الرحمان اللاحقة أن القطاع الحكومي يدفع باهظا ثمن عمل موظفين في وظائف ثانية، إذ غالبا ما تسبب ساعات العمل الإضافية التي يعملونها في إصابتهم بالإرهاق، ما ينعكس سلبا على مردودهم في وظائفهم الأصلية ويقلص من نجاعتهم في العمل.

واعتبر المتحدث أن تنامي ظاهرة العمل المزدوج مرتبط بصعوبات المعيشة التي يعاني منها التونسيون وحاجتهم إلى مصادر دخل إضافية، غير أن مضاره على الاقتصاد أكبر من منفعته للأفراد، بحسب تقديره.

ودعا اللاحقة إلى مزيد من مراقبة ازدواجية العمل في تونس لمنع "احتكار "الوظائف وزيادة فرص الشغل للعاطلين عن العمل، مشيرا إلى أن النقابات طلبت إنشاء لجنة وطنية تتمثل مهمتها في مساعدة الشركات الخاصة التي توظف موظفين عموميين للتخلي عن ممارسة الازدواجية.

ومقابل دعوة النقابات إلى الحد من ازدواجية الوظائف أكّد كريم بن خليفة (عامل في القطاع الحكومي) أن ضعف الرواتب وارتفاع كلفة المعيشة هو ما يدفع التونسيين إلى البحث عن مصادر دخل إضافية، حتى وإن اضطرهم ذلك لمخالفة القانون.

وقال كريم لـ "العربي الجديد": "لا أحد يريد العمل لأكثر من 18 ساعة يومياً، لكن للحياة إكراهاتها"، مشيرا إلى أن ما لا يقل عن 20 في المائة من العاملين في الإطار الطبي وشبه الطبي في المستشفى الخاص الذي يعمل فيه لديهم بعد الدوام الحكومي وظائف ثانية، سواء في القطاع الحكومي أو في مستشفيات خاصة أخرى.

وشدد بن خليفة على أن راتبه الحكومي الذي لا يتجاوز 1000 دينار (344 دولاراً) لا يكفي لسداد نفقات أسرته لأكثر من أسبوع، فيما يوفر له العمل في القطاع الخاص نحو 600 دينار إضافية، قائلاً إنه قد يضطر للبحث عن وظيفة ثالثة إذا تواصل النسق التصاعدي لنفقات المعيشة.

ويواجه التونسيون زيادة الضغوطات المعيشية التي أثرت سلباً على قدراتهم الإنفاقية، ما يضطرهم إلى الاستدانة بشكل دوري فيما يواصل ضعف نسب النمو الاقتصادي تأثيره على خلق فرص العمل.

إذ بعد أكثر من ثماني سنوات من ثورتهم التي طالبوا فيها بالشغل لا تزال نسب النمو الضعيفة تحول دون تحقيق المطلب الثوري للتونسيين بالعمل، إذ لا يتجاوز عدد فرص العمل التي تتيحها نسب النمو الحالية أكثر من 40 ألف فرصة عمل، إذ توفر كل نقطة نمو نحو 17 ألف فرصة عمل.

 

تأثيرات النمو

وبحسب توقعات البنك الدولي ينتظر أن يحقق الاقتصاد التونسي نمواً اقتصادياً في حدود 2.9 في المائة خلال السنة الحالية، على أن ترتفع هذه النسبة تدريجياً إلى 3.4 في المائة خلال سنة 2020، وتحقق نسبة 3.6 في المائة خلال سنة 2021.

ورأى المتفقد العام للشغل فؤاد بن عبد الله أنه من الصعب الجزم بتأثير تنامي "ظاهرة "الازدواج في الوظائف على سوق الشغل، مؤكداً غياب إحصاءات وبيانات دقيقة حول تنامي الطلب على العمل الثاني. وقال بن عبد الله لـ "العربي الجديد" إن قانون العمل يجيز في بعض فصوله لموظفي القطاع الحكومي الجمع بين وظيفتين مع تحديد ساعات العمل المسموح بها أسبوعيا. وأضاف أن من يجمعون بين وظيفتين يستفيدون من الاستثناءات التي يسمح بها قانون الشغل، ما يحد من إمكانية "إدانتهم" بخرق تشريعات الشغل.

وقال بن عبد الله إن زيادة العرض في الوظائف مرتبطة بالنمو الاقتصادي، مشيراً إلى محدودية تأثير الازدواج الوظيفي على العاطلين في العمل. ويبلغ عدد العاطلين عن العمل في تونس، وفق المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الأول من سنة 2019، حوالي 637.7 ألف عاطل عن العمل، مقابل 644.9 ألفاً في الربع الأخير من العام الماضي.

المساهمون