الاختناق اليمني

21 مارس 2016
التهديدات الأمنية تدفع نحو الهجرة (وكالة الأناضول)
+ الخط -
يعيش المواطن اليمني، محمد حمود، واقع الغربة بكل معانيها. يقول لـ"العربي الجديد": "أشعر بالغربة وأنا في وطني، لا أزور أسرتي في ريف تعز إلا مرةً واحدةً في العام". يعمل حمود طوال العام في العاصمة صنعاء، من أجل تأمين لقمة العيش. يعاني من آلام الغربة على الرغم من أن المسافة التي تفصله عن أهله لا تتجاوز 360 كيلو متراً.
تبدو الهجرة الداخلية في اليمن مسألة غير مهمة لدى الحكومات المتعاقبة. حتى بعد اندماج شطري اليمن في العام 1990، لم تضع الحكومات أيّ اعتبارات للآثار السلبية المترتبة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية الناجمة عن النزوح الداخلي.
تعتبر بعض المدن اليمنية الرئيسية جاذبة للسكان، حيث يزداد النزوح من الأرياف والمدن الأخرى التي تعاني التهميش الاقتصادي، وتعيش واقع الحروب المتكررة، إلى جانب غياب فرص العمل وتمركزها في مدنٍ محددة. مما يتسبب في خلق أزمات في المساكن، وزيادة الضغط على الخدمات واتساع رقعتي الفقر والبطالة.

ارتفاع اعداد النازحين

تحتل أمانة العاصمة "صنعاء" المرتبة الأولى بين المحافظات اليمنية الأكثر جذباً للنازحين، وبما نسبته 65% من صافي الهجرة الداخلية، تليها محافظتا الحديدة وعدن، بما نسبته 16%، و14% على التوالي. وتشهد أمانة العاصمة "صنعاء" نمواً سكانياً متزايداً، بمعدل سنوي قدره 10%، وفقاً للبيانات الرسمية، وذلك بفعل المركزية في السلطة والقرار المالي والإداري للدولة، حيث تتمركز جميع مؤسسات الدولة في العاصمة بما فيها المؤسسات الخدمية ليرتبط مصير المواطن بهذه المركزية التي تكلفه الكثير.

في المقابل، هناك مدن أخرى تُعد الأكثر طرداً للسكان أبرزها (تعز، صنعاء المجاورة لأمانة العاصمة، وإب)، وقد احتلت محافظة تعز المركز الأول في طردها للسكان، وبما نسبته 27% من النزوح الداخلي وفقاً للدراسات المتخصصة، وذلك بسبب الكثافة السكانية وغياب فرص العمل، وشح المياه.
"لقد تمت ممارسة سياسات متعمدة في اليمن ضد التنمية، حيث أُهملت الكثير من الأرياف والمدن اليمنية لصالح أمانة العاصمة "صنعاء"، الأمر الذي جعل هذه المدينة غير قادرة على استيعاب القادمين إليها، إضافة إلى تأثير ذلك بشكل سلبي على بقية المدن الأخرى والأرياف من خلال إهدار مواردها وعدم استثمارها"، كما يقول الخبير الاقتصادي علي سيف كُليب. ويضيف لـ"العربي الجديد": إن النزوح الداخلي المتزايد نحو العاصمة صنعاء، يأتي بفعل المركزية في إدارة الدولة، وتركيز التنمية على هذه المدينة، وإهمال بقية المناطق اليمنية، وهو ما يولد ضغطاً كبيراً على الخدمات، ولو تم الاهتمام بمختلف المدن اليمنية، وكذلك الأرياف فإن ذلك سيخلق نوعاً من التوازن في الضغط على الخدمات وسيعمل على توطين الكثير من المواطنين في مناطقهم، بحيث يكون لهم دور في التنمية، مما ينعكس إيجاباً على العملية التنموية ككل".
توضح دراسة حول "تنامي ظاهرة الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر" للدكتورة عفاف الحيمي، أستاذة مساعدة في قسم علم الاجتماع في جامعة صنعاء، أن "نمو الهجرة الداخلية في اليمن يأتي بسبب تدني مستوى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الريفية، وتزايد فرص العمل بالأجر اليومي في الحضر خارج القطاع الزراعي.
إضافة إلى تمركز المشروعات الصناعية والخدمية في المدن. الأمر الذي أدى إلى نمو السكان في المدن الجاذبة بشكل كبير، يقابله تراجع النمو السكاني في المناطق الطاردة".
أسهم النزوح الداخلي في اليمن، أيضاً، في تدهور النشاط الزراعي، وتراجع مساهمته في الناتج القومي إلى ما نسبته 10.5% بعدما كان اليمن يعتمد في الثمانينيات، من القرن الماضي، على القطاع الزراعي الذي كان يسهم بنحو 40% من الناتج القومي. وتشير الدراسة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إلى أن غياب التوزيع المتوازن للخدمات بين الأرياف وبعض المدن، بما فيها التعليم والصحة رجح الكفة لصالح الحضر، وأجبر الكثير على النزوح نحو المدن الرئيسية. وترتفع الأمية بين الذكور في الريف بنسبة 41.82% مقابل 23.14% في الحضر، وبين الإناث في الريف 84.93% يقابلها 48.8% بين إناث الحضر، وفي مجال الخدمات الصحية تعاني الأرياف من ضعف هذه الخدمات إلى حد كبير مقارنة بالمدن على الرغم من أن عدد سكان الريف يشكل ما نسبته 75% من إجمالي السكان، بينما يمثل سكان الحضر 25% فقط حسب الدراسة.

هجرة العقول

وتؤكد الدكتورة عفاف الحيمي في دراستها، أن الرجال في سن العمل والذين تتراوح أعمارهم ما بين (18- 45 سنة) يستحوذون على ما نسبته 60% من إجمالي الهجرة الداخلية أغلبهم من أبناء الأرياف، في حين تتراجع نسبة النساء والأطفال في الهجرة الداخلية إلى 40%، وتحتل الهجرة الداخلية ما نسبته 90% من أبناء الريف المتعلمين، الأمر الذي يهدد بهجرة عقول هذه الأرياف ويحرمها الاستفادة منها في مجال تنمية مواردها، وتصبح عرضة للجهل.
إلى ذلك، فإن الحرب التي يعيشها اليمن حالياً تسببت في النزوح الاقتصادي الذي أعاد تكوين الخريطة الاقتصادية، إضافة إلى خريطة البطالة والفقر في اليمن. حيث يرى رئيس مركز الإعلام والدراسات الاقتصادية، مصطفى نصر، أن ما يحدث في اليمن من انتقال عدد كبير من السكان من مناطق إلى أخرى ليس نزوحاً داخلياً، وإنما نزوح قسري، إما بسبب الحرب أو بسبب البحث عن المعيشة الملائمة، ويشير نصر إلى أن حالة النزوح التي حدثت في اليمن بفعل الحرب، يقدر ضحاياها بنحو 2.5 مليون نسمة. وشكلت تحدياً اقتصادياً كبيراً لمناطق النزوح، كما شكلت ضغطاً ضاعف من صعوبة الحياة المعيشية لتلك المناطق، كما أدت حالة النزوح إلى ارتفاع الأسعار، وساهمت في توسيع شريحة الفقراء في اليمن عموماً.
هذا التكوين الجديد الذي تخلفه الحرب الدائرة في اليمن، بحسب مصطفى نصر، يعتبر فرصة، يجب استغلالها، وذلك من خلال الاستفادة من حالة النزوح في تكوين مدن بديلة تستقطب بعض الأموال وتوظف جزءاً من العمالة النازحة، إلا أن توسع خريطة الصراع قد تتسبب في تعطيل هذه الميزة، وتجميد أيّ قدرات تحاول أن تستغل إعادة تكوين مدنٍ جديدة.

اقرأ أيضاً:رقابة في اليمن؟
المساهمون