يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى السيطرة حتى على مياه الأمطار، فيروي بذلك المستوطنات ويسدّ عطش سكّانها، في حين يحرم الفلسطينيين منها. ويُعَدّ ذلك خطوة إضافيّة في سياق مخطّطاته لدفع أهل الأرض إلى التخلّي عنها.
في خربة الفارسية الواقعة في الأغوار الشمالية، شمالي الضفة الغربية المحتلة، يعيش منصور أبو عامر محاصراً بمضايقات المستوطنين التي تكثر وكذلك التدريبات العسكرية لقوات الاحتلال. وهو ما يمنعه في أحيان كثيرة من الوصول إلى عين المياه هناك، لا سيّما بعد أعوام على جفاف وادي المالح الذي كان مصدراً أساسياً للمياه بالنسبة إلى المزارعين ومربّي المواشي. ويتخوف أهالي المنطقة عموماً من مصير مشابه لما حلّ بوادي وعيون المالح في العيون المتبقية في الجهات الأخرى، علماً أنّ الاحتلال عمل على مدى أعوام للسيطرة على مياه المالح من خلال حفر آبار عميقة تمنع تدفّق المياه.
قبل عامَين، علم الأهالي بأنّ الاحتلال ينوي تنفيذ مشروع جديد يقضي ببناء سدّ يحجز مياه الأمطار فيمنع وصولها إلى الأودية القريبة، وذلك وسط تحذيرات أطلقتها سلطة جودة البيئة الفلسطينية. ويقول أبو عامر لـ"العربي الجديد" إنّ "العين سوف تجفّ في حال تنفيذ هذا المشروع، الأمر الذي يؤثّر علينا بشكل كبير، ما يعني بالتالي أنّنا انتهينا كسكان للمنطقة".
وكانت رئيسة سلطة جودة البيئة عدالة الأتيرة قد حذّرت أخيراً، في مؤتمر حول التغيّرات المناخية، من بدء الاحتلال بتنفيذ خطة لبناء سدود تهدف إلى جمع مياه الأمطار في الأودية، كاشفة عن مخطط إسرائيلي إقليمي رئيسي لكلّ مناطق الضفة الغربية وتحديداً المناطق المصنفة "ج" سوف يؤدّي في نهاية المطاف إلى بناء 50 سداً مائياً. وتوضح الأتيرة لـ"العربي الجديد" تفاصيل المخطط، قائلة إنّ "سلطة جودة البيئة رصت خرائط إسرائيلية تابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية ودولة الاحتلال، خاصة بمشروع حصاد مائي للمياه المنسابة في الأودية، وذلك على شكل سدود صغيرة". وقد حصلت سلطة جودة البيئة، بحسب الأتيرة، على "تفاصيل كاملة حول سبعة من السدود، منها سدّ بارتفاع خمسة أمتار في منطقة الجفتلك وفصايل بالأغوار الوسطى شرقي الضفة، وآخر بارتفاع يتراوح ما بين خمسة أمتار و10 في منطقة الأغوار الشمالية شمال شرقي الضفة سوف يحرم قرى بردلة وكردلة والمالح وعين البيضة والمضارب البدوية من المياه، بالإضافة إلى سدّ آخر بارتفاع خمسة أمتار في وادي القلط في أريحا شرقي الضفة وسدَّين غربي رام الله وسط الضفة".
من جهته، يقول مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي لـ"العربي الجديد" إنّ "مثل هذا المشروع يُعَدّ جزءاً من برنامج إسرائيلي ممنهج منذ عام 1967 للسيطرة على كل مصادر المياه الفلسطينية. وبعد السيطرة على المياه الجوفية يأتي اليوم دور المياه السطحية، علماً أنّ الخطط في هذا المجال تعود إلى عام 1998". يضيف التميمي أنّ "الأثر المباشر هو توسّع الاستيطان وزيادة المساحات التي يسيطر عليها المستوطنون في الضفة الغربية". أمّا الآثار الأخرى فتشير الأتيرة إلى أبرزها "وهو التأثير في ينابيع المياه التي تغذّى بمياه الأودية، وهو أمر يعيد إلى الذاكرة إنشاء سدّ في جنوب دولة الاحتلال ليكون مشروع حصاد مائي للمياه التي تنساب من منطقة الخليل، ما أثّر في وادي غزة الذي كان يتغذّى من المياه المنسابة من أراضي الضفة الغربية إلى وادي غزة ثمّ إلى البحر. وفي ما يتعلق بالآثار البيئية، فإنّ أيّ مشروع لتغيير الطبيعة سوف يؤثّر في البيئة وهو أمر يتطلّب دراسة في المستقبل".
وبحسب الخطط الإسرائيلية، فإنّ الاستفادة من المياه التي تُجمع سوف تكون في مشاريع سياحية بيئية استيطانية، وكذلك لأغراض زراعية لمصلحة المستوطنين. وتشير المعلومات إلى أنّ خطة السدود الخمسين وُضعت في عام 2012 وقد صدّق في عام 2017 على تفاصيل وخرائط تفصيلية لسبعة من تلك السدود. وهذه السدود ليست الأولى من نوعها، بحسب التميمي الذي يوضح أنّ "سدّاً أقيم في شمال الأغوار لجمع مياه وادي الفارعة، وآخر في جنوب البحر الميت، لكنّ المشروع اليوم هو الأوّل لجهة الحجم والخطة المتكاملة".
وعن كيفية مواجهة المخطط الأخير، يشدّد التميمي على "ضرورة البدء بإنشاء سدود فلسطينية قبل السدود الإسرائيلية، وليكن ما يكون كجزء من المواجهة مع الاحتلال"، مطالباً كذلك بإعادة النظر في اللجنة المائية المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية. ويحذّر التميمي من مستقبل المياه في فلسطين، راسماً صورة قاتمة في حال استمرّ الوضع السياسي على ما هو، إذ إنّ "الشعب الفلسطيني سوف يصير زبوناً لدى شركات تحلية المياه الإسرائيلية للحصول على مياه الشفة، فيما تنتهي الزراعة المرويّة في فلسطين كلياً".
تجدر الإشارة إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على أكثر من 85 في المائة من مياه الضفة الغربية، ويضطر بالتالي الفلسطينيون في عدد كبير من التجمّعات السكانية إلى شراء المياه من شركة "مكروت" الإسرائيلية، علماً أنّ المستوطن يستهلك أكثر من سبعة أضعاف ما يستهلكه الفرد الفلسطيني من مياه.