وأشار عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن تقديم طلب إحالة الحالة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية يهدف إلى فحص الإجراءات المتبعة في مكتب الادعاء العام بشأن الملفات المرفوعة إليها، وما إذا كانت ترتقي إلى جرائم حرب أم لا. فإذا كانت ترتقي إلى مستوى جرائم حرب، تذهب المدعية العامة بها إلى قضاة المحكمة الجنائية لفتح تحقيق في الملفات المرفوعة، وإذا وجدت هذه المحكمة أنها جرائم حرب تستمر في التحقيق، أما إذا رأت عكس ذلك فيتم وقف التحقيق بها، وهذه هي الخطوة الأولى الضرورية. علماً أن إسرائيل دولة غير عضو في نظام روما، في حين أن دولة فلسطين عضو في هذا النظام، وإذا تبين أن الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب، فإن المحكمة عندئذ تذهب إلى مجلس الأمن الدولي لطلب إحالة المسؤولين الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب إلى المحكمة الجنائية، وعندئذ ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، ما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر. وأضاف "من جانب آخر، فإن القضاء الدولي هو تكميلي، أي أنه إذا قامت إسرائيل نفسها بمحاكمة جنودها ومسؤوليها المتهمين بارتكاب هذه الجرائم، كما حدث في قضية الشهيد عبد الفتاح الشريف، من مدينة الخليل، والذي قتله جندي إسرائيلي، فإن المحكمة لن تنظر في هذه الجرائم، لأن إسرائيل قامت بواجبها في هذا الشأن، ولأن القضاء الدولي يقوم بهذه المهمة، في حال كانت الدولة المتهمة بارتكاب مثل هذه الجرائم ترفض التحقيق فيها ومحاسبة مسؤوليها، أو لأنها لا تملك القدرة على ذلك".
وحاولت إسرائيل التلاعب بنقطتين لعدم فتح تحقيق ضدها، إذ إنها أشارت إلى أنها "فتحت تحقيقاً" بالمجازر المرتكبة ضد غزة، وأنها ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. وقالت إسرائيل إنها تتطلع "بنظرة صارمة" للطلب الفلسطيني المقدم إلى المحكمة الجنائية، وحثتها على رفض ما وصفته "بخطوة ساخرة". ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في بيان، الطلب بأنه "سخيف"، واتهمت الفلسطينيين "بالتحريض واستغلال المدنيين كدروع بشرية". وأشار البيان إلى أن "المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى الولاية القضائية في القضية، لأن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، ولأن السلطة الفلسطينية ليست دولة". وأضاف أن "إسرائيل تتوقع من المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام عدم الخضوع للضغوط الفلسطينية، والوقوف بحزم ضد استمرار الجهود الفلسطينية لتسييس المحكمة وعرقلتها عن تفويضها". وتقول إسرائيل إنها حققت في تصرفات قواتها، وإنها فتحت عدداً من التحقيقات في المجازر المرتكبة ضد غزة أخيراً. وقال بيان وزارة الخارجية إن "إسرائيل تتصرف بموجب آليات مراجعة قضائية مستقلة ودقيقة، بما يناسب دولة ديمقراطية، وبما يتفق مع القانون الدولي".
وأوضح عيسى أن بن سودا تستطيع تأجيل النظر في القضية لمدة سنة، ثم تمديدها بعد ذلك لمدة سبع سنوات، بينما بإمكان إسرائيل، من خلال أصدقائها وحلفائها، رفع قضايا ودعاوى ضد الفلسطينيين، بدءا بالرئيس وانتهاء بأصغر شبل فلسطيني، خصوصاً في ما يتعلق بإطلاق الصواريخ على إسرائيل خلال حرب العام 2014 على اعتبار أن إسرائيل دولة معترف بها. ودعا عيسى إلى وجوب تغيير التشريعات الفلسطينية المحلية حتى تنسجم مع التشريعات الدولية. وقال "يجب أن ندفع جميع المبالغ المطلوبة منا أثناء التحقيق، وهذه أمور معقدة للغاية، لأن المحكمة الجنائية تحتاج إلى مائة خطوة إجرائية، وكل خطوة تستغرق خمس سنوات، أي أننا نحتاج إلى 500 سنة لمحاكمة إسرائيل على جرائمها". إلى ذلك، نفى عيسى أن تكون دولة فلسطين قد تأخرت في توجهها إلى الجنائية الدولية، مشيراً إلى أنه تم منذ العام 2014 إرسال عدد من الملفات، سواء بشأن الاستيطان، أو العدوان على غزة في العام 2014، وأخيراً ملف شهداء مسيرات العودة.
وقال المالكي، بعد اجتماعه مع فاتو بن سودا في لاهاي: "نريد بهذه الإحالة القضائية أن يفتح مكتب المدعية العامة دون تأخير تحقيقاً في جميع الجرائم". وأشار إلى أن الإحالة تطالب بإجراء تحقيق في سياسات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية منذ انضمام فلسطين إلى المحكمة في يونيو/ حزيران 2014، موضحاً أن ذلك يشمل سياسة الاستيطان الإسرائيلية والمجازر التي ارتكبت ضد المشاركين في مسيرات العودة في غزة. وأضاف "العدالة المؤجلة هي عدالة مسلوبة. لقد تأخرت العدالة بما يكفي في فلسطين. آن الأوان لتحقيقها". واعتبر أن "هذه الإحالة هي اختبار فلسطيني للآلية الدولية للمساءلة واحترام القانون الدولي". ومن المرجح أن يختار الفلسطينيون طرح قضية الاستيطان على المحكمة الجنائية أولاً، إذ تبدو القضية الأقوى. وفي العام 2004، حكمت أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، وهي محكمة العدل الدولية، بأن المستوطنات خرقت القانون الدولي. وفي أواخر العام 2016، أعلن مجلس الأمن أيضاً أن المستوطنات غير قانونية.
ورداً على سؤال عما إذا كان الفلسطينيون يتوقعون عدلاً من هذه المحكمة، قال عيسى إن "المحكمة يجب أن تكون عادلة، ومن طبيعتها التحقيق حتى بلوغ العدالة، بما يكفل ملاحقة المتهمين بجرائم حرب وإنزال العقوبات بحقهم". وأضاف عيسى "تعرف جرائم الحرب، وفقاً للمحكمة الجنائية الدولية، على أنها الخروقات الخطيرة لاتفاقيات جنيف في العام 1949 وانتهاكات خطيرة أخرى لقوانين الحرب، متى ارتكبت على نطاق واسع في إطار نزاع مسلح دولي أو داخلي. وإدراج النزاعات الداخلية يتواءم مع القانون الدولي العرفي، وقد حدثت خلال السنوات الـ50 الماضية أكثر الانتهاكات خطورة لحقوق الإنسان داخل الدول ضمن النزاعات الدولية. أما جرائم العدوان، فإنه لم يتم تحديد مضمون وأركان جريمة العدوان في النظام الأساسي للمحكمة كباقي الجرائم الأخرى، لذلك فإن المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها على هذه الجريمة وقتما يتم إقرار تعريف العدوان، والشروط اللازمة لممارسة المحكمة لهذا الاختصاص".